انطلاق المساعي السياسية بثلاث طلقات متوازية

تعيش المنطقة، منذ أكثر من خمس سنوات، دوامة فوضى هي الأشدّ في عمرها الحديث فقد تغيّرت معالم دولها وسياساتها والحديث جار، غربياً، عن تغيير حدود ورسم وضمّ وقضم وتأطير عرقي واثني ومذهبي وقد وضع على سلم أولويات سياسات الغرب الخارجية.

لطالما أقنعت المنطقة، بمواردها الطبيعية من نفط وغاز ومياه، الدول الغربية بأهمية الحفاظ عليها كرصيد أو غنيمة تعزِّز من إمكانات وطاقات الدول ورصيدها، فكيف إذا كانت المنطقة تعيش اليوم هاجس الحفاظ على أمن الكيان «الإسرائيلي»، وإذا كانت النظرة إليها تنطلق من أولوية الاتفاق على تأمين المصالح الاقتصادية والسياحية والدينية والسياسية «الإسرائيلية»؟

يُجمع المراقبون والمحللون على أنّ كلّ مشاريع المنطقة وما تعيشه من فوضى بالنسبة إليها واقع تحت مرأى ومسمع وسيطرة «إسرائيل» بشكل مباشر، وربما تكون هذه القدرات هي أحد أسباب «الفوضى الخلاقة» التي انتشرت منذ خمس سنوات من دون أن تتوقف دقيقة واحدة. وإذا تمّ البحث في الأسباب يمكن أخذ نظرية النمو التصاعدي لإيران كأحد أبرز مواطن القلق «الإسرائيلي»، فبعد عجز «إسرائيل» عن كبح جماحها وجماح حلفائها وأبرزهم حركات المقاومة، كان لا بدّ من الانطلاق من زاوية أخرى مغايرة تماماً للحرب المباشرة مع المحور، فكانت فكرة التنظيمات التكفيرية عبر ضخّ كمية كبيرة من الوحشية التي تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات الإسلام، مع سابق تصور لقدرتها على جذب الشارع السني وحشده ضدّ إيران حيث بدأت هذه المجموعات تحارب المدّ الشيعي بامتياز.

سقط المشروع التكفيري أمام أبواب دمشق بمجرد صمود الرئيس بشار الأسد مع جيشه ثم انضمام حزب الله للقتال إلى جانبه، وكانت المفاجأة الأكبر دخول روسيا على المشهد حيث تغيّر معها كلّ شيء.

اليوم تبدأ المنطقة مرحلة مكثفة من الاتصالات والانفراجات السياسية وتتحرك الفرق الأممية باتجاه تحريك العملية السياسية في كلّ من سورية واليمن مع مفاجأة كبرى جاءت من الملف اللبناني بترشيح غير رسمي حتى الساعة لكنه حصد اهتمام الشارع اللبناني وبعث برسالة محاور بامتياز بطرح الرئيس سعد الحريري من باريس رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وهو الذي يمثل قطباً أساسياً من الأقطاب المارونية وصديقاً صدوقاً للرئيس السوري بشار الأسد.

العملية السياسية في سورية تنطلق نحو نيويورك قريباً بشخصياتها ووفودها والمعنيين بها واليمن تخوض مع مبعوثها الأممي اسماعيل ولد الشيخ جدية في البحث عن حلول وقد أكد وزير الخارجية اليمني الجديد عبد الملك المخلافي أنّ محادثات «جنيف 2» للتشاور حول الحلّ السياسي ستبدأ بعد 15 كانون الأول الجاري.

انطلاق الملفات الثلاثة في التوقيت نفسه، يدعو إلى التساؤل عن قطبة مخفية أجابت عنها روسيا بدخولها المباغت إلى سورية لمكافحة الإرهاب، فكلّ من قرأ المشهد أكد استحالة العودة إلى الوراء، وربما يرخي دخولها شيئاً من الإخضاع والقناعة في الوقت عينه، فهو إخضاع للرغبة الروسية في حماية حليفها الرئيس بشار الأسد من جهة، لكنه ربما قناعة بأن لا مفرّ من المفاوضات اليوم قبل أن تتمادى روسيا في طرح أوراقها الناجحة في سورية والمنطقة بعد أن تحقق إنجازات أكبر وأعمق في صفوف الجسم التكفيري.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى