أميركا والغرب يريدون استدراج روسيا نحو الحرب

راسم عبيدات

رصدت أميركا بأقمارها الصناعية أفغانياً من جماعة طالبان ينكح حمارة، وكذلك اكتشفت أنّ هناك مياهاً على سطح المريخ، ولكنها بقدرة قادر لم تستطع رصد شاحنات تسير بالمئات ومئات الكيلو مترات محمّلة بالنفط السوري والعراقي المسروق نحو تركيا، وهذا مؤشر على التواطؤ والمشاركة الأميركية في عمليات سرقة وتهريب النفط السوري والعراقي المنتفع منه أكثر من طرف، وبالذات تركيا التي أظهرت الأقمار الصناعية الروسية بالدلائل والصور مشاركتها بذلك، والدلائل والمعلومات تؤكد انّ عائلة أردوغان متورّطة بذلك ومنتفعة شخصياً من عمليات التهريب تلك، وكذلك حركة «داعش» وغيرها من الجماعات الإرهابية التي تجبي من ذلك نحو 3 ملايين دولار يومياً تذهب من أجل شراء البضائع التركية المدنية وشراء السلاح الأميركي والغربي.

دخلت روسيا على خط محاربة الإرهاب بشكل مباشر، بعدما شعرت بأنّ هناك خطراً جدياً يتهدّد مصالحها لجهة محاصرة نفوذها ومنافذها على البحر المتوسط والبحر الأسود، وان يصبح نفطها وخطوط غازها تحت رحمة أميركا والغرب الاستعماري وتركيا، ولذلك كان القرار الاستراتيجي الروسي بمشاركة قواتها الجوية مباشرة في دعم الجيش السوري بقصف مواقع الجماعات الإرهابية دون تمييز بين «داعش» أو « نصرة» او غيرها… وهذا غيّر الوقائع على الأرض وحقق الجيش السوري انتصارات ميدانية كبيرة واستعاد مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها الجماعات الارهابية، ولذلك شعرت أميركا وتوابعها من الغرب الاستعماري والخليفة السلجوقي ومشيخات النفط والكاز العربي بأنّ مشاريعها ومصالحها أصبحت في خطر جدّي وحقيقي، ولم تنفع حملة الخداع والتضليل والتشويه التي شنت على روسيا، تارة بالقول إنها ستغرق في المستنقع السوري، او انّ تدخلها سيعقد الحلّ السياسي، وبأنه لا يحق لروسيا «ضرب جماعات إرهابية معتدلة مثل النصرة» التي يريدونها شريكاً في الحلّ السياسي للمسألة السورية مستقبلاً، وبأنّ ما يقوم به الروس يجري بالتنسيق مع أميركا او بقيادتها.

المتغيّرات تلك واستمرار روسيا في حربها على الإرهاب قاد صنّاع القرار الأميركي والأوروبي الغربي والتركي لتوجيه عدة ضربات للقيصر الروسي، لكي يرسموا له خطوط الدفاع عن مصالحهم بالنار ويفرضوا عليه التراجع وكذلك تأليب الرأي العام الروسي عليه، فكانت عملية إسقاط الطائرة الروسية المدنية بقنبلة «داعشية» فوق سيناء المصرية بعلم ومعرفة أميركية وبريطانية و»إسرائيلية»، وبدلاً من ان يفرض إسقاطها التراجع على القيصر كثف من غاراته على الجماعات الإرهابية ووسّع من نطاق هجماته واستقدم قاذفات استراتيجية وبوارج حربية، واستخدم الصواريخ المجنّحة في قصف مواقع «داعش» في الرقة وادلب.

كلّ هذا أثار حنق دوائر صناع القرار في واشنطن وباريس ولندن وأنقرة والتي باتت تشعر بأنّ كلّ جهودها لإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري وحماية جماعاتها الإرهابية وخطوط تهريبها للنفط السوري والعراقي مهدّدة بالخطر، وشعور أميركا بأنّ مشروعها القائم على «توظيف واحتواء» داعش يتعرّض لمخاطر جدية، وبأنّ المنطقة بعد زيارة بوتين لطهران، وما صاحب تلك الزيارة من اتفاقيات اقتصادية نوعية وتسليح روسيا لإيران بصواريخ اس 300 وتعميق التحالف بينهما ليس فقط على اساس مصلحي، بل وأخلاقي أيضاً، وقول القيصر والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية بانهما لا يتخليان عن حليفهم السوري، هذا أشعل ضوءاً احمر أمام التحالف الأميركي، فكان قرار إسقاط السوخوي الروسية من قبل الطائرات التركية، له ارتدادات وتداعيات واسعة، فبدلاً من ان يتراجع القيصر، وجدنا أنه جنّ جنونه، ولم يكتف بالعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والسياحية ضدّ تركيا، بل الامور تطوّرت وتدحرجت نحو إعادة النظر في خط الغاز الروسي الذي يمرّ من تركيا «السيل التركي»، وكشف تواطؤ ومشاركة تركيا وعائلة أردوغان في تهريب النفط السوري والعراقي المنهوب من قبل «داعش» الخ… ولم يكتف القيصر بذلك بل استقدم احدث الأسلحة الى سورية، نظام الدفاع الجوي الروسي»أس 400» القادر على إسقاط أي طائرة تحلق في الأجواء السورية بدون تنسيق مع روسيا، بالاضافة الى البوارج الحربية.

ما يحدث الآن شبيه بأجواء الحرب العالمية الأولى وحادثة مقتل ولي عهد النمسا من قبل أحد الطلاب الصربيّين أثناء زيارته لساراييفو، والتي استغلت من اجل إشعال فتيل الحرب العالمية الأولى وتوظيفها لخدمة أغراض واهداف سياسية ضيقة.

ومما تجدر الإشارة اليه أنه مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين استعمرت الدول الأوروبية الغربية جميع أفريقيا وأغلب آسيا تقريباً، وعملت على زيادة التصنيع والسعي للمستعمرات لإمداد المصانع بالمواد الخام، وإمداد الأسواق بالمواد المصنعة، مما ادّى الى رفع سقف التوتر والتنافس بين الدول الاستعمارية نحو المستعمرات والسيطرة عليها.

جذور الخلاف الروسي التركي قديمة وتعود الى ما لا يقلّ عن 500 عام وسبعة عشر حرباً جرت بين الطرفين خسرتها تركيا جميعها وأفقدتها نفوذها في شبه جزيرة القرم.

القيصر والامبراطور اليوم يجسدهما فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. الأول يهدّد تركيا بأنها «ستندم على فعلتها»، والثاني يستنجد بالناتو طالباً مزيداً من الدعم العسكري، القوات العسكرية للبلدين تقف في مواجهة بعضها بعضاً مباشرة على جانبي الحدود السورية، فضلاً عن الحجم الهائل للترسانة العسكرية الروسية ووضعها على أهبة الاستعداد. الثابت أيضاً أنّ كلا الدولتين تحافظان على إبقاء مسافة بينهما ولو ضيقة، تسمح بعدم الاقتراب من حافة الهاوية، لا سيما الطرف الأضعف منهما رغم الضجيج والصخب الإعلامي وقرقعة السلاح.

تركيا «سُمح» لها توخي لهجة التهدئة إعلامياً بينما يمضي حلف الناتو في تعزيز وجوده العسكري على الأراضي التركية. أردوغان من جانبه استحدث لهجة «الدفاع عن العالم التركماني»، اسوة بخطاب الدول الاستعمارية في «الدفاع عن الأقليات» العرقية والدينية.

أردوغان واضح انه جنّ جنونه بعد خسارته لكلّ استثمارته من أجل اقامة منطقة عازلة في سورية، وتدمير الروس لأسطول شحنه من ناقلات النفط المنهوب والمسروق، ولذلك وجدنا إرسال قوات تركية الى نينوى في العراق بدون إذن الحكومة العراقية لدعم الجماعات الإرهابية هناك «داعش» وحماية إمداداته من النفط المسروق.

تاريخ أميركا والغرب الاستعماري في التدخل في شؤون الغير، ليس بالجديد، فأميركا في سبيل حماية مصالحها وتحقيق أهدافها دعمت أنظمة مغرقة في الديكتاتورية وقمع حقوق الإنسان، وغيّرت انظمة على غير إرادة شعوبها. بيد انه ينبغي النظر إلى الجولة الأخيرة في تعزيز التواجد العسكري الأميركي واتباعه الغربيين من زاوية المناخ الانتخابي المطبق على المشهد الأميركي، وما يواكبه من مزايدات ومواقف سياسية متشدّدة، هجمات باريس استغلت كذريعة لزيادة التدخل العسكري الأميركي والأوروبي الغربي في سورية والعراق بحجة ضرب «داعش»، حيث نشهد زيادة عدد الطلعات الجوية من الدول الأوروبية المختلفة إلى جانب المقاتلات الأميركية والتركية في الأجواء السورية يعزز مشاعر القلق من تدهور سبل السيطرة على العمليات العسكرية وحدوث اشتباكات مباشرة مع سلاحي الجو الروسي والسوري، وإسقاط تركيا للقاذفة الروسية، وما رافقها من نشر روسيا لأحدث ما في ترسانتها من دفاعات جوية في الأراضي السورية وما ينطوي عليها من استعداد البشرية لما هو اسوأ، وما يحدث في الجو يحدث في البحر حيث تزاحم القطع والبوارج الحربية الروسية والأميركية والأوروبية الغربية والتركية وغيرها.

التدخل الروسي المباشر في الحرب على الإرهاب وزيادة حجم التدخل العسكري الروسي بشكل كبير، أفقد تركيا وأميركا ومشيخات النفط والكاز وكلّ التوابع الأخرى الكثير من الأوراق التي كانت تراهن عليها خدمة لمشاريعها، أميركا كانت تريد الاستمرار في إدامة الصراع ونزيف الدولتين السورية والعراقية، ضمن مشروعها الفوضى الخلاقة، إدخال المنطقة العربية في حروب التدمير الذاتي، والصراعات المذهبية والطائفية وتقسيم المقسم من الجغرافيا العربية، وتركيا أضاعت فرصتها بإنشاء «منطقة آمنة… او حظر للطيران» في الشمال السوري.

أحدث الأسلحة من الطائرات الحربية والبوارج والطرادات البحرية الروسية والأميركية والأوروبية الغربية وحتى التركية، وكثافة وضخامة المناورات العسكرية أميركياً واوروبياً وتركياً و»إسرائيلياً» وروسياً وإيرانياً في البحر والجو، والتسابق على سورية والعراق والحشود الأميركية العسكرية والأوروبية الغربية في تركيا، تنذر بخروج الأزمة عن السيطرة وميل بعض القوى الفاعلة إلى ارتكاب خطأ ميداني يجرّ القوى الأخرى إلى مواجهات مباشرة غير محمودة العواقب، كما جرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى