اصمتوا… فأنا أحارب الإرهاب
فتحي نظام
اصمتوا فأنا أحارب الإرهاب… وكل من يخالفني الرأي إرهابي… هذا هو الإصدار الأخير لزعماء دولٍ تنبهت في نهاية المطاف إلى ضرورة التدخل عسكرياً في سورية بهدف «القضاء على داعش»، لما يُشكله حسب زعمها، من خطر على أمنها القومي، وكأنّ هذا التنظيم «الخطير» كان طيلة السنوات الماضية، يلعبُ ويمرحُ ويتسلى، فما الذي دعا رئيس الوزراء البريطاني لخوض حرب من النقاشات دامت 10 ساعات في برلمانه لينتزع قراراً بالتدخل العسكري في سورية، ولماذا يتوجه الرئيس الفرنسي هولاند إلى حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» الموجودة بالقرب من الساحل السوري؟ ولماذا أرسلت أميركا 50 مستشاراً عسكرياً إلى الحدود السورية التركية، لماذا في هذا الوقت بالذات؟
يبدو أنّ الموجة الجديدة التي ركبها زعماء الدول الغربية في هذا الوقت، قد غيّرت وجهتها بتغيّر الشروط، فقبل عامين من الآن خاض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حرباً في مجلس العموم لينتزع تصويتاً يقضي بالسماح للقوات البريطانية التدخل عسكرياً في سورية، بهدف إسقاط «النظام السوري» والإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لكنه اليوم طالب بالتدخل العسكري في سورية ليس للإطاحة بالرئيس السوري، بل لمحاربة «داعش» واصفاً كلّ الذين يعارضون مقترحه بأنهم «متعاطفون مع الإرهابيين».
وبالفعل بدأت المهمة وانطلقت 4 طائرات بريطانية من نوع «تورنيدو» من أصل 8 متهجة من قاعدة «أكروتيري» في قبرص لتشنّ 6 غارات على حقول نفط تستخدمها «داعش» في أطراف مدينة الرقة شمال سورية، 6 غارات من أصل 6000 غارة شنّها التحالف الأميركي منذ إعلانه حتى اليوم لم يفلح في الحدّ من تقدّم التنظيم أو إضعافه.
فرنسا التي أعلنت ترحيبها بالقرار البريطاني، أدّى رئيسها مشهداً استعراضياً وهو يتفقد حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» الموجودة في المتوسط لتشارك ضدّ تنظيم «داعش» في سورية والعراق حسب التصريحات الفرنسية، مشيداً من على متن البارجة بأولى الضربات البريطانية التي جاءت تعاطفاً مع الضحايا الفرنسيين الذين سقطوا جراء الاعتداءات الإرهابية قبل نحو ثلاثة أسابيع.
سارعت ألمانيا للالتحاق بالركب، بعد أن صادق برلمانها على زيادة عدد الجنود المشاركين بالتحالف الدولي ضدّ «داعش» في سورية والعراق ليصل إلى 1200 جندي وست طائرات مطلع عام 2016 .
أميركا التي تقود هذا الائتلاف، لم تكتفِ هي الأخرى بتوجيه الضربات من الجوّ، بل أرسلت 50 مستشاراً عسكرياً لها إلى منطقة «عفرين» الحدودية مع تركيا، والتي تعتبر منطلقاً للتوسع نحو مناطق أخرى في الجزيرة السورية، فيما يرى مراقبون أنّ الولايات المتحدة تحاول استمالة الأكراد، بخاصة وحدات الحماية الكردية من خلال ما يسمّى «الجيش السوري الديمقراطي»، حيث ستزيد من أعداد هؤلاء المستشارين إذا استدعت الأوضاع الميدانية العسكرية ذلك، معيدة إحياء ما كانت تسعى لإنشائه تركيا وهو المنطقة العازلة.
إذاً بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، تركيا، ومن ورائهم الولايات المتحدة الأميركية، الكلّ أبدى حماسته، رافعاً لواء محاربة الإرهاب المتمثل بـ»داعش»، لكن السؤال هنا لماذا اتخذت هذه الدول قرار التدخل العسكري في سورية دفعة واحدة؟ ما معنى قول الرئيس الأميركي باراك أوباما واصفاً قرار تلك الدول بأنه «الدليل على وحدتنا وتصميمنا على هزيمة داعش»؟ هل القدرة العسكرية الروسية التي تجلت واضحة في الأيام الأخيرة، هي من دعا ذاك الحلف لإثبات حضوره على الأرض؟ أم أنّ هذا الموقف الجماعي، عبارة عن استدارة تريد من خلالها القول: «إنّ الأولوية اليوم تتمثل في محاربة ذاك الخطر الكبير المتمثل بداعش، وليس الحديث عن تنحّي الرئيس الأسد» كما تجلى ذلك في التصريحات الأخيرة لقادة تلك الدول صراحة أو ضمنياً؟
الواضح أنّ الغرب وبعد الدخول الروسي القوي، يريد أن تكون له حصة في سورية، متذرّعاً بأيّ عمل إرهابي حدث في بلاده أو ربما سيحدث، رافعاً الشعار «المقدس» الذي لا يمكن لأحد معارضته «أنا أحارب الإرهاب».