تركيا… وسياسة فعل كل ما يلزم

عامر نعيم الياس

دخلت القوات التركية إلى شمال العراق، فيما الحكومة العراقية تلوّح باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي رداً على احتلال مباشر للعراق، يزيد من مأساته ويؤسس لإعادة صوغ الخريطة الجغرافية في المنطقة على أسس نسف اتفاقية عام 1926 التي نزعت بموجبها الموصل من أراضي تركيا وضمّت إلى العراق الموحّد. الموقف الإقليمي ملتبس مما جرى في العراق، خصوصاً الموقف الإيراني الذي لا يرقى إلى مستوى الدفاع عن حليف لحمايته في مواجهة تركيا وحزب «العدالة والتنمية»، حيث لا يزال العامل الإسلامي التفضيلي في العلاقات الإقليمية والخارجية الإيرانية يطغى في بعض الأحيان على مصالح طهران الحيوية في أكثر من مكان في المنطقة.

لا يفسّر الصمت الأميركي سوى أنه تسليم بما يجري وبانقلاب السياسة التركية في المنطقة وانتهاجها خطاً لا يقوم على مراعاة المصالح الغربية عموماً والأميركية خصوصاً في المنطقة، بل يمكن القول إننا اليوم أمام وجود استراتيجية تركية خاصة في العراق وسورية تتقاطع مع الاستراتيجية الأميركية في نقاط، وتختلف معها في نقاط أخرى لا يمكن الجزم بقدرة واشنطن على فرملتها عند الحاجة ومنها ما يجري اليوم في شمال العراق، وما جرى في سورية بإسقاط الطائرة الروسية، حادثتان تتقاطعان في شكل الرد اللا متوقع والعنيف من جانب أنقرة، وفي الأصل المسبب لردّ الفعل وهو التدخل العسكري الروسي في المنطقة والتحالف بين طهران وموسكو على خلفية هذا التدخل والذي توّج بلقاء الرئيس فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي في طهران قبل أسابيع.

الخوف من روسيا يدفع الأتراك على الدوام إلى الجنوح نحو التطرف في سياستهم الإقليمية تجاه دول الجوار، لا بل يدفعهم إلى اعتماد كل ما يلزم وما هو صادم في بعض الأحيان للحماية من موسكو، وهذا ما تكرر في التاريخ مرات عدّة ومنها ما حصل عام 1950 حين أرسل الأتراك قواتهم إلى كوريا للمساهمة في قتال الشيوعية، وردّت واشنطن الدين لأنقرة وضمّتها إلى حلف شمال الأطلسي عام 1952. قد يرى البعض أن ما يجري اليوم ينم عن خلاف بين الأطلسي وأنقرة ومحاولة حزب «العدالة والتنمية» الإخواني جر الأطلسي إلى صدام في سورية، لكن صورة الأمور تتعدى ذلك، فالرئيس التركي هو الذي اتّخذ قرار إسقاط الطائرة الروسية، وهو الذي أمر بدخول قوات تركية إلى العراق لاحتلاله متذرّعاً «بمساعدة حكومة بغداد المركزية في حربها على الإرهاب» وفق أحد المسؤولين الأتراك.

فشلت تركيا في سورية بعد التدخل الروسي، انتقلت علناً للتراجع عن شرط تنحي الرئيس السوري، وأرادت الدخول من موقع قوة واعتماداً على الأمر الراهن في سورية في العملية التفاوضية، لكن موسكو واستهدافها نفط «داعش»، والمناطق الحدودية السورية ـ التركية، خصوصاً تلك التي تشكل قاعدةً للأقلية التركمانية والمهاجرين التتار والقوقاز، دفع أنقرة إلى محاولة الحفاظ على موطأ قدم لإرهابييها في شمال غرب سورية، لذلك بدأت بخطوات ميدانية وإرسال إرهابيين وأسلحة، وحاولت تدويل القضية التركمانية لتأمين الغطاء السياسي الأممي لنفوذها ونيّتها التقسيم غير العلني لسورية.

في المقابل وفي العراق، ردّت تركيا اليوم بشكل مباشر على غرفة عمليات بغداد الروسية ـ الإيرانية ـ السورية ـ العراقية، وردّت على الدور الذي تلعبه قوات الحشد الشعبي، وأدخلت قواتها إلى شمال العراق بالتعاون مع مسعود البرزاني الذي لا همّ له سوى الحفاظ على الوضع الحالي لإقليم كردستان وتطوير العلاقة مع حليفه التركي بما يضمن التوازن والدعم لسياسته في مواجهة منطقة تدخل عصر المتغيّرات الجغرافية من أوسع أبوابه.

حتى اللحظة تراهن تركيا على حلف الأطلسي، قالت في معرض ردّها على التصعيد الروسي إن حدودها مع سورية هي حدود الأطلسي، حالها حال حدودها مع العراق فهي حدود الأطلسي أيضاً، لكن السيناريو البديل التركي يسير بالتوازي مع التحالف مع الأطلسي، فالرهان على كانتون تركماني في سورية، واقتطاع لولايتي حلب والموصل، أو على الأقل الحفاظ على التواجد الإرهابي المرتبط بتركيا على أراضي سورية والعراق.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى