في سياق الحرب الكاذبة على «داعش»!

محمد ح. الحاج

لأنها حرب كاذبة ولأنّ لتحالف الغرب وبعض العرب أهدافاً ليس منها القضاء على «داعش»، تتوالى الشواهد تحت مسمّى أخطاء سببها عدم التنسيق مع الجانب الأصيل المعني بمحاربة «داعش»، وهو الجيش السوري ومع الحكومة وتحالفها المشرقي المتضرّر الأكبر من وجود «داعش» وانتشاره بدعم من التحالف الغربي على أرض الواقع.

قصف التحالف الغربي للمصالح والمنشآت الحكومية السورية الواقعة ضمن سيطرة «داعش» جرى وفي جميع الحالات بعد عمليات تنسيق من قبل غرف العمليات في تركيا والأردن بحيث يتمّ الإخلاء وتدمير المنشآت والبنى التحتية التي هي غاية بحدّ ذاتها تندرج في سياق الحرب الاقتصادية وهدم بنية الدولة السورية، ومن ذلك ما حصل في الرقة ومحيطها، ومحيط دير الزور والحسكة وحتى حلب، بحيث دمّر طيران التحالف محطات المياه من دون أن يلحق ضرراً بأيّ وجود للتنظيم في ما حولها، ولقد تمّ استهداف وحدات للجيش ومراكز حكومية لم يتواجد فيها التنظيم، بل وحدات عسكرية تدافع عنها، وأدّى ذلك إلى فتح أبوابها أمام الزحف الداعشي بعد تمهيد الطريق والقضاء على المقاومة، وقبل زمن ليس بالبعيد قام الطيران المتحالف بحماية أرتال «داعش» المتقدّمة من العراق باتجاه تدمر وأرتال أخرى من ريف دير الزور ومن الرقة، وكان يقوم بالتصوير بدل عمليات القصف في الوقت الذي أبلغ عن طريق أطراف أخرى مطالبه بمنع تجاوز الطيران السوري تدمر حتى لا يكون صدام معه، والكثير من الشواهد منها على سبيل المثال لا الحصر قصف قوات الحشد الشعبي وتزويد وحدات «داعش» بالأسحة والمعدات والتموين تحت ستار الليل وعن طريق الحوّامات العملاقة، الأمر الذي كشفه ضباط كبار في الجيش العراقي، والتدخل الأميركي الفجّ في تشكيلات القوات العراقية التي تشارك في تحرير المناطق العراقية التي احتلتها «داعش» تحت رعاية هذا التحالف المشبوه.

المشاركة البريطانية الحديثة استهدفت أيضاً مشاريع ومنشآت النفط وليس أرتال «داعش» أو مراكزه أو قوافل صهاريجه التي تنقل النفط إلى تركيا وعبرها إلى الكيان الصهيوني الذي يموّل «داعش»، باعتباره دولة فوق القانون الدولي ولا تنطبق عليه القرارات الصادرة عما يسمّى مجلس الأمن، ولهذا الكيان رغبة حقيقية معلنة في استمرار النزيف السوري يؤيده في ذلك أعضاء المحفل من وزراء وأعضاء مجلس شيوخ ونواب أميركيين وأوروبيّين، وجدير بالذكر ما قاله وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان عند بداية إعلان الحرب على «داعش» بأنها تحتاج إلى سنوات عشر على الأقلّ، إلى أن بدأت فعاليات التحالف المشرقي الذي أنجز في أيام ما ادّعى التحالف الغربي إنجازه خلال أكثر من عام.

يتساءل بعضنا كيف يدخل طيران التحالف الأجواء السورية بوجود الطيران السوري والروسي، وكيف يتمكّن من قصف أهداف داخل الأراضي السورية، هنا لا بدّ من توضيح تقني مفاده أنّ المناطق التي يتمّ استهدافها لا تحتاج إلى أكثر من نصف دقيقة طيران من الأجواء التركية أو العراقية باعتبار مناطق القصف ملاصقة للحدود طبقاً لسرعات الطيران المغير، وأيضاً أنّ القاذفات الحديثة يمكنها ضرب الهدف من مسافات متوسطة وبعيدة عبر الصواريخ الموجهة، سواء منها ذاتية التوجيه أو الموجهة بالأقمار الصناعية، وهنا يمكن للتحالف التنصّل من عمليات القصف والادّعاء بأنه لم يفعلها، وهذا ما حصل بعد استغاثة «داعش». الإثبات الوحيد هو التصوير عبر الأقمار الصناعية التي تراقب المنطقة على مدار الساعة وبينها إيرانية وروسية وغيرها وقد تظهر الإثباتات في القريب.

من يتساءل لماذا يضرب التحالف وحدات سورية يعلم أنها تحارب «داعش» وتدافع عن مدينة دير الزور، يكون إما جاهلاً الحقائق، أو هو يحسن الظنّ بهذا التحالف الذي لم يقدّم دليلاً واحداً على جدّيته في محاربة التنظيمات الإرهابية ومنها «داعش» و»النصرة» ومتفرّعات «القاعدة»، بل هو يعمل جاهداً لاستثمار ما تقوم به هذه التنظيمات فيوفر لها ديمومة الاستمرار بما يحقق مصالح دوله وشركاته وهذه لا تتحقق باستمرار قوة الدولة السورية أو قوة جيشها ووحدته والمقومات الاقتصادية التي توفر له القوة المطلوبة.

تركيا تقوم بإدخال قوات إلى منطقة الموصل بدعوى تدريب قوات لمحاربة «داعش»، وهي الدولة التي سمح لها تحالف الغرب والعربان أن لا تنضمّ له ولا تلتزم بمحاربة «داعش»، الدولة التي بقيت أبوابها مفتوحة وتقدّم تسهيلات عبور الأفراد وقوافل الإمداد بكلّ مستلزمات التنظيمات وأولها «داعش» و»النصرة»، تماماً، كإعفاء الكيان الصهيوني وهما الموظفان المستفيدان من حرب العالم على سورية وحكومتها الداعمة للمقاومة، هذا الدخول يعتبر مقدّمة لوضع اليد على الشمال العراقي، فالموصل هدف قديم للحكومات التركية المتعاقبة، لم يسقط من حساب الأطماع كما هي حلب وإدلب، وسيكون هذا التواجد ومبرّراته مقدّمة لفرض أمر واقع كما حصل العام 1938 في لواء الاسكندرون ما يرتب على الحكومة العراقية ومجلس الأمن الدولي بكلّ أطيافه التصدّي لهذا الوجود، وإذا كان واجب الحكومة العراقية التصدّي له عسكرياً فإنّ من واجب دول العالم الإعلان عن موقف مؤيد للعراق لإجبار الحكومة التركية على الانسحاب حفاظاً على وحدة العراق وسيادته، خصوصاً أنّ الحكومة العراقية الشرعية لم تسمح بهذا الوجود وهي لم تطلب أساساً من الحكومة التركية القيام بتقديم ما يسمّى دعماً أو مؤازرة في الحرب على «داعش»… إذاً ما الذي تريده تركيا ومن هي الدول التي دفعتها للقيام بمثل هذه الخطوة، بالأحرى ما هو الثمن المطلوب لخروج قواتها من الشمال العراقي؟

العقوبات الروسية على تركيا تضمّنت وقف المباحثات بشأن خط السيل التركي للغاز الذي يزوّد تركيا باحتياجاتها والتصدير عبرها إلى أوروبا، وهو أكثر بنود العقوبات أهمية في ما يخصّ المستقبل على الصعيد الاقتصادي، هنا بيت القصيد حيث يتداول المحللون همساً حول وساطة قطرية سعودية تقوم تركيا بسحب قواتها على أن يلتزم العراق السماح بمدّ خط الغاز القطري عبر أراضيه ليشكل بديلاً للخط الروسي أو منافساً له على الأقلّ، وقد تظهر جدية الموضوع في القريب، علماً أنّ الوجود العسكري التركي ليس لمحاربة «داعش»، وإنما لاستمرار حماية جناحي وجوده باتجاه الأراضي التركية ومنع الأكراد من إغلاق ممرات المنطقة في وجه الإمدادات القادمة من تركيا إلى هذه المنطقة، تركيا التي أعلنت مؤخراً انضمامها إلى تحالف الحرب على «داعش» تمارس الكذب والخديعة، لأنّ المطلوب منها إغلاق الحدود ووقف الإمدادات وعبور المرتزقة، وتبقى العملية لعبة استخبارية تخطط لها عقول شيطانية وشخصيات كبيرة ليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي حكوماتها، بل هي تعمل بتوجيه المنظمة السرية العالمية المسيطرة على أغلب قادة الاستخبارات في مختلف الدول الغربية على صعيد تحالف الأطلسي، وبينهم من يقود عمليات عبر الحدود في دول المنطقة ويقوم بتوجيه قادة استخبارات الكثير من الدول العربية المتورّطة في الحرب على المنطقة، الأيام المقبلة كفيلة بكشف الخبايا ومعرفة مواقف الدول الغربية وكشف أبعاد اللعبة التركية القطرية ودور أميركا الذي هو الأساس في برمجتها وإخراجها، وأيضاً استثمارها وحلّ ما يعتبر أزمة في العلاقات العراقية التركية.

القضاء على الإرهاب بكلّ أشكاله ومسمّياته في العراق والشام وحده الكفيل بالحفاظ على وحدة الشعب والأرض، ووحده من يقف في وجه التدخلات المشبوهة من قبل الدول الأخرى وخصوصاً منها الدول المجاورة ذات المصالح والأهداف المكشوفة في المنطقة وأولها تركيا والكيان الصهيوني.

استعادة الجيش السوري لزمام المبادرة وفرض سيطرته على كامل الأرض السورية والأجواء السورية وإعادة نشر وحدات الدفاع الجوي بعد تحديثها هو ما يمنع عربدة طيران العدو وإسقاط أية طائرة تجرؤ على اختراقها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى