هل كان يجب أن تُشكر قطر؟
جمال العفلق
من دون طلب وفي ليل شتاء بارد تحرّكت المخابرات القطرية حاملة ملف المخطوفين من قوى الأمن والجيش اللبناني لتقدّم اقتراح الحلّ وتتعهّد بأن تحرّر المخطوفين بعد غياب سنة وخمسة أشهر. ولأننا نعلم جميعاً أن لا شيء في السياسة مجانياً، فإنّ قطر لم تبادر إلى ذلك برغبة منها بل لأنّ هناك من طلب إليها ذلك بعد أن تمّ ترتيب الموضوع مع الخاطفين الإرهابين.
تعثرت المفاوضات وكأنّ الطرف الآخر كان يريد القول إنه يمتلك القرار ولديه كامل الحقّ في القبول أو الرفض، لكنّ التكتم والجهد الذي بذله الأمن العام اللبناني لم يتوقف، فحياة العسكريين المخطوفين أهم من كلّ التجاذبات السياسية وهذا يُحسب للمفاوض اللبناني الذي التزم كلّ هذا الصمت وسط هذه الضوضاء.
وصلت القافلة حاملة معها المحرّرين وجثمان شهيد قضى على يد خاطفيه، كما رفاقه السابقين. كان لافتاً بعد إتمام الصفقة أنّ بعض المخطوفين قالوا شكراً قطر، ومنهم من قال إنّ العسكريين كانوا ضيوفاً لدى «النصرة»، بينما قال آخرون إنهم كانوا في الإقامة الجبرية. لكنّ الأهم ما قاله السياسيون الذين شكروا قطر مراراً ولم يشيروا إلى الدولة السورية التي دعمت المفاوض اللبناني وأفرجت عن معتقلين أثبت عليهم جرم الإرهاب، وهذا ما أغفله من شكروا قطر وأثنوا على دورها وكادوا يشكرون «النصرة» ويرفعون القبعة لها.
نسي من شكر قطر أنها مولت ولا تزال الإرهاب وأفادت معلومات حول صفقة التبادل بأنها دفعت مبلغ خمسة وعشرين مليون دولار لتحرير المخطوفين وهذا دعم وتمويل للإرهابيين بصورة غير مباشرة. نسي هؤلاء أنّ قطر تتعاون مع تركيا على دعم الإرهابيين الذين وصلوا إلى عرسال وأقاموا فيها إمارة مستقلة عن لبنان، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ خطف العسكريين اللبنانيين وقتل عدد منهم هو بتعليمات غرف المخابرات التركية والقطرية، فعن أي جميل يتحدثون وعن أي دور يقدمون لها الشكر؟
سيقول البعض إنّ هذا من أصول الديبلوماسية والكياسة، ولكن هل يُشكر العدو على فعل قام به مُكرهاً؟ وهل يجب أن نشكر من هو في الأصل داعم لهذا الإرهاب؟ ألم تأتِ المبادره القطرية وكأنها لحظة نخوة من دون مقدمات نتيجة لعمل مخابراتي أنتجه الواقع المرتبط بخطأ تركيا عندما أسقطت الطائرة الروسية؟
إنّ من يحاول تلميع صورة «جبهة النصرة» قبل مؤتمر الرياض يريد تقديم بديل عن «الجيش الحرّ» المزعوم لتكون «النصرة» بديلاً ميدانياً وتجمع فصائل الإرهاب الأخرى تحت لوائها.
أنا لا أحسد قطر هنا على سلة الشكر التي حصلت عليها وبالتأكيد هناك باقات أخرى تُجهَّز، وخصوصاً عند حلفاء «النصرة» وممثليها على الساحة السياسية اللبنانية، الممثلين الذين لم يستطيعوا إقناع «النصرة» بأن تفرج عن أبناء جيشهم رغم أنهم يتغزلون بها ليل نهار ويتهمون الجيش السوري بالبطش ويصفون الدعم الروسي والإيراني بالاحتلال، وفي المقابل، يعتبرون تركيا وذيول إرهابها أصدقاء.
هل يعني شكر قطر أن ينسى أهل الشهداء الذين ذُبحوا على يد الإرهابيين دم أبنائهم ؟ وهل يعني أنّ من قُتلوا من عسكريي وضباط الجيش اللبناني وقوى الأمن لا يعنون من شكر قطر؟ ألا يعي من شكر هذه الدولة أنه يشكر «النصرة» التي ما زالت أميركا تدّعي أنها تُصنفها من ضمن الجماعات الإرهابية؟
للسياسة مداخل ومخارج كثيرة، وللسياسين أدوار تتبدل، لكنّ الطبيعة علمتنا أنّ الذئب لا يصبح حملاً، وأنّ دماء الشهداء عطر الوطن وهي أغلى من كلّ مواقف السياسين والصفقات. فهل يجب الشكر على حساب الدماء الزكية؟ وهل يجب أن يُعفى عن الجاني بقرار سياسي وأصل العفو لولي الدم لا للسياسين ومن قتلتهم «النصرة» لا يعفي عنهم أصحاب اللعب على الحبل السياسي بل أهلهم هم الذين يحقّ لهم العفو فقط. الأسر التي بكت اليوم فرحاً لعودة المخطوفين، ولكنها بالتأكيد تذكرت دماء الشهداء الذين قُتلوا غدراً على أيدي الإرهابيين.
وإذا كانت الديبلوماسية تفرض شكر قطر التي ساهمت في إنجاز الملف، إلا أنها توجب تسمية من ساعد وسهل وأفرج عن معتقلين. ألا يجب شكر المقاومة التي فرضت واقعاً ميدانياً على الحدود السورية ـ اللبنانية؟ ألا يجب شكر المقاومين الذين يحرسون لبنان ويقاتلون في سورية من أجل لبنان، أم أنّ الوقت لم يحن بعد لإعلان المواقف الحقيقية والوقوف بجانب الحق؟
إلى أي مدى سيسير بنا من يدّعون السياسة والزعامة وهم للأسف تابعون لقرارات العواصم الإقليمية ومرتشون يقبضون المال ويبيعون المواقف.
على من يلمع وينظف صورة الجماعات الإرهابية وعلى رأسها «النصرة» التي تتعاون مع «إسرائيل» علناً، ومن دون أي خجل أو حياء، أن يعلم أنّ روح المقاومة لا تموت وأنّ «النصرة» إرهابية وفعلها الإجرامي لا تغسله كلّ أنهار الأرض وكلّ حبر الصحف الصفراء ومحطات تصنيع الأخبار والترويج للإرهاب على أنه واقع وطني وتهمل، أي تلك المحطات نفسها، المقاومة وتتجاهل وجودها.