أردوغان – بندر – داعش – عون – ساركوزي

ناصر قنديل

– في كواليس المشهد الإقليمي جملة ترتيبات وتغييرات هادئة تجري إلى جانب العواصف الكبرى التي تطغى على المشهد، فتراجع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خطوة إلى الوراء للابتعاد عن الصورة، بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، والتخلي عن قيادة حزبه في الانتخابات النيابية تطلعاً لولاية جديدة كرئيس للوزراء يعني تقاعداً من موقع شرف، وتسليماً بنهاية المهمة بفشل، مهمة التقدم بالمشروع الإخواني بنسخته العثمانية الجديدة لقيادة العالم الإسلامي، والعودة لارتضاء دور تركي خلفي، إفساحاً في المجال أمام الرئيس عبد الله غول لقيادة الحزب وتركيا وفقاً لمعادلة تسووية قادرة على بناء الجسور مع المعارضة الداخلية والقوى الإقليمية والدولية التي كسر أو أصاب أردوغان الجسور معها.

– بمثل الذي يجري في تركيا بهدوء، ثمة ما يجري في السعودية بهدوء أيضاً، فبعد تعيين وترفيع وعزل وإبعاد، يستقرّ المشهد على ردّ اعتبار معتدل لرجل المملكة القويّ بندر بن سلطان، الذي كان صاحب الأمر والنهي في العام الماضي عندما كانت الرهانات على سقوط سورية، وأبعِد عن الواجهة ومثله أشقاؤه أبناء ولي العهد السابق والده سلطان بن عبد العزيز، وجيء بأبناء عمومته مكان كلّ أبناء سلطان، أبناء بندر بن عبد العزيز ومشعل بن عبد العزيز ومتعب بن عبد العزيز، تستقرّ المعادلة اليوم على تسليم أبناء ولي العهد سلمان الشراكة مع أبناء الملك من جهة، ويعود بندر من جهة ثانية ويعيّن ابنه رئيساً للاستخبارات ليكون معه جهاز تنفيذي لكن بمهمة مختلفة، فهو يعود لما كان عليه في الثمانينات مبعوثاً شخصياً للملك، ومستشاراً خاصاً، ويومها كانت العلاقة بسورية وموضوعها لبنان، ويبدو أنّ اليوم المحور هو العلاقة مع إيران وموضوعها العراق، ومثل الطائف اللبناني طائف عراقي قيد الطبخ على نار هادئة، ومثلما كان مدخل الطائف ربطه بخطة حسم عسكري ضدّ خصم يجري تصنيعه وتحتاج غطاء دولياً إقليمياً، يبدو الطائف العراقي على موعد مشابه، مع الفارق بين ما جرى حينها من إحراج للعماد ميشال عون لإخراجه إفساحاً في المجال للحقبة السعودية في لبنان، وبين ما تتقدم به المواجهة مع داعش اليوم كقدر لا بدّ منه، فالبحث عن كبش فداء لتبرير التسوية وتظهير المتخاصمين منتصرين معاً من دون غالب ومغلوب يبدو قاسماً مشتركاً.

– عندما يمتلك تنظيم داعش مدافع ثقيلة وصواريخ متوسطة المدى وسلاحاً كيماوياً وعندما يصير على حدود كلّ من تركيا والسعودية والأردن وإيران ولبنان، وعندما يصير في جزء من جغرافيا سورية والعراق والنفطية منها بوجه الخصوص، وعندما يكون داعش قد أعلن أنه وراء خطف المستوطنين اليهود وقتلهم، ويتمدّد في فلسطين، يكون السؤال الطبيعي هو هل وجد داعش ليبقى أم ليكون موضوع الإجماع الدولي الإقليمي على وجود ما يستحق تفادي وتجاوز كلّ خلاف لاستئصال هذا الوحش الدموي، والتغاضي عن كلّ نقاط الاشتباك السابقة للتحالف في وجه الخطر المشترك، أو أن ما يجري بداية التسليم أنّ النظام العالمي والنظام الإقليمي ينهاران وتتلاشى القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً أمام ولادة دولة الخلافة، وجبروت الخليفة أبي بكر البغدادي.

– الحملة الشعواء التي استهدفت كلام العماد ميشال عون عن الدعوة لانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، تدلّ على خواء الحياة السياسية اللبنانية، واشتغالها على مبدأ الريموت كونترول، فلا يزال المبرمج يعطي التعليمات فتنطلق الحملات بلا وعي ولا تفكير ولا تمعّن، وبكبسة زر يصير العماد عون مشكلة لبنان الوحيدة وتهون أمامه باقي المشكلات، حياة سياسية لبنانية بائسة ينكشف بؤسها مرة أخرى لهذه الدرجة بغض النظر عن حق النقاش، لو كان هناك نقاش، بل كثيرون يتباهون بالقول لا نريد أن نناقش ما قاله الجنرال، طبعاً لأنّ المهمة هي مهاجمته وليست المناقشة.

– أسجل فرحي لوجود نيكولا ساركوزي في السجن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى