أوباما يزيد من أحمال سيزيف السوري… السكود وحده من يثبّت الصخرة

د. محمد بكر

في موازاة نشاطه واتصالاته المكثفة مع الحلفاء والتي كان آخرها ما بحثه الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند لجهة إنشاء جبهة مشتركة لمواجهة «داعش»، قصفت طائرات التحالف الأميركي وعلى عينك يا روسي موقعاً عسكرياً للجيش السوري في دير الزور، وكعادتها استمرت الخارجية السورية في إعادة «الأسطوانة» ذاتها وانتهاج الخيارات والردود «السيزيفية» لجهة توجيه رسالتين متطابقتين للأمم المتحدة ومجلس الأمن، بل وناشدت الأخير للتحرك العاجل لوقف «العدوان الغربي» على سورية، وهو ذات الفعل المتكرّر دوماً حيال كلّ الانتهاكات «الإسرائيلية» للأجواء والأراضي السورية خلال سنوات الحرب.

ربما جاءت الخطوة الأميركية في توقيت له دلالاته السياسية ولا سيما بعد وقتٍ قصير من حديث الرئيس بشار الأسد لصحيفة «صنداي تايمز» في جزئية أثارت الغضب الأميركي لجهة إعلان الأسد أنّ بلاده لا تضيّع الوقت في مناقشة جدوى التحالف الأميركي، وهي بدأت بمحاربة الإرهاب وستستمرّ في ذلك بصرف النظر عن أيّ قوة عالمية، ما يعزز بالضرورة مسارات وحراك الحليف الروسي.

تفيض حلقات مسلسل الحرب السورية بالصور «السيزيفية» لجهة برودة ردود سورية وحلفائها وطريقة التعامل مع النيران المستعرة والممتدّة في الجغرافية السورية، أكلت ألسنتُها الكثير، وهي في طريقها لتلتهم ما تبقى من الوطن السوري، ولا يزال الدوران في حلقة مفرغة سيد الموقف، والكباش الدولي في أعلى معدلاته، يهرع فيه الجميع، الصغير والكبير لإفاضة زيوته على النار السورية، وما زالت مفردات ضبط النفس والاحتواء والردّ الاستراتيجي تتكاثر في القاموس السوري، ربما ما طغى على الأزمة السورية وما تكاثر فيها من أيدٍ دولية يجعل من الصعب المصادقة على الخيارات الاستراتيجية، ولا سيما بعد تدخل الروسي الذي لن يكون حضوره في الساحة السورية على حساب علاقته مع الكيان الصهيوني، بل ولن يسمح بتخريبها والمساس بها، وكذلك لن يدفع باتجاه صدام مباشر مع الولايات المتحدة وحلفائها، هذه الخيارات التي أصبحت حاجة ملحة اليوم لقسم كبير من الشارع السوري الذي ضاق ذرعاً بيوميات سوداء وفقدانٍ لأحبة بالجملة من دون أن يلوح في الأفق ما يبشر بعوامل إطفاء وإخماد الحريق السوري، ما يجعل من سورية كـ»سيزيف».

يحلو كثيراً لأوباما وتحالفه أن يرى تلك المشهدية وما تفرزه من حيثيات وتفاصيل دموية وصورٍ من الاستنزاف اللامتناهي لخصومه في المستنقع السوري، بل ويسارع هو وحلفاؤه لرفد ما تنوء سورية بحمله ومصارعته بأثقال إضافية، من الطبيعي أن يعلن الأميركي في حضرتها أنه لن ينجرّ للتدخل برياً في سورية والعراق، وسيبقى داعماً كما يقول للقوات التي تواجهه على الأرض، بل الأصحّ أنه يسعى لدعم الطرفين معاً على قاعدة «تكسير الفخار لبعضه» في الداخل السوري.

إنّ الاستمرار في توجيه الرسائل الأممية المتطابقة لفضح الاعتداءات، وتوصيف السلوكيات والخطابات والإرادات الغربية على أنها هزلية، وغير جادّة في مكافحة الإرهاب، والمضيّ مع الحلفاء في محاربة الإرهاب ضمن مسارات تتنافر ومسارات الغرب فقط، لن يغيّر في المشهد السيزيفي قيد أنملة ولن يلغي مضيّ الولايات المتحدة في الاستثمار قدماً بما يحدث على الأرض في محاولة «لتركيع» الخصوم، بدليل أنه وبعد كلّ ما قيل عنه وما تمّ توصيفه لجهة اتفاق المشتبكين حول حلّ سياسي في سورية، يأتي الاستهداف الأميركي للجيش العربي السوري، وكذلك دعوة العربية السعودية خلال مؤتمر المعارضة على أراضيها لفصائل بعينها وصفها هيثم المناع بأنها تحت راية «القاعدة» واستبعاد تشكيلات وأحزاب سياسية وازنة ليشكل ويؤكد ما أسلفناه حيال أنّ الإدارة الأميركية تدفع قدماً باتجاه إبقاء الوضع على ما هو عليه في سورية، لا بل أكثر من ذلك فإنها تدفع أيضاً نحو تدخل بري إيراني أو روسي، لصياغة إيلام مضاعف للروسي في سورية.

إنّ الشيء الأوحد والخطوة الفاعلة في المسارات الجدية، ولا سيما عندما نقدّم أنفسنا ممثلين للشعب وللتيارات القومية، هو ليس فقط ما نقلته صحيفة «الديار» اللبنانية لجهة أنّ الأسد يفكر بردّ ما على «إسرائيل»، وأنه قد أعطى الأوامر بفتح مراكز تحت الأرض كانت قد بُنيت في حرب تشرين، وذلك لنقل قيادات وأركان الجيش إليها في حال شنّت «إسرائيل» عدواناً على دمشق، وما توقعه مراقبون أنّ «إسرائيل» إذا ما استفزت سورية كثيراً فإنّ الأخيرة ستقوم بقصف تل أبيب بصواريخ سكود ذات المفاعيل التدميرية الكبيرة والموجودة في الجبال وعلى سكك حديدية بمعدّل أربع صواريخ والتي لن تستطيع منظومة القبة الحديدية إيقافها، وعندها لا أحد يعرف ماذا سيحصل؟ فدخول «إسرائيل» في حرب برية داخل سورية سيكلفها الكثير، ولا سيما بعد الارتياح السوري لجهة الجبهة الشمالية حيث تقصف الطائرات الروسية وفي ظلّ وجود «أس 400»، ما يمنع أيّ تدخل تركي في سورية، وتالياً فإنّ المسار الجدّي في هذا السياق الذي يستولد الحلول الجذرية هو عدم انتظار «الدب» ليأتي إلى الكرم، بل المسارعة لتوجيه ضربة محدودة لـ»الإسرائيلي»، فهدير السكود هو وحده من يخلط المشهد، ويعيد الحسابات، ويقلب الطاولة، وليس فقط يثبت الصخرة التي ناء بحملها الشعب السوري، بل ويحفر لها مكاناً ويزرعها في القمة، وهو فقط من يعيد الجماهيرية والسيادة والقومية التي سُحلت وديست على العين الأميركية تحت مسمّى الحريات ومكافحة الإرهاب.

كاتب صحافي فلسطيني

mbkr83 hotmail.coim

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى