8 آذار يجتاز «القطوع» فيُحرِج الحريري…
روزانا رمّال
لم يأت غياب الرئيس سعد الحريري عن لبنان إثر اغتيال والده، على الرغم من سلسلة اغتيالات أخرى طالت البلاد وما تبعها من سنوات اشتباك حادّ مع حزب الله بلغت أقصاها في أحداث 5 و7 أيار 2008، بل جاء الغياب متوازياً مع اندلاع مرحلة ما سُمّيَ «الربيع العربي» في المنطقة، خصوصاً مع بدء الأزمة السورية، وكأنّ الحريري غادر من أجل الانتظار خارجاً لصيغة جديدة مقبلة على لبنان ليعود إليه بصورته التي كان ينشدها من دون نظام جارٍ اتهمه يوماً باغتيال والده ومن ثمّ زاره وتراجع عن هذا الاتهام… ليغيب ويعود بمواقف تصوّب نحو الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه.
لم يكن الحريري حين خرج من لبنان إلا حليفاً لأنظمة تدعم وتؤسس لإسقاط الرئيس السوري بكلّ الوسائل المتاحة، لكن هذا الهدف لم يكن ولم يعد ممكناً، وبات عليهم تلقف الحديث السياسي والاستفادة مما يمكن لهم أن يحصدوه من قسمة التسويات في المنطقة بصمود الأسد ودخول حزب الله وإيران وروسيا في خضمّ المواجهة.
تعقّدت المسألة، لم يسقط النظام الجار، لكن الالتفات ضروري إلى دور الحريري الحليف لسياسة الدول الخليجية والمنسجم معها في موضوع سورية، ما يأخذ إلى تأكيد دور أنيط به أن يلعبه داخل الأزمة السورية ميدانياً أو إنسانياً أو اجتماعياً، كما كان يقول، بمعنى آخر كان على الحريري خدمة الحلفاء والسعي للنجاح في الهدف نفسه ضمن الدائرة التي يستطيع العمل فيها، إنْ كان داخل لبنان أو خارجه، وعلى هذا الأساس خاض الحريري وفريقه جدياً مساعي اللعب على خط الضغط على سورية وحلفائها في لبنان، وتشكلت مجموعات متطرفة أدّت إلى بلبلة كبرى في البلد وكادت تودي به إلى التهلكة لولا تراجع الحريري نفسه عن دعمها، هكذا تقول تصريحات الإرهابي أحمد الأسير الذي دعا دائماً إلى عودة حزب الله من سورية وسحب مقاتليه، وإلا سوف يأخذ البلد إلى فتنة يندم بعدها.
ضبط حزب الله المشهد واعتكف إعلامياً عن كلّ ما يحمل على زيادة الاحتقان، وعرف أن المسألة تتضمّن إحراجاً وفخاً خطيراً عليه ألا يقع فيه، فلا يؤخذ إلى الفتنة مع التطرف ولا يؤخذ تحت ضغط التوتر الأمني والتفجيرات ونمو الحركات المتطرفة بوجهه كطرف شيعي للانسحاب من القتال في سورية.
لكن على ما يبدو نسي الحريري وحليفه جنبلاط بنياتهما المعلنة بترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية كلّ هذا… نسيا أيضاً أنهما نسّقا معاً مساعي مشاركتهما في الجهات الخارجية التي تستهدف سورية ودولتها ورئيسها.
الأهمّ… أنهما نسيا انّ حزب الله لم يقع في الفتنة المذهبية، وهي الأشدّ خطراً، ولم ينسحب من سورية، ولم تنجح محاولات فرز شريحة شعبية تضغط عليه وتتهمه بجلب الويلات إلى لبنان، بل ها هو اليوم يدخل سباقاً دولياً إلى قتال الإرهاب وينجح فيه متقدّماً على أطراف عديدة ليصبح لاعباً إقليمياً هاماً باعتراف خصومه.
يقول سياسي مخضرم في فريق 8 آذار إنّ الحريري ومن حاك صيغة فرنجية رئيساً أراد اللعب على شرخ مسيحي شيعي في البلاد يستفيد منه النائب وليد جنبلاط الذي يشارك في الخطة بكلّ حماس، كما ظهر أمام الجميع لسببين أساسيّين… أولاً: النجاح في وضع حزب الله أمام مأزق كبير بين حلفائه المسيحيين من جهة، بالإضافة إلى خلق مأزق بين التيار الوطني الحر وتيار المردة من جهة أخرى، فيدخل فريق 8 آذار دوامة قد تأخذه إلى الانهيار، أما ثانياً فإنّ ما يُراد من ترشيح فرنجية هو استكمال السلوك الإلغائي الذي يمارَس على التيار الوطني الحر والعماد عون لسبب يخشاه الفريق الآخر، وأبرزهم وليد جنبلاط، وهو ما ستتأثر به نتائج الانتخابات إذا تولى عون الرئاسة في المناطق المتداخلة درزياً ومسيحياً لا سيما في الشوف وعاليه وبعبدا.
يضيف السياسي المخضرم: لقد أرعبهم مشهد التظاهرة الكبرى في ساحة الشهداء مؤخراً، فيما كانوا يظنون أو يروّجون بأنّ شعبية العماد عون تتهاوى، وإذ بهم يفاجأون بتسونامي بمجرد أن رفع الرجل صوته بالدعوة لتظاهرة.
من المؤكد أنّ الحريري وجنبلاط معاً لم يتنبّها في أفضل الحالات والقدرة على استشعار المواقف بخبرة الأخير على الأقلّ، إلى تلقف فريق 8 آذار الهادئ للمبادرة والحفاظ على التوازن والتزام حزب الله الصمت والهدوء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العماد عون، ولم تنجح المبادرة في تحقيق هدفها الأول وخلق مادة خلافية كبرى بين الحلفاء.
يتابع الحريري اليوم عن كثب تداعيات المبادرة، فإذ بها تنقلب شؤماً على قاعدته الشعبية وحلفائه السياسيين، خصوصاً المسيحيين منهم، ليحصل الشرخ في 14 آذار بدلاً من آذار، فالتهم والتراشق الإعلامي لا يتوقف لا سياسياً ولا شعبياً على صفحات المواقع حتى صحافياً بين أسطر مقالات فريق الحريري التي تردّ على امتعاض الحلفاء بدعم مبادرته «من أجل لبنان» مستغربة الرفض.
فريق 8 آذار يجتاز الاختبار بنجاح وهدوء، وينتقل إلى المرحلة الثانية من طبخ الملف الرئاسي على نار هادئة، لكن الحريري منذ اليوم الأول لإعلانها أيقن أنه دخل مرحلة ضغط حقيقية تستوجب عودته إلى بيروت في أسرع وقت، فإذا كان قد تراخى في حسمها في وقت قاعدته الشعبية كادت تنهار، بات عليه أن يحضر اليوم قبل الغد لينقذ حلفه السياسي من الانهيار…