هل تقع المواجهة بين العراق وتركيا؟
حميدي العبدالله
لا شك في أنّ المواجهة السياسية بين الحكومة العراقية، وبالتالي العراق، باستثناء إقليم كردستان، وتركيا، هي قائمة منذ أن سيطر «داعش» على محافظة نينوى بدعم وتواطؤ الحكومة التركية. ولكن هذه المواجهة ظلت في إطار المواجهة السياسية، ولا سيما عبر وقوف تركيا إلى جانب بعض الأطراف العراقية، ومنها أطراف تمثل جزءاً من الحكومة.
لكن في الآونة الأخيرة تلوح في الأفق نذر مواجهة أخرى، حول توسّع الوجود العسكري التركي في محافظة نينوى، بعد أن أكدت كلّ أطراف الحكومة العراقية، بما في ذلك وزير الدفاع المحسوب على القوى السياسية المؤيدة لتركيا، رفضها لهذا الوجود، الأمر الذي يشير إلى أنّ الحكومة العراقية مجتمعة تتجه إلى خوض مواجهة مع تركيا، أولاً من أجل إقناعها بسحب قواتها عبر الوسائل الدبلوماسية والسياسية، من خلال الاتصالات الثنائية، ومن خلال وساطة أميركية، وعبر مجلس الأمن حيث بادرت روسيا إلى طرح هذه المسألة على المجلس.
إذا لم تنجح كلّ هذه الجهود في تسوية القضية، وإقناع تركيا بسحب جنودها من المنطقة التي دخلوا إليها، فإنّ احتمال تطوّر المواجهة، من مواجهة سياسية دبلوماسية إلى مواجهة عسكرية، هو أمر محتمل، وإذا ما حصل مثل هذا التطوّر فستكون له تداعيات كبيرة ليس فقط على العلاقات التركية العراقية، بل وأيضاً على علاقات كلّ من أنقرة وبغداد مع الولايات المتحدة.
واشنطن تقدّم أنفسها كحليف وصديق للعراق ولتركيا، ولكن عندما يقع الصدام بين هذين البلدين فإنّ عليها الاختيار، إما الوقوف إلى جانب العراق، وبالتالي خسارة تركيا، وإما الوقوف إلى جانب تركيا، ومن ثم خسارة العراق، ولا يبدو أنّ ثمة مخرجاً آخر إذا ما فشلت الجهود السياسية والدبلوماسية بإيجاد حلّ لهذه المسألة.
لا شك أنّ هذا التدهور الجديد في علاقات تركيا مع العراق سيزيد المصاعب التي تربك الاستراتيجية الأميركية في العراق وسورية وتؤثر على خططها المستقبلية، فمن المعروف أنّ واشنطن تواجه في سورية معضلة مماثلة، فهي ترغب بالتعاون بقوة مع أكراد سورية في مواجهة «داعش» لتفعيل استراتيجيتها وإضفاء المصداقية عليها، ولكن من جهة أخرى تصطدم برفض تركيا سيطرة وحدات الحماية الشعبية على المناطق التي يمثل الأكراد فيها الغالبية داخل سورية بالقرب من الحدود التركية.
وهذا الخلاف أربك عملياً الاستراتيجية الأميركية في سورية، وتدهور العلاقات التركية العراقية سوف يربك بدوره أيضاً هذه الاستراتيجية في توقيت لا يعمل في مصلحة الولايات وحلفائها في سورية والعراق.