الحريري يستنجد بالمملكة للاستعانة ببري
روزانا رمّال
لم تعُدْ مهمّة الاتفاق على مرشح رئاسي لبناني، إقليمياً، تشبه ما كانت عليه الأمور سابقاً، ويبدو أنّ العين التي كانت تتوجه نحو الخارج لن تجد ضالتها هناك، فكل شيء قد تغيّر ويبدو أنّ لبنان لم يعُدْ ساحة تسجيل نقاط وتسويات. كان للأزمة السورية وقعٌ في قلب الأمور، ولم تعد القوى السياسية اللبنانية اليوم نفسها قبل عام 2011 فبعضها تضخَّم والآخر تحجَّم، وعلى هذا الأساس تغيرت كلّ الحسابات.
في محاولة لكسر الجمود واستباق مرحلة الحلول السياسية في المنطقة والمقبلة بآثارها، لا محالة على لبنان، حاول الرئيس سعد الحريري التحدث بلغة أخرى وتقديم حلٍّ مدهشٍ للأزمة الرئاسية في لبنان، وإذ به يحدث صدمة حقيقية في البلاد ارتدت سلباً على فريقه وانعكست تفكراً وهدوءاً عند خصمه فريق 8 آذار، وقد قدم للبنانيين صديق سورية النائب والوزير السابق سليمان فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
مهمّة الحريري ليست سهلة، لكنها ليست يتيمة، فالدعم الفرنسي والسعودي لها كان واضحاً، وقد استطاع أن يُقنع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بضرورة مثل هذا الطرح وانعكاساته الإيجابية على لبنان، قبل أن تتغير الموازين من دون أن تسمح له بعودته رئيساً، وعليه استطاع أن يحصل منه على دعم لمبادرته وفاز باتصال منه بفرنجية فقدمت فرنسا دعمها العلني. أمّا بالنسبة إلى الدعم السعودي فهو طبيعي ولا يندرج ضمن إطار التحليل، فالخطوة الحريرية الهامة لا يمكن أن تكون ارتجالاً بهذا الحجم الدقيق، عملاً بموقع فرنجية المتطرف في الصراع في مواجهة كلّ من ينادي بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن على ما يبدو، فإنّ دعم دولتين بحجم السعودية وفرنسا غير كافٍ، عكس ما كان سابقاً عندما كانت الدولتان أو واحدة منهما على الأقلّ قادرة على حشد الفرقاء في الداخل وجمعهم خلف مبادراتهما في أي ملف عملاً بسوابق تجمعهما بمبدأ العلاقة مع لبنان، إلا أنّ ذلك لم يحصل اليوم.
تكتشف فرنسا ومعها السعودية أنّ شيئاً ما في لبنان قد تغير بالفعل، فالنفوذ تضاءل والحسم لم يعد مقدوراً عليه وتلك «المَونة» السعودية على لبنان بالذات لم تكن إلا وليدة معادلة اسمها «سين ـــ سين»، لكنها تبقى معادلة خارجية في كلّ الأحوال.
العجز اليوم ناتج عن معادلة جديدة لكنها للمرة الأولى داخلية، فسورية التي تغيب عن الساحة الرئاسية في لبنان تسلم زمامها بالكامل إلى الحليف الأحرص على مصلحة بلاده، وهو حزب الله الذي استطاع أن يقلب الموازين العسكرية والسياسية في سورية، فكيف في وطنه الأصلي لبنان؟ المعركة السعودية اليوم تبدأ مع الفريق اللبناني الذي يعرقل مبادرة الحريري المباركة منها، والتي فيها الكثير من خبايا مؤامرة، كان ممكناً التغاضي عنها، فيما لو جاءت كاملة متكاملة شكلاً ومضموناً. تكتشف السعودية اليوم أنّ صراعها السياسي مع نفوذ حزب الله في لبنان قد بدأ، وتحاول الالتفاف مرة جديدة من بوابة رئيس مجلس النواب نبيه بري.
بالتوازي مع الحراك الرئاسي في البلاد، وبعد أن هدأت النفوس فاسحة في المجال للمبادرة أن تتكشّف أكثر، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري الذي نقل إليه دعوة رسمية من رئيس مجلس الشورى السعودي عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ لزيارة المملكة، حسبما بدت، فما كان من الرئيس بري إلا أن وعد بتلبيتها، لكنّ توقيت الزيارة لم يتم تحديده بعد.
يبدو أنّ الرئيس بري أجّل الزيارة، وأنّ التوقيت السعودي لم يكن موفقاً، ففي وقت تتعرض قناة «المنار» للحجب بقرار سعودي على قمر «عربسات»، وفي وقت تُطرح مبادرة فرنجية كمحاولة لدق إسفين بين المسيحيين وحزب الله، لا شكّ في أنّ الرئيس بري يعرف حساسية هذه الدعوة التي قد تُفهَم دق إسفين بينه وبين حزب الله ففي أجواء كهذه ليست الدعوة إلا محاولة واضحة للتأثير على العملية السياسية في لبنان وتحديداً الملف الرئاسي.
يبدو أنّ الرئيس الحريري تردَّد، وتردُّدُه كان في مكانه، فقبل ترشيح فرنجية الرسمي الذي لم يبصر النور بعد، ها هو يستنجد بالمملكة العربية السعودية، وتحديداً من بوابة رئيس مجلس النواب الذي تعتبره المملكة رجل التسويات، وبمحاولة منها استكمال الانفتاح الذي ظهر بطرح فرنجية تستكمل المملكة جهودها في استباق الحلول الروسية التي ستطغى على المنطقة قريباً.
أما الملف الرئاسي فيمكن القول إنه بدأ يدخل فعلاً دائرة الحلول المحلية، وهذا ربما يترجم إصرار أمين عام حزب الله السيد نصرالله الدائم على عدم انتظار الحلول من الخارج، فهو يقول بطريقة أو بأخرى إنّ حزب الله صبح صانع الحدث في الإقليم، وعليكم ألا تتوقعوا أي قرار أو تسوية معه لا تتماشى مع حجمه الجديد.