السعودية: سندخل التسويات بما لا حول لنا فيه ولا قوة

مرغمة هي السعودية، هكذا تبدو وهي تردّد على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير «أنّ على الأسد الرحيل»، لكن بجمل ملتبسة ومرتبكة تعكس قلقاً سعودياً من المجهول، كيف لا وهي التي جزمت منذ الشهر الأول للأزمة بأنّ مصير الأسد سيُحسم خلال أشهر قليلة ومن بعدها سترتاح المنطقة من حقبة أودت بالسعودية الى التهلكة سياسياً.

هذه الحقبة التي امتازت بأفضل العلاقات مع حزب الله وإيران هي السبب الرئيسي بكلّ الهواجس التي تعيشها السعودية منذ اكثر من عشر سنوات، اي منذ ان تسلّم الأسد الابن الحكم حيث كان عهده موازياً لانتصارات المقاومة وصعود نجم هذا الحلف.

هذا الحلف الذي حجّم السعودية شرق اوسطياً وخليجياً هذه السنة بعد نجاح إيران بانتزاع نصرها النووي ديبلوماسياً ومن دون ايّ حرب عليها كانت قد ناشدتها السعودية وشجعت عليها في كلّ مرة حاولت «اسرائيل» تسويقها في واشنطن ولدى كبار شخصيات الكونغرس الاميركي في محاولات لابتزاز الولايات المتحدة بذريعة الامن الاسرائيلي الذي يتعرّض لخطر وجودي.

لم تمتثل الولايات المتحدة للرغبة الاسرائيلية السعودية حينها بسبب فشلها في حربي العراق وافغانستان، فهي لا تريد ان تكرّر هذا الأمر مجدّداً لكنها استعاضت عن هذا الفشل بدعم مشروع تغيير هوية المنطقة ودفعها نحو التفيت على أسس مذهبية وعرقية حتى جاءت الحرب على الأسد ونظامه بعنوان «الحرب السنية في سورية على العلويين الذين يستأثرون بالحكم».

استجمعت السعودية ما تبقى من قواها السياسية علّها تفلح في جمع المعارضة العسكرية بين إرهاب وتطرف ممزوج بشخصيات تصلح لشيء من السياسة في سورية، في مهمة يبدو انها كانت صعبة بعد انسحاب بعض الاطراف المسلحة مثل «احرار الشام»، ومن ثم إذعانهم بالامتثال لئلا تصبح الرياض غير قادرة حتى على جمع من يُعتبرون جماعتها. كيف لا تمتعض «أحرار الشام» والمطالب السعودية مثيرة، فالأخيرة تودّ التفاوض مع الأسد، وهذا ما لم يكن وارداً حتى ولو أنّ أحد شروطها رحيله.

السؤال الأساسي هنا لمعالي وزير الخارجية السعودية عادل الجبير الذي يبدو انه لم يخض ايّ تجربة ديبلوماسية ابعد من حدود أحوال شخصية او خدماتية، فاضراره إلى تسويق فكرة التفاوض مع الاسد حتى يرحل تثير السخرية والضحك لدى كلّ من يتابع، فكيف خيّل للوزير السعودي الطارئ على السياسة انّ هناك من يجلس مع طرف من اجل اقناعه بالرحيل؟ كيف خيّل له وهو يشرح أنه قادر على إقناع من لديه أكثر من نصف البلاد ومقدّراتها وجيشها انه قادر على مواجهته بالرحيل؟

يبدو أنّ المملكة العربية السعودية تتخبّط بين ما يجري في اليمن وبين ما يجري في سورية، وقد هيّئ لها يوماً انها قادرة على تفكيك الجيش اليمني بامرة علي عبدالله صالح الرئيس الاسبق لليمن، وولم تفلح في ذلك حيث انضمّ الجيش للقتال ضدّها، وها هي اليوم تحاول اللعب ضمن نفس اطار السذاجة في قول ما لا قدرة لها عليه.

حرب اليمن اللاعب الابرز اليوم وهي التي تضغط على السعودية من كلّ حدب وصوب…

لم تعد قادرة الرياض على ضبط الاوضاع في اليمن فالحوثيون دخلوا حدودها، وهي ايضاً لم تعد قادرة على المكابرة أكثر برفض الأسد فكيف اذا عرضت عليها تسوية من نوع حلّ سياسي في اليمن مقابل بقاء الاسد؟ او ربما هي تتمناها؟ فمن غير الأكيد حتى الساعة انها قادرة على الحصول على مثل هذه التسوية اذا لم تقدّم تنازلات وتذعن للاجواء الجديدة التي فرضتها بشكل صارخ.

الارتباك السعودي بدأ والنزول عن شجرة التمرّد بدأ هو الاخر، ولا مجال الا للإذعان والخضوع والقناعة بأنّ السعودية لم تعد كما كانت سابقاً لا نفوذاً ولا أمناً ولا اقتصاداً، وبـ»لا حول لنا ولا قوة» ها هي تدخل السعودية التسويات الإقليمية تدريجياً مرغمة على تقديم كلّ ما يلزم من اجل حسم وجه هذه المنطقة قبل الدخول الاميركي في مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية الاميركية.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى