ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم اثنين، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

من تاريخـنا الحزبي… «قطاف من حقول العمر»

من كتاب الأمين إبراهيم زين «قطاف من حقول العمر» هذه المعلومات عن نشاطات للطلبة الثانويين في آواخر الخمسينات من القرن الماضي، وأخرى عن المخيم القومي الاجتماعي في منطقة عرزال سعاده في «ضهور الشوير».

«كان الرفيق خالد قطمة 1 ناظر إذاعة الطلبة الثانويين، دائم الحركة والنشاط، خطرت له فكرة تشجيع المواهب الخطابية لدى الرفقاء، طلاب الصفوف الثانوية، فأعلن عن إجراء مباراة ستقام لهذا الغرض في موعد تقرّر أن يكون قبل ظهر يوم أحد، محدداً في تعميم حزبي، الشروط المطلوبة للاشتراك في تلك المباراة.

«حضرنا في الموعد المحدد، فيما كانت قاعة منفذية الطلبة تغصّ بالحضور من الرفقاء الطلبة، ذكوراً وإناثاً. اختار كل خطيب كلمته بنفسه، وتحدّد وقت معيّن لكل متبارٍ، فيما اتخذت لجنة التحكيم المؤلّفة من ناظر الإذاعة والأمين إنعام رعد والرفيق جبران حايك 2 ، مكانها في صدر القاعة، على يمين منبر الخطابة.

«استمعنا إلى المتبارين بشغف، وبعد ساعة ونصف أعلنت النتيجة، وكان الفائزان الرفيقين عادل قانصوه 3 وعفيف حمود 4 ، تكلم الرفيق جبران حايك شارحاً فنّ الخطابة وأصولها وطرق التعبير عن فكرة معيّنة يريد الخطيب إيصالها إلى الناس، بأسلوب منطقي واضح وعبارات بليغة ونطق سليم، لا عجمة فيه ولا تكرار ممل ولا تلعثم، ثم تكلم بعده الأمين إنعام رعد، فأوضح للرفقاء بأن الزعيم عندما كان يخطب، كان يجتذب الناس بأسلوبه المنطقي البليغ الحجة، فيحسّ معه السامع وكأنه يستمع إلى سيمفونية موسيقية، يبدأ كلامه هادئاً، ثم يعلو صوته ويعنف أسلوبه في المقاطع الهامة التي تتناول فكرة مركزية، بعدها يعود إلى الهدوء فتخفّ نبرة صوته، ثم ينهي كلامه في ختام خطابه بحماسٍ كبير، ولذلك، كان يشعر المستمع إليه بأنه مأخوذ بكل ما قاله، مركّزاً على لهجة الخطيب وشكله ونبرة صوته وحركة يديه على المستمعين إليه. بعدها وزّعت بعض كتب الزعيم هدايا على الفائزين، كما وزّعت كتب بعض الكتّاب القوميين على المشتركين في تلك المباراة».

«ومن النشاطات التي ما تزال صورتها في البال، الرحلات القومية الاجتماعية أيام العطل المدرسية، فقد كانت محببة كثيراً إلى نفوسنا، لما كنا نتلقاه خلالها من دروس إذاعية، أو الاستماع إلى أحد مسؤولي الحزب يحدّثنا عن موضوع ما يشغل تفكيرنا، أو الشرح عن أثر حضاري مميّز من تاريخ بلادنا، كما كنا نشعر بالفرح العميق عندما نخيّم لعدة أيام في إحدى المناطق الجبلية من لبنان، فقد كنا نتعلم خلالها النظام المنضم المرصوص والأناشيد الحزبية، والتناوب على الحراسة، وتلقّي دروس إذاعية في العقيدة، فيشعر الرفقاء معها بتعمّق وحدة الروح والأخوة القومية العميقة، التي طابعها العام الانسجام والاحترام وروح التعاون لإنجاز العمل، بهمة عالية، يحركها حبّ التطوّع، لتنفيذ ما هو مطلوب، بشكلٍ متقن».

الالتحاق بمخيّم ضهور الشوير

«رفضت مع عدد من الرفقاء البقاء في مخيم شتورة الذي كنا انتقلنا إليه، قرب بيت المنفذ العام، حيث كان يقتصر عملنا فيه على الحراسة الليلية. طلبنا من المنفذ العام الرفيق ميشال سعاده 5 ، إلحاقنا بعمدة الدفاع، فنحن حضرنا لكي نشارك رفقاءنا القتال، والدفاع عن الحزب، لا الاكتفاء بعمل الحراسة، في منطقة هادئة نسبياً!…

«تجاوب الرفيق ميشال مع رغبتنا، وبعد أسبوع من مكوثنا في شتورة، زوّدنا برسالة تعريف إلى عمدة الدفاع التي كانت مكاتبها في منطقة بيت الشعار في المتن الشمالي، وعند وصولنا إلى العمدة، أرسلنا مسؤول التعبئة إلى مخيّم ضهور الشوير، الذي كان بقيادة الرفيق عبد الوهاب تركماني 6 .

«في هذا المخيم، تعرفتُ إلى بعض القوميين، أذكر منهم الرفقاء عبد الرزاق منديل 7 ، عبد الحافظ الراوي وأكرم دندشي 8 ، الذي كان مسؤولاً عن الدروس الإذاعية في المخيّم.

«بعد مرور أسبوع على وجودي في المخيّم المذكور، استدعاني المسؤول المالي عنه، الرفيق يورغاكي فهد 9 ، وسألني كم أحتاج من المال لمصروفي الشهري، وما هي مسؤولياتي العائلية؟! قلت للرفيق فهد: «أن لا مسؤوليات عائلية على عاتقي، لأنني عازب»، فأعلمني بأن لي مخصصاً شهرياً بقيمة خمسين ليرة، قلت له: «لا حاجة بي إلى المال، وكل ما أحتاجه هو الدخان، وهو بإمكانه إعطاء هذا المبلغ إلى الرفقاء المحتاجين لإعالة ذويهم».

«مرّت ثلاثة أسابيع على وجودي في مخيّم ضهور الشوير، كنا خلالها نتلقى بعض الدروس القتالية، والتعرّف إلى أنواع السلاح المستعمل، ثم القيام بدوريات أمنية في بعض مناطق المتن الشمالي.

«قبيل ظهر أحد الأيام، استدعيت إلى خيمة آمر المخيّم، وكنت باللباس العسكري، منهمكاً بحفر متراس إلى الطرف الشمالي الشرقي من منطقة عرزال الزعيم، وفور وصولي إلى باب خيمته، وجدت في ضيافته والدتي وعمي الكبير وابن خالي، السفير مصطفى الزين 10 .

«أدّيت التحية للآمر، ثم بقيت في حالة استعداد، فقال لي: «ألا تريد أن تسلِّم على أقربائك؟!» قلت: بلى، ولكنني ما أزال في حضرة الأمر، وهو لم يأمرني بالراحة، عندها طلب مني التقدّم والسلام على الوالدة ومرافقيها من أقربائي.

«بعد جلوسي لدقائق معهم، طلب مني تسليم ما بحوزتي من عتاد حربي، ثم أمرني بمرافقة ذويِّ إلى عمدة الدفاع، وبعد ساعة كنت في مكتب العميد الذي أمرني بمرافقة ذويِّ إلى بلدتي، وتنفيذ ما يطلب مني من تعليمات حزبية، من مسؤولي منطقتي.

هوامش

1 – خالد قطمة: من مدينة حماه. تخرّج من الجامعة الأميركية متولياً مسؤوليات في منفذية الطلبة الجامعيين. غادر إلى «الكويت» حيث لمع صحافياً وأديباً. له عدّة مؤلفات. سنعمم في وقت لاحق نبذة عنه.

2 – جبران حايك: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى قسم أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info .

3 – عادل قانصو: محام، وكان كاتب عدل في بيروت. نشط حزبياً في الخمسينات عندما تعرّفتُ إليه، واستمر مؤمناً وملتزماً بالحزب.

4 – عفيف حمود: محام مقيم في باريس. تولى مسؤوليات محلية ومركزية منها عميداً للعمل.

5 – ميشال سعادة: من الرفقاء الذين نشطوا وتولوا مسؤوليات في نطاق مدينة زحلة. صاحب فندق «سلكت» في شتورة الذي كان مقراً وممراً للعمل الحزبي على مدى سنوات، منها أثناء سنوات الحرب اللبنانية.

6 – عبدالوهاب تركماني: شارك في معارك الحزب عام 1958 منها في بلدة عدبل. منح رتبة الأمانة. غادر إلى غانا، وتولى فيها مسؤوليات حزبية. للاطلاع على ما أوردت عنه عند رحيله، الدخول إلى الموقع المذكور آنفاً.

7 – عبدالرزاق منديل: من دير الزور. شارك في معارك شملان وأخرى أثناء حوادث 1958. غادر إلى إحدى البلدان العربية وتولى فيها مسؤولية العمل الحزبي. أشرت إليه في العديد من النبذات.

8 – أكرم دندشي: من تل كلخ. له ماضٍ حزبي نضالي في الشام ولبنان. بنى عائلة قومية اجتماعية إلى جانب عقيلته الرفيقة ميمنة. تولى مسؤولية وكيل عميد الدفاع.

9 – يورغاكي فهد: عرفته مقيماً في حي «المزرعة» في بيروت. ثم التقيت به كثيراً في سان باولو. بنى عائلة قومية اجتماعية إلى جانب عقيلته الرفيقة لوريس، منها الرفيقة كلود عقيلة الرفيق الراحل حنا حجار الذي كان تولى مسؤولية منفذ عام البرازيل.

10 – السفير مصطفى الزين: صاحب مؤلف «ثعلب الأناضول» عن مصطفى كمال أتاتورك. كان سفيراً للبنان في أكثر من بلد منها تركيا التي عرفها جيداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى