كفروني: قامة كبيرة من قامات النهضة القومية فكراً وعِلماً وأخلاقاً ومناقب
شيّع الحزب السوري القومي الاجتماعي، في بلدة جبرايل ـ عكار، رئيس المجلس الأعلى الأسبق في الحزب الدكتور منير الخوري، الذي توفيّ عن عمر ناهز التسعين سنة.
شارك في التشييع وفد مركزي من قيادة الحزب، ضمّ عميد التربية والشباب عبد الباسط عباس، المندوب السياسي في الشمال زهير حكم، عضو المجلس القومي الدكتور يوسف كفروني، منفذ عام عكار ممتاز الجعم وأعضاء هيئة المنفذية، كما شارك ممثلون عن الأحزاب والقوى السياسية والوطنية، وحشد من القوميين والمواطنين والأصدقاء، وتقدم موكب التشييع حَمَلة الأكاليل، بينها إكليل باسم رئيس الحزب النائب أسعد حردان، وآخر باسم رئيس المجلس الأعلى وأعضائه.
ترأّس الصلاة راعي أبرشية عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران باسيليوس منصور، وعاونه لفيف من الكهنة.
وفي باحة الكنيسة، ألقت ناظر التربية والشباب في منفذية عكار علا دياب كلمة، تحدّثت فيها عن مزايا الراحل، الذي وعلى امتداد سنوات عمره، كان أميناً للفكر الذي آمن به بعمق، وناضل من أجله بصلابة، ورسّخه في مجتمعه، صدقاً في العمل وتميّزاً في السلوك وسموّاً في الأخلاق وعطاءاتٍ لم تقيّدها حدود.
كلمة مركز الحزب
ثم ألقى كلمة الحزب المركزية عضو المجلس القومي الدكتور يوسف كفروني، استهلّها بالقول: «نودّع اليوم قامة كبيرة من قامات النهضة القومية… قامة كبيرة، فكراً وعلماً وأخلاقاً ومناقب. رجلاً مميّزاً في مختلف الميادين التي عمل وناضل فيها، في المجال العلمي والأكاديمي، في مجال النضال القومي في ساحات الصراع والسجون، في مجال الدراسات والبحوث، وفي التخطيط والإنماء والعمل المؤسّساتي». مضيفاً: «الأمين منير خوري رجل لم ترهبْه التهديدات ولا الاضطهاد، ولم تحرفه المناصب والإغراءات. ظلّ صلباً وشامخاً في مواقف العزّ القومي والبطولة المؤمنة والمؤيّدة بصحّة العقيدة».
وتابع كفروني: «كان منيراً في حياته، وسيبقى منيراً بعد مماته. يغيب عنّا جسداً، لكن نفسه باقية معنا، في الفكر الذي اعتنقه والقيم التي حملها والأخلاق والمناقب التي جسّدها طوال حياته».
وفي كلمته، أشار كفروني إلى أن الأمين الراحل رجل فكر متميّز من مدرسة فكرية متميّزة، لافتاً إلى حزب الفكر، الحزب الذي أسّسه سعاده على قاعدة فكرية تنطلق من الحقائق العلمية المثبتة لا من الأوهام والافتراضات التي لا يمكن التحقّق منها ولا تقديم البرهان على صحّتها. واعتبر أنّ العقل هو الشرع الأعلى عند الإنسان، ومن الواجب إعمال الفكر في كل القضايا التي تهمّه، وتخدم إرتقاء الحياة.
ومن بوّابة تذكيره بأنّ سعاده حدّد المفهوم الجديد للإنسان: الإنسان ـ المجتمع، وهو الذي يرتكز على مبدأ الواقع الاجتماعي، لا على أوهام وعصبيات تعمل على الغرائز وتعطّل العقل، أشار كفروني إلى أن الأمين الراحل عمل من خلال هذه المدرسة الفكرية المتميّزة، التي هي طريق خلاصنا من حروب الغرائز القذرة التي يشنّها علينا أعداء الأمّة، من خلال ثالوث التجويع والتجهيل والتخويف، وذلك خدمةً للمشروع الأميركي ـ الصهيوني.
وختم قائلاً: «نودّع بأسى رجل الفكر، وعزاؤنا أنه باقٍ فينا من خلال الفكر الذي آمن به وشهد له وجسّده بمناقب وأخلاق راقية. فالشهيد هو الذي يشهد لقضية كبرى تتجاوز المصالح والأنانيات الضيّقة، وهو من يشهد ويختم حياته بالشهادة، سواء سقط جسده في حرب أو مرض أو موت طبيعي. والأمين منير خوري بقي طيلة حياته يشهد للحقيقة، حقيقة أمته، ويعمل من أجل عزّها ومجدها وكرامتها».
في بيروت
وكان سبق التشييع في عكار قدّاس لراحة نفس الراحل، في كنيسة سيدة النياح في بيروت، حضره إلى جانب أفراد عائلته، وفد من قيادة الحزب تقدّمه رئيس المجلس الأعلى الوزير السابق محمود عبدالخالق، نائب رئيس الحزب توفيق مهنا، رئيس المكتب السياسي المركزي الوزير السابق علي قانصو، العمد: صبحي ياغي، جورج ضاهر، فارس سعد، قيصر عبيد، سبع منصور، عضو المجلس الأعلى د. ربيع الدبس، رئيس لجنة تأريخ الحزب لبيب ناصيف، منفذ عام بيروت بطرس سعاده، منفذ عام الطلبة وسام سميا، مدير مديرية رأس بيروت سليم ميداني، وجمع من أعضاء المجلس القومي والقوميين والأصدقاء والمواطنين.
بعد القدّاس، ألقى الكاتب سليمان بختي كلمة تأبينيّة، استهلّها بالقول: «لو قدِّر لي أن أختصر حياتك، لقلت: الحب والعطاء .. أعطيتَ بحبّ فوق ما أخذت ولم تعرف الأخذ، ولم تطلب أمراً لنفسك. وظلّت المسيرة عطرة منذ الولادة وحتى اليوم. أعطيتَ مثلما تعطي زهور الحقل وسنابل القمح وينابيع الجبال».
وقال: «أعطى بالتعليم الجامعي لأكثر من نصف قرن. أعطى في جهاده ونضاله التغييري بلا هوادة، وقاده ذلك إلى السجن وإلى تبوّء رئاسة المجلس الأعلى في الحزب. أعطى في التنمية الريفيّة، وأصبح خبيراً إقليمياً للأمم المتحدة. أعطى في ما تركه لنا من كتب. كانت لديه القدرة على الخروج من نفسه ليصبح إنساناً آخر، وأناساً آخرين مشكّلين من طينة أحلامنا ورعشات قلوبنا ودمع مآقينا.
عاش منير خوري الحياة الفعل، الحياة العقل، الحياة المليئة بالأمل والكفاح والمرارة والألم. كان مع المعرفة العلمية، ولكن مع التطبيقات الأخلاقية السليمة لها. كان مع الحقيقة، ولكن أن تُعلن وتقال ويُعمل بمقتضاها. كان مع الاختصاص، ولكن مع الإخلاص في ممارسته. كان مع التغيير، ولكن مع التقدّم لأنه أمر أخلاقي».
وختم بختي كلمته بالقول: «هناك كلمة لطاغور تقول: بعد موتي، إحفظ أيها العالم في صمتك كلمةً واحدة، لقد أحببْت.. ومنير خوري قصّته قصّة الحبّ، حبّ الآخر، حبّ الوطن، حبّ المجتمع، شغف النهضة وحبّ قيم الحق والخير والجمال».
كما ألقى الأب راعي كنيسة سيدة النياح كلمة، عدّد فيها صفات الراحل وخصاله الحميدة التي عرِف بها بين زملائه وطلابه وكل معارفه.