من دون تأديب العثماني لا استقرار إقليمياً

ناصر قنديل

– التحرّشات التركية الهادفة للنيل من الاستقرار الإقليمي، تتسم بالبلطجة خارج أيّ قانون وأيّ معادلة يمكن لها تبريرها، فبعد التوغّل التركي في العراق سقطت ورقة التوت التي كانت تغطي الحديث التركي عن مبرّرات مدّ اليد إلى الجغرافيا السورية، وصار كلّ شيء برسم العالم واضحاً، أزعر الحي يتمَدْمَدْ على بنات الجيران ويفرض سطوته بالاستفزاز، وباستغلال أدب الجيرة ليفرض فتوته، ويتمادى حيثما وكيفما يريد، وفي المقابل بدا أنّ الرئيس التركي ورئيس حكومته ساقطان أخلاقياً وتعوزهما الشجاعة في آن، فإذا أخذت ذرائعهما للمنطقة الآمنة في سورية جدياً وهي تتصل بتأمين الملاذ لمئات آلاف اللاجئين فكيف يمكن بيعها بثلاثة مليارات يورو خلال الصفقة مع الاتحاد الأوروبي، وإذا كان التمدّد العسكري في سورية ينطلق من نصرة ما يسمّيانه بـ«الثورة»، فلماذا يتراجعان عندما يصير الردع الروسي حاضراً ويكوي جباههما وقفاهما بنيرانه، ويهرولان نحو العراق، وفي المقابل أيضاً فالغرب مثلهما منافق وغير منصف ولا إنساني، ولا يعير القانون ومفهوم العدالة أي اعتبار، ويكفي النظر في مكافأة المليارات الممنوحة لأردوغان وأوغلو لمعرفة أنّ المعيار في منح المكافآت هي البلطجة وليس الحق، وإلا لماذا حرمان لبنان والأردن من عطاءات مماثلة لاحتضانهما اللاجئين السوريين، ولماذا الصمـت المريب المتمادي على التوغل التركي في العراق؟

– التصرف العراقي حتى الآن يتسم بالشجاعة، فلم تتراجع الحكومة العراقية، عن اعتبار التوغل انتهاكاً للسيادة العراقية، رغم الترهيب التركي، بل تواصل مطاردته تحت هذا العنوان، رغم محاولات أنقرة اللعب على أوتار العبث بالداخل التركي والتلطّي وراء حكومة إقليم كردستان، التي وفقاً للدستور العراقي والقانون الدولي لا وجود لها في ما يتصل بوجود أيّ قوات أجنبية على الأراضي العراقية، حيث الشرعية واللاشرعية صفتان منوطتان حصراً بالحكومة المركزية، تمنحهما حيث يجب وتحجبهما حيث يجب، ولا يحق لأحد غير البرلمان العراقي مساءلتها عن سبب قبولها تواجداً معيناً لخبراء إيرانيين ورفضها لما يسمّيه الأتراك بالمدرّبين، وهم قوة توغّل وتدخل من النخبة القتالية تقدّر بألفي رجل وعشرات الدبابات، وما فعلته وما تفعله الحكومة العراقية يقع في مكانه، والتوجه إلى مجلس الأمن، لإسقاط أكاذيب أوغلو عن اتفاق يعالج الخلاف ويجدّد التنسيق، خطوة في مكانها، لكن في نهاية المطاف في مجلس الأمن رغم الموقف الروسي الحازم، موقف غربي متهاون، سيطغى للخروج بدعوات لضبط النفس وحلّ الأمور بالتفاوض، وهذا ما تريده أنقرة لأنه تشريع ضمني لانتهاكها السيادة العراقية وتحويله مسألة خلافية بين بلدين جارين، وكأنه تنازع على هوية المناطق التي توغّل فيها الأتراك، وتصويرها منطقة مشتبهاً في هويتها، كما هو حال مزارع شبعا اللبنانية، وحال المثلث الذي تمثله بين لبنان وسورية وفلسطين وتسيطر عليه «إسرائيل» بالبلطجة، ومجلس الأمن يعتبر «إسرائيل» قد نفّذت انسحابها من لبنان، ويدعو لحلّ «النزاع» تفاوضياً.

– دون تأديب الزعرنة التي يمارسها ثنائي أردوغان وأوغلو لن تعرف المنطقة استقراراً، وهذا يستدعي اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية لدول التحالف المواجه للإرهاب الذي تمثله موسكو وطهران وبغداد ودمشق، لمناقشة الوضع الخطير الناشئ عن العدوان التركي على العراق، واتخاذ موقف موحّد داعم للعراق وتزويد الجيش العراقي بكلّ ما يلزم لحماية السيادة الوطنية العراقية، هذا من جهة، ومن جهة مقابلة اتخاذ التدابير العراقية اللازمة لاستهداف القوات التركية بعد منحها إنذاراً محدوداً للخروج من الأراضي العراقية، وبعدها فليكن الكيّ آخر الدواء، لعلها تكون ضربة الشفاء للمنطقة، من بلطجة هذا الأزعر الذي لا بدّ من ردعه، بأن يتلقى الصفعة أو الركلة التي تضعه عند حدوده، ولعلها تكون رسالة لحليفه مسعود البرزاني بأنّ زمن أوّل تحوّل، وتكون حماية وقائية لكلّ البلدان التي يراها السلطان مدى حيوياً يحق له التدخل فيه، مرة باسم حماية التركمان، ومرة منعاً لتمدّد الأكراد أو الأرمن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى