«المسيحيّة المعاصرة في الأردن وفلسطين» عن كنيسة نهضويّة رائدة تاريخاً ونضالاً
عمان – محمد شريف الجيوسي
صدر حديثاً كتاب «المسيحية المعاصرة فـي الأردن وفلسطين» من تأليف الأب د. حنا كلداني ، يبيّن فيه أن البطريركية الأورشليمية الأرثوذكسية من أقدم كنائس فلسطين، والأكثر أتباعاً، وأغناها أوقافاً. ويقول كلداني في كتابه الذى طبع باللغتين العربية والانكليزية إنه كان متوقعاً لهذه الكنيسة أن تكون أم الكنائس ورائدة نهضة مؤمنيها ليأخذوا دورهم القيادي في الكنيسة وتحمّل مسؤولياتهم، لكن «علتها»، كما أورد الكتاب «تكمن في سيطرة الإكليروس اليوناني على قدراتها ومناصبها العليا ومزاراتها وأوقافها، إضافة الى الصراع الداخلي الذي شلّ قدراتها، ما حدا بالكثير من مؤمنيها الى هجرها والانضمام إلى الكنيسة الكاثوليكية أو الأنكليكانية».
يشير الأب كلداني الى مساهمة الروس في تكوين الوعي القومي العربي عامة والأرثوذكسي الكنسي خاصة ، لكن ذلك لا يمكن اعتباره الدافع الوحيد لقيام القضية العربية الأرثوذكسية، لافتاً «الى تكرار الخلاف بين السنودس والبطاركة حول الامتيازات، لكن الطرفين التقيا لمواجهة الوطنيين العرب». ويوضح أن السلطات المدنية في فلسطين لعبت منذ العهد العثماني وحكومة الانتداب البريطانية والحكومة الاردنية دور الحكَم في النزاع بين السنودس والبطاركة، وبين اليونان والعرب، لافتاً الى أن اليونان فازوا ببعض الامتيازات أو التعديلات القانونية الثانوية.
يكشف الكتاب أن أول تشريع خاص بالبطريركية الأرثوذكسية صدر عام 1875 وظلّ ساري المفعول حتى 1958، ثم تلته عدّة تشريعات وتعديلات خلال الأعوام 1910، 1921، 1925، 1934، 1957، ومعظم هذه التعديلات لم تعط الوجود العربي الأرثوذكسي ثقلاً كافياً ولم يحصل على دعم سياسي ملائم لإجراء تعديلات جذرية على كيان البطريركية.
يدلّ الكتاب على آخر مراحل الخلاف في القضية العربية الأرثوذكسية و»تعيين» ستة أساقفة يونان جُدُد قبيل وفاة البطريرك تيموثاوس ثيميليس عام 1955 وتعيين مطران يوناني لمدينة عمان، ما فتح ملف القضية العربية الأرثوذكسية مجدداً وعُقد على أثره مؤتمر أرثوذكسي عام في القدس عام 1956 ضمّ 300 شخصية أرثوذكسية من الأردن وفلسطين، وطالب المؤتمرون بإحياء المجلس المختلط الذي وعد العثمانيون بتشكيله سنة 1910، مع زيادة نسبة العلمانيين فيه، وأن يعهد إلى لجنة عربية بثلث دخل البطريركية وإشراك العرب فعلياً في انتخاب البطريرك والسماح للوطنيين بالانضمام إلى أخوية القبر المقدس.
يلفت كلداني إلى انبثاق لجنة تنفيذية عن المؤتمر من 18 عضواً، 9 من الأردن ومثلهم من فلسطين، مهمتها تبليغ قرارات المؤتمر للحكومة الأردنية والعمل على تنفيذها، مبيناً أن «السينودوس» حصل في هذه الأثناء على قرار من الحكومة بانتخاب خليفة للبطريرك ثيميليس المتوفى، فاعترضت اللجنة التنفيذية على القرار في محكمة التمييز وأوقفته.
كما أن حكومة سليمان النابلسي الوطنية آنذاك تبنّت توصيات مؤتمر القدس، ووضعت قانوناً أساسياً للكنيسة الأرثوذكسية عام 1956 صادق عليه البرلمان عام 1957، وعليه تمّ انتخاب البطريرك الجديد بندكتوس بابادبولوس، إذ تبنى هذا القانون توصيات المؤتمر، ونصّ على «تشكيل المجلس المختلط من 12 علمانياً و 6 إكليريكيين، وتسليم ثلث دخل البطريركية للجنة علمانية، وصرف مبلغ 2200 دينار للجنة مؤتمر القدس لإنفاقها على فقراء الكنيسة والأرامل والعمل على انتخاب أسقفين عربيين للقدس وعمان»، لكن هذا القانون ألغي في ما بعد عام 1957 وسُنّ قانون جديد عام 1958 صبّ في مصلحة الإكليروس اليوناني، على حساب حقوق العرب.
يشير كلداني الى أن قانون البطريركية لعام 1958 هو المعتمد حالياً، ويحدد «المجلس المختلط من 5 إكليريكيين و8 علمانيين، والأغلبية المطلقة في التصويت من 9 أصوات، ويشترك المجلس فحسب في المراحل الأولية لانتخاب المرشحين للكرسي البطريركي وليس للمجلس حقّ الرقابة على إدارة البطريركية»، لافتاً الى أن كيان البطريركية الأورشليمية الأرثوذكسية مرتبط بالسلطات المدنية الحاكمة، وكانت ولا تزال احدى القضايا القومية المهمة، وأيّ تطور أو تغيير في بُنية هذه الكنيسة مرهون بالحوادث السياسية وقرارات الحكومات المعنية.