تقرير
كتب نوعم أمير في صحيفة «معاريف» العبرية:
كانت هذه ليلة من النوع الذي كتبت عنها كليشيات مثل «في وقت كنتم نائمين تحت اللحاف هناك أناس يقلبون كل حجر كي يضمنوا أن تتمكنوا من النوم بهدوء في الليلة المقبلة أيضاً». في هذه الحالة، في الليلة التي كان فيها الحجر أو للدقة الحجارة، توجد في مكان ما في قلقيليا. مدينة هادئة بشكل عام، ولكن لا ينبغي الوقوع في الخطأ، خرجت منها حتى الآن أعمال إرهابية مدوية. العملية في مطعم مكسيم في العام 2003 كانت واحدة من هذه. 19 ضحية كانت في هذا الحدث.
منذ بدأت موجة الإرهاب الحالية قبل نحو شهرين يعمل جهاز الأمن في تضافر بالقوى لإحباط العمليات. في الأيام والليالي تعتقل القوات المطلوبين، تجمع المعلومات الاستخبارية وتصادر مواد تحريضية. «في كل يوم نجلس هنا معاً، حول طاولة قائد اللواء. هنا تحصل أمور طيبة كثيرة»، يروي العقيد روعي شطريت، قائد لواء «افرايم». «قادة، استخبارات، حرس حدود ومحافل أمنية أخرى تعرف الميدان وتعيش هنا الواقع، يعملون هنا معاً لإحباط الإرهاب. توجد هنا استخبارات ممتازة وتحكم في الميدان، ومن هنا نخرج في الليالي».
هذه أعمال موضعية، هادئة جداً، تستند إلى معلومات استخبارية معينة، تتعلق ببيت معين، ولا مجال للأخطاء. لا بالبيت ولا حتى بالغرفة. المطلوب يسحب إلى تحقيق أولي في غرفته حين يبعد أبناء العائلة إلى غرفة أخرى. نشرح له لماذا اعتقل ويؤخذ إلى التحقيق. وبشكل عام يكون ردّ الفعل صدمة. فهو لا يعرف كيف يعرفون أن قبل بضع ساعات من ذلك هو بالذات، من كل الجمهور الذي أخل بالنظام، من ألقى الزجاجة الحارقة أو رشق الحجارة.
منذ بدأت موجة الإرهاب، اعتقل نحو ألف مطلوب، معظمهم مخلّون بالنظام بالعنف. الاعتقالات، كما يقولون في جهاز الامن، أحد العوامل الاساس في أن موجة الإرهاب لا تنجرّ إلى انتفاضة مثلما كان في العام 2000.
«قلقيليا تنتج لنا تحدّياً غير بسيط»، يعترف العقيد شطريت. «الكثير جداً من التحريض يوجد هنا. نرى هذا في المساجد، في محطات الاذاعة والتلفزيون وفي المناشير التي توزع هنا. نحن نصل إلى النشطاء الذين يوزعون هذه المواد ونحذّرهم، نبيّن لهم أننا نرى ونعرف كل شيء. لدى القوات حرّية عمل كاملة. ومن يواصلون التحريض يعتقلون، أما من يهدأون فيبقون تحت المتابعة. في قلقيليا نحن ندحرج كل أنواع الحملات مع الاستحبارات والشرطة، بما في ذلك إحباط البنى التحتية لحماس. منذ زمن غير بعيد اعتقلنا خلية مع قيادة وأمسكنا بوسائل قتالية. نعمل كما تعمل آلة قص العشب. كل بضع سنوات يجب الدخول لتنظيف البنى التحتية. قلقيليا مدينة هادئة، تنتج بين الحين والآخر حدثاً كبيراً. لقد سبق أن واجهنا سيارات مفخّخة وأحزمة ناسفة».
هذه الليلة ليست ككل الليالي. فاليوم يتم إحياء الذكرى السنوية لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وعلى طاولة قائد اللواء وضع تقويم للوضع يقول ان الفرع المحلي للمنظمة في قلقيليا يعدّ بضع مفاجآت للواء «افرايم». إحداها كمية كبيرة من مواد التحريض، التي ستخرج إلى الشوارع في ساعات الصباح لإشعال المنطقة. وبالتالي، فإن الهدف القادم هو مقر الجبهة في المدينة. في الطريق نلتقي شبّاناً يحملون الحجارة، الزجاجات الحارقة وعبوات ناسفة من صنع محلي، ولكن القوة لا تصطدم بهم بل تتوجه إلى زقاق التفافي. ويشرح قائد اللواء فيقول إن الاحتواء جزء من عملنا هنا. نحن في سيارة محصنة. حجر هنا، زجاجة حارقة هناك، إذا لم يكن خطر على الحياة فلا يوجد ما يدعو إلى الانجرار إلى العنف.
في الطريق، تتباهى قلقيليا بـ«أفضل أبنائها». بوسترات تمجد الشهداء معلقة على الدكاكين المفتوحة حتى في الليل وفيها الشباب اساساً. داخل محلقة مفتوحة لاحظ بعض الشبان قافلة الجيش «الإسرائيلي» فامتشقوا هواتفهم النقالة على الفور. وفي غضون دقائق ستنشر على «فايسبوك» صور من قلقيليا، كتحذير للاخرين.
تصل القافلة إلى شارعٍ فيه مقر الجبهة. ويستعد مقاتلو حرس الحدود الذين يعرفون كل زقاق ومقاتلو كتيبة «نمر» في سلاح المدفعية للدخول إلى الهدف. كل واحد يعرف بالضبط مكانه. الدخول إلى المقرّ سلس، والمكان يصبح في لحظة هدفاً محصناً، أصوات المطرقة الثقيلة التي تكسر القفل تسمع من بعيد. والآن بات الجميع يعرف أنّ الجيش هنا. الباب ينهار. على الحائط صور الشهداء المعروضين كأبطال مع تاريخ ولادة وموت ووصف للعملية التي صُفّوا فيها. وفي الخزانات مناشير تدعو إلى الانتفاضة في يوم الغضب. صور زعماء الجبهة وأعلام فلسطين، أقلام وعليها شعار الجبهة، قمصان مطبوعة وأعلام حمراء. يمشط المقاتلون المكان ويجمعون مواد التحريض والعداء. ويشرح شطريت ويقول: «هذا التحريض ينتج أجواء الشارع فتراه في الميدان. في شدة الاخلال بالنظام أيضاً يوجد صعيد واضح. قبل موجة الإرهاب لم تكن احداث كهذه. هذا نتيجة التحريض الذي نراه هنا. فعندما يمجدون الشهداء بالمناشير وتعلق على المحلات صور المخرّبين الموتى، فإن هذا يخلق أجواء التحريض وهذا يجب إيقافه».
في الصباح، سيصل إلى هنا قادة الفرع المحلي للجبهة ليكتشفوا أنّ الجيش «الإسرائيلي» زارهم وأحبط نيتهم إشعال الميدان أكثر فأكثر. لا أوهام لدى شطريت، وهو يعرف أن في الغد ستطبع مناشير أخرى. ومع ذلك فإن هذا العمل هام للغاية. كل تصعيد قد يصبح اشتعالاً هائلاً.
«تربى هنا جيل لا يتذكر السور الواقي ولا يخاف»، يقول قائد اللواء ويشرح أن الجيش «الإسرائيلي» يخطّط للأسوأ. «اليوم في أعمال الاخلال بالنظام نتعاطى مع 600 مخلّ بالنظام أما في السيناريو فنحن نتحدث عن 6.000»، يقول قائد اللواء ويضيف: «هذا لا يمكن تفريقه بالغاز المسيل للدموع. سنرى مزيداً من بؤر الإخلال بالنظام وساحاته، النار على محاور السير ومحاولات التسلل إلى المستوطنات. في معظم مناوراتها نستعد لهذا. كل حدث صغير يمكن أن يؤدي إلى تصعيد على نطاق واسع كهذا».
هو ليس متفائلاً ويقول: «نحن لا نرى نهاية لهذه الموجة قريباً، وبحسب الاحساس والمقاييس المختلفة، فإن هذا لن يعود أبداً لما كان عليه قبل موجة الإرهاب. الكبار في السن يقولون نحن نعرف ما يمكن أن نخسره أما الشباب فلا يعرفون إلا القصص أساساً. عندما يعتقلون يدخلون إلى السجن لفترة بضعة أشهر حتى بضع سنوات، العائلات تتضرّر لأن تصاريح العمل تُسحَب منهم، وإذا كانوا بنوا بشكل غير قانوني تصدر بحقهم أوامر هدم. هذه أداة تكسرهم. ولكن الشباب لا يرون دبابات في الشوارع مثلما كان في 2002 وهم لا يخافون. هل سنضطر إلى العودة إلى سور واقٍ 2؟ لا يمكن أن نعرف. المقلق أنني أبحث عن أفول الموجة ولا أراه. يوم، يومان هدوء وبوم، عملية تأتي بشظايا نلتقيها هنا».
قلقيليا كما يقال، هي المشكلة الصغيرة لجهاز الامن. أكثر بقليل من 50 الف نسمة. 10 آلاف منهم أصحاب تصاريح عمل، قريبون من «طريق 6»، لا يعانون كثيراً في الطريق إلى العمل في «إسرائيل». شوارع نظيفة وميادين متطورة نسبياً. الكثير من الأعمال التجارية. غالبية ساحقة من السكان ممن لا يريدون سوى نيل الرزق والعيش بهدوء. وحتى قبل موجة الإرهاب الحالية كان كثيرون «الإسرائيليين» يسافرون إليها للمشتريات ولإصلاح السيارات. وعلى رغم كل شيء، انجرفت في موجة الإرهاب. ويشرح قائد اللواء شطريت فيقول: «هنا سكان لا يريدون العنف. هذا يضرّهم. الاولاد يرون الجيش، الغاز المسيل للدموع، الجرحى، سيارات الإسعاف والصحافيين. ولكن السكان لا يمكنهم عمل الكثير. هذا هو الواقع في عدد من البلدات الفلسطينية. وخسارة».