المربّية والأديبة والناشطة حزبياً… الرفيقة أناة عرنوق شريقي

من الرفيقات اللواتي استقرّين في العاصمة بيروت، وأسّسن حضوراً حزبياً لافتاً فيها، نذكر بحزن وتقدير، الرفيقة أناة عرنوق التي، بعد أن التحقت بجامعة بيروت العربية، تعرّفت على الرفيق مخايل شريقي 1 ، ثم اقترنت به وناضلت معه منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، في رأس النبع حيث منزلهما، وفي رأس بيروت عندما انتقلا إليها أثناء الحرب اللبنانية بسبب الأوضاع الأمنية في رأس النبع.

كنت تعرّفت على الرفيقة أناة عندما التحقت بجامعة بيروت العربية، وتعرّفت على الرفيق مخايل قبل أن يقترن بها.

منذ ذلك الوقت احتلّت الرفيقة أناة ومثلها الرفيق مخايل، مساحة شاسعة في أعماقي، تقديراً ومحبة وارتياحاً.

ورغم مضي سنوات كثيرة، فإن الرفيقة أناة مستمرة في ذاكرتي ووجداني، حزيناً على رحيلها الباكر، ومستذكراً الكثير عن انتمائها الصادق، وعن وعيها القومي الاجتماعي، وكم كانت واعدة في الحزب، وفي المجالين الأدبي والتربوي.

تميّزت الرفيقة أناة، إلى نشاطها الحزبي والتزامها الواعي والمناقبي، بحسن تعاطيها مع الرفقاء والرفيقات، ومع كل من تعاطت معهم في أي مكان استقرت فيه، كما بحضورها التربوي والأدبي في المدارس التي درّست فيها وفي المجلات والكتب حيث كانت تنشر المقالات الأدبية الوجدانية، منها: «البناء»، «الحسناء»، و«الديار».

ولدت الرفيقة أناة عرنوق في بلدة «متن عرنوق» عام 1949 بين عائلة قومية اجتماعية، فوالدها إدوار قومي اجتماعي، كذلك شقيقه المؤرّخ والكاتب والأديب مفيد عرنوق. حازت على الإجازة بمادة اللّغة العربية وآدابها، مارست التدريس منذ عام 1973 في العديد من المدارس في بيروت، منها: سيدة الناصرة الأشرفية، مار الياس بطينا، والليسيه الفرنسية.

اشتركت مع مجموعة من الأساتذة بتأليف العديد من الكتب التعليمية والتربوية في الأدب والتاريخ والجغرافيا. لها دراسات اجتماعية حول تربية الطفل ودراسات حول الأمومة ودراسات أخرى للأشبال في مخيمات الحزب.

اقترنت الرفيقة أناة من الأمين ميخائيل شريقي عام 1973 ورزقا بولدين: مي، ووائل.

قبل ذلك بعام 1972 ، كانت انتمت إلى الحزب في «جامعة بيروت العربية»، حيث كان للحزب مديرية ناشطة.

وفـاتـها

بعد صراع مرير مع الداء العضال وافت المنية الرفيقة أناة فنعاها كل من الحزب السوري القومي الاجتماعي، البعثة العلمانية الفرنسية، وإدارة ليسيه فردان، وكان مأتمها الحاشد يوم الخميس 7 كانون الثاني 1993 مناسبة ليعبّر فيها كل من عرفها وقدّر مزاياها عن حزنه العميق، كذلك الكلمات التي نشرت أثر وفاتها، وأبرزها للأمينة هيام نصرالله محسن، للرفيقين الشاعرين حاكم مردان ومردوك الشامي، والرفيق الكاتب نظام مارديني.

التشييع

جاء في بيان عمدة الإذاعة والإعلام الذي نشرته جريدة «الديار» في عددها بتاريخ 19/1/1993، التقرير التالي:

« أقيم للرفيقة أناة مراسم تليق بما تحتله اجتماعياً وثقافيا في نفوس ذويها ومعارفها ورفقائها… فلقد نقل الجثمان من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت إلى مدينة صافيتا في الشام بمواكبة حشد من الرفقاء يتقدمهم عميد الداخلية الرفيق الأمين لاحقاً الدكتور يوسف الكفروني، عميد شؤون عبر الحدود الأمين لبيب ناصيف ومنفذ عام بيروت الرفيق الأمين لاحقاً وائل حسنية وكامل هيئة المنفذية.

استقبل موكب التشييع في محطته الأولى في دارة أهل زوج الراحلة الرفيق الأمين لاحقاً ميخائيل شريقي في صافيتا حيث احتشد معظم أهالي المدينة، الذين انتقلوا بعدها إلى الكنيسة للصلاة على الجثمان وتقبل التعازي، ومن ثم انتقل موكب المشيّعين سيراً على الأقدام، على الرغم من رداءة الحالة الجوية وبُعد المسافة المؤدية إلى المدافن حيث واروا الجثمان الثرى».

الرفيقة الأديبة

من بين عشرات المقالات الأدبية التي نشرتها الرفيقة أناة في «البناء – صباح الخير»، «الحسناء»، «الديار» وغيرها من صحف ومجلات، اخترنا الكلمة التي نشرتها في العدد 691 في مجلة «البناء- صباح الخير» بتاريخ 8/7/1989، بعنوان: معمودية سعاده

«هذه الليلة سيعدمونني، أما أبناء عقيدتي فسينتصرون. وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي…» «سعاده»

بهذا وعدتنا يا معلم. وبقولك جعلتنا نصارع فنحسن الصراع، ولا نرضى إلا بحسن العدل ونزاهة التفكير.

بثثت فينا عطاءك ونوّهت باسم المجد تنويهاً.

حكمت القلوب، فبدّلتها، وعلّمتنا أن البحر يمهل الغريق ويفتح له باب الأمل. وأن السائر متى بلغ قعر الوادي لا يبقى أمامه إلا الصعود.

غصّةُ قلوبنا مغاور عابسة، ولوعة اغترابنا بطولة هادئة. وهوانا نخفيه لك، طالبين مودة أرضٍ أنت ساقيها.

لَهفَ نفسي عليك يا بلادي…

لَهفَ نفسي عليك يا زوبعة المجد…

لَهفَ نفسي يا محط السفن ويا فرضة البلدان…

أمّتي شاخت يا زعيمي وتصدّعت فباتت تقاتل توافه الأيام غافلة… حرّ الأحقاد الذي يلفح وجوهنا.

فلهفي لجمها المتفاني وعزّها المستضام.

دخولك وليلك مُدلهمُ الظلام.

فبقيت حيث أنت بحزنك الدفين وخجلك المستهان. تسقطين كالدموع فوق وجنات النهار.

قائدك عظيم وعظيم، يجعل السهام خيولاً سابحةً، ويأخذ شعبه بجماع يده ليرمي أحقاد الزمان.

إننا نتشوّق إليك يا معلم… ونستشف عواطفك من ماضٍ جميل يغتنم غفلة الدّهر ليختلس لذّة الأحلام.

آلامك طهّرت فؤادنا الموجوع، وأيقظت فينا جسد الثورة. وأجراس العودة تدوي في تلافيف الغيوم، وقلبنا كاليمامة يخفق حزناً وشعراً.

سألت النجوم… سألت البحار… سألت الغيوم… سألت الندى… بأي طريق أهرب من العاصفة، والليل ينهض خلف عنفوان الغار والزيتون.

فكان جواب سؤالي، صمت بليغ ينوء من ضوء الغياب، وهدير مكنة تطحن أنقاضنا لتصنع منها حجارة جاهزة للبناء.

هوامش:

من صافيتا انتقل للدراسة في جامعة بيروت العربية، مستقراً في بيروت. منح رتبة الأمانة، وتولى أكثر من مرة مسؤولية مدير مديرية رأس النبع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى