اقتتال الأخوة الأعداء بعد مؤتمر الرياض…
جمال محسن العفلق
قبل انطلاق مؤتمر الرياض المحكوم بالفشل مسبقاً وفق ما جاء على لسان المتابعين للشأن السوري من الحلفاء والأعداء، فالدعوات التي وجهتها الرياض حملت معها فشل المؤتمر لما فيها من تناقضات وإقصاء لفصائل وتقريب لأخرى تخدم المصالح السعودية والتركية فقط ولا تنتمي لمصالح الشعب السوري لا من قريب او بعيد، وبعد بيان المؤتمر الذي كشف مدى ضعف المشاركين فيه حيث تناقلت المحطات تقيّد المدعوّين في الفنادق ومنعهم من الاتصال بوسائل الإعلام، كما تبيّن لاحقاً أنّ ما نشر من نتائج كان في الأصل قد كتب وجهّز قبل وصول الوفود المشاركة في المؤتمر، وجلّ ما فعلته الوفود أنها تناولت طعامها في القصور الملكية وما أشيع عن تلقيها أموالاً شخصية وذلك كمصاريف نقل وإقامة.
وبعد بيان المؤتمر الذي جمع فصائل الإرهاب وداعمي الجماعات الإرهابية، وليس مؤتمراً وطنياً بالمفهوم العام الذي يمكن أن يفهمه أي إنسان عادي، فالمؤتمرون حاضرون وخصوم الوطن يديرون المؤامرة ولكن الغائب الوحيد عن كلّ هذه المداولات هو الوطن السوري.
وبالرغم من إخفاء كلّ التناقضات والمديح الذي نشرته الصحف العربية والسعودية بشكل خاص عن أجواء المؤتمر، إلا أنّ الحقيقة مغايرة تماماً، فالذين دخلوا تحت عنوان مرحلة انتقالية وعزل الدولة السورية في رأس البيان كانت العبارات في وسط البيان تتحدّث عن حوار مرتقب ومفاوضات مع الحكومة، فما ورد في البيان من إلغاء للآخر كان في مكان آخر من البيان يريد الحوار، وهذا التناقض ليس نتيجة عدم إدراك إنما هدفه هو وضع شروط مسبقة للحوار هدفها إطالة الحرب على سورية.
وعلى الرغم من عدم التفاعل الدولي مع مؤتمر الرياض، حتى من حلفاء السعودية أنفسهم، إلا أنّ بيانات المعارضة وكتاب الصحافة الموالين للمال السعودي هللوا لهذا المؤتمر وكأنه مؤتمر إنقاذ وحلّ سحري.
وجاء الردّ من حلفائهم الإرهابيين، وعلى لسان الجولاني زعيم جبهة النصرة الإرهابية، ليرفض المؤتمر جملة وتفصيلاً ويتوعّد بإفشال قرارته وعدم السماح بتنفيذها على الأرض، ولم يكتفِ الجولاني بهذا بل وصف ما يسمّى ائتلاف الدوحة بأنه لا يملك شيئاً على الأرض وأنه أي الائتلاف مجرد معارضة تطلق البيانات من الفنادق، وهذا ما نتفق عليه جميعاً حتى الذين شكلوا هذا الكيان يدركون تماماً حقيقة المعارضة الخارجية ويعلمون أنها تعمل بالقطعة أو بالبيان مقابل مال أو امتيازات تعطى لهم من دول أو أجهزة استخبارات.
هذا التطوّر الجديد لدى إعلام المعارضة وتبني قناة «الجزيرة» و«أورينت» للقاء مع الجولاني الذي أدار ظهر للكاميرا يوحي بعمق الخلاف القطري السعودي التركي، ويدخل الحرب على سورية في طريق جديد ليس جدياً، إنما علني هذه المرة وهو اقتتال الأخوة الأعداء في ما بينهم على مصالحهم وليس مصالح الشعب السوري.
ولم يكتف الجولاني الذي قال جزءاً من الحقيقة حول الجماعات الإرهابية بل أكد أنّ من ذهب الى الرياض أُجبر على ذلك تحت تهديد قطع التمويل عنه، وهو بذلك يؤكد ما دأبت علية المعارضة السورية والإعلام المعادي أنّ ما يحدث في سورية هو صراع داخلي وليس حرباً دولية أعلنتها دول تحالف العدوان على الشعب السوري وموّلتها بالمال والسلاح والمرتزقة.
وعلى الرغم من إدراكنا أنّ هذه الفصائل الإرهابية سوف يأتي يوم وتتقاتل وتبيد بعضها البعض، وذلك من أجل نفوذ على مدينة أو حيّ أو مزرعة، ولكن مؤتمر الرياض على يبدو سرّع بهذه العملية الموجودة أصلاً، وسبب وجودها أنّ كلّ الفصائل الإرهابية في سورية هي بالأصل فصائل تتبع للخارج ولا يوجد فصيل واحد فيها يحمل هموم الوطن.
وبالرغم من عبارات الطائفية المقيتة التي استخدمها الجولاني في خطابه إلا أنّ هذه اللغة انسجمت تماماً مع شكل مؤتمر الرياض الذي صمّم بشكل طائفي وكانت اليد العليا لأتباع الوهابية والإخوان المسلمين، رغم الإطار العلماني الديمقراطي الذي أحيط به البيان، إلا أنّ السعودية تعلم تماماً أنّ هذا الإطار هو فقط لتمرير البيان الختامي للصحافة لا أكثر ولا أقل.
واللافت أنّ الجولاني أراد استغباء الناس بقوله إن لا علاقة لتركيا أو قطر بتمويله إنما جماعته تقوم بالتجارة لتمويل نفسها كما أنّ الغنائم هي مصدر تسليحه ليضيف عبارة تنفي فكرة الغنائم حيث قال نملك أسلحة أكثر، ما يملك الجيش السوري! فإذا كان يملك تلك الأسلحة التي يفوق عددها ما يملك الجيش السوري والجيش ما زال يقاتل فمن أين أتت هذه الأسلحة؟ هذا ليس التناقض الوحيد في تصريحات الجولاني فقد رفض قتال داعش وهو تنظيم إرهابي كما النصرة، وقد يكون بذلك يرسل للبغدادي دعوة للتحالف أو لوقف الاقتتال بينهما.
إنّ مؤتمر الرياض بكلّ سلبياته وفشله المعلن إذا أضيف الى ما قاله الجولاني زعيم جبهة النصرة الإرهابية يثبت أنّ الحرب في سورية هي حرب ضدّ الإرهاب، وأن الفصائل الإرهابية بشقيها العسكري والسياسي تعمل وفق أجندات دولية غير متفقة أصلاً في ما بينها، ولكنها متفقة على تدمير سورية وإضعاف المنطقة، فما قامت به تركيا مؤخراً من اعتداء على سيادة العراق هو إحدى نتائج الإرهاب في المنطقة، والتزام المجتمع الدولي الصمت تجاه جرائم الجماعات الإرهابية والدول المتبنية لها ليس له أي مبرّر إلا أنّ تلك الدول والجماعات الإرهابية تعمل من أجل مصالح أميركا والغرب، وطبعاً من أجل مصلحة ما يسمّى «إسرائيل» المستفيد الأول من هذا الإجرام.
ويبقى أن نقول إنّ الدول العربية التي تموّل الإرهاب تعتقد إنه لن يرتدّ عليها أو يصل لها وحقيقة الأمر أنّ هذا المشروع الكبير والذي تديره الاستخبارات الغربية والأميركية يهدف الى نقل كرة النار الى الجميع، ولكنها تنتظر التوقيت المناسب فكما دخل هذا الإرهاب الى تركيا وفرنسا لن يكون صعباً عليه أن ينتقل الى دول أقرب. فأمام انهيار الجماعات الإرهابية في سورية تحت ضربات الجيش السوري والمقاومة وتمكن الطيران الروسي من ضرب أهداف محققة أصابت الجماعات الإرهابية في مقتل، فلن يكون هناك مخرج إلا إخراج تلك الجماعات كما تمّ إدخالها ونقلها الى منطقة جديدة يكون لأميركا مصالح في تدميرها.