حلا نقرور لـ«البناء»: لن أسعى إلى الشهرة إلّا من منبر الفنّ الملتزم الراقي

دمشق ـ آمنة ملحم

بصوتها يتبدّد الحزن وتتلاشى الأوجاع، لتندثر أمام عبق بخور الكنائس. بفنّها الملتزم تحمل رسالتها وتصرّ على أن تكون سورية خالصة بامتياز. وبترتيلها الكنسيّ، تخطّ المحبة والسلام.

حلا نقرور، صاحبة الحنجرة الذهبية، ترفض أن تنطلق من خارج أسوار بلدها. متحدّية الأشواك التي تعترض دربها. ومصرّة على أن صدى صوتها سينثر عبيره في سماء بلدها معانقاً أرواح الشهداء، وكلّها أمل بهوية غنائية سورية تسجّل لها في عالم الفنّ الراقي الهادف، الذي لن تحيد عنه، لإيمانها أن الشهرة التي تريدها لن تتحقّق إلا به وعبره.

«البناء» التقت الفنانة الشابة حلا نقرور، وكان حديث حول هذه المواضيع ومواضيع أخرى.

بداية حديثنا عن حلا… وبداية مشوارها الفني.

– حلا نقرور من حمص، بداياتي في عالم الفنّ كانت في مرحلة الطفولة. في المدرسة اكتشفوا موهبتي حيث كنت رائدة على مستوى القطر في رواد الطلائع ـ مجال الغناء. واستمر هذا لأكثر من سنة، فقدمت الأغاني الوطنية الخاصة بي على المسارح في سورية وخارج القطر. وفي الثانوية تعلمت العزف على العود والصولفاج. غنيت في المسارح الشرقية. وعندما كبرت، طوّرت موهبتي ودرست الموسيقى في إحدى الجامعات اللبنانية، ثمّ عدت إلى سورية وأسست كورالاً شرقياً دينياً عام 2004، من مجموعة شباب من أبناء الكنيسة. ومع مرور الوقت، أصبحوا محترفين. قدّمنا معاً حفلات في سورية وخارجها كمصر ولبنان. وكُرّمت من قبل السيدة الأولى أسماء الأسد ومن قبل جمعيات خيرية عدّة. كما قدّمنا حفلات في دار الأوبرا ومسارح كثيرة.

لماذا اخترت الفنّ الملتزم طريقاً لك على رغم صعوباته؟

– أنا أرى الفنّ الحقيقي في هذا النمط. مع احترامي للفن الشعبي والغناء الطربي، ولكن صوتي ومجال دراستي يشكّلان الفنّ الذي أقدمه، وأنا ابنة الكنيسة ودرست الترتيل البيزنطي، وهذا مجالي أن أقدم على مسرح ضمن كورال ومسارح وضمن كنيسة ومهرجانات كبيرة لها حضورها. ولكن هذا لا يعني أنني لا أرى باقي الفنون وأحترمها وأغنّيها. ولكن كفن، هذا ما أراه فناً ملتزماً راقياً يأتي الناس إلى المسارح كي يسمعوه ويستمتعوا به.

الفنّ بنظري رسالة تخدم الإنسان والطفولة والبلد. ونحن بأمسّ الحاجة إلى هذه الفنون. فأنا بصوتي أستطيع خدمة بلدي أو الطفولة أو الناس والشهداء. وفي هذا السياق أودّ القول إنّني قدّمت أغنية وطنية «ويبقى الوطن قنديل» عن روح الشهداء.

هذا يعني أنك ضدّ مقولة الفنّ للفن؟

– طبعاً أنا ضدّها. فالفن هو الفن الراقي الملتزم. ونحن من بلد أنجب عظماء، سواء كنسياً أو منشدين دينيين أو في المغنى الطربي والتراث الشرقي. سوريانا أمّ الحضارات، وهي منبع الفنون وستبقى كتلةً من نور.

وماذا عن الترتيل وخصوصيته بالنسبة إليك؟

أنا خُلقت وفي داخلي حبّ الترتيل. عندما أغني، الجميع يقولون لي «كأنك ترتلين…». الله موجود في كل تفصيل في حياتي وحياة كل من يحبّ الخير والإنسانية.. الترتيل هو أنا حلا، أنا أحبه وأجد نفسي فيه وأشعر أنه صفة إنسانية يجب أن تكون موجودة لدى الجميع، سواء في الكنائس أو الجوامع. فأن تدعو إلى الخير والسلام هذا فنّ بحدّ ذاته كمرتّل أو مغنّ.

تحضّرين لألبوم خاص بك… أين أصبحت التحضيرات؟

– لم أحبّ أن أبقى في مجال التراث والكورال فقط. بل أحببت أن أضع بصمة خاصة بي، فبدأت بأغنية «على بابك» من كلمات الشاب نسيم ديب وألحانه. طوّرنا الفكرة وأنجزنا أغنية ثانية ثمّ ثالثة، إلى أن خطرت لنا فكرة الألبوم. ولكن هذا الطريق صعب جداً، إذ اعترضتنا صعوبات كثيرة وما زالت تعترضنا. فلا إنتاج وتسويق للغناء في سورية، لا سيما الفنّ الراقي الملتزم الذي ألتزم به. ولكنني دائماً أقول إنّ السهل سهل والصعب صعب، وأنا أمشي في طريق صعب وهو فنّ ملتزم وراقٍ وصعب وطريقه شائك. ولكنني مؤمنة به وبأن لكل مجتهد نصيباً، وعلى قدر تعبي سأحصد.

الألبوم من كلمات شباب سوريين موهوبين وألحانهم. وهم أولاد سورية، وأنا مؤمنة بهويتي السورية.

هل للأغنية الوطنية حيّز في فنك؟

– قدّمت أغنية وطنية عنوانها «ويبقى الوطن قنديل»، وهي أغنية كلاسيكية تحكي عن الشهداء الذين غابوا. ولكنهم على رغم غيابهم باقون. فلولا تضحياتهم وتضحيات الجيش العربي السوري لما كنّا قادرين اليوم على الوقوف وإكمال الطريق، ولما كنّا قادرين أن نفرح ونقف من جديد. أحببت أن أقدّم لهم التحية، ووسيلتي صوتي. فقدّمت لهم التحية بصوتي. الأغنية من كلمات نسيم ديب وإنتاج الكاتب يعقوب مراد المغترب الوطني الذي يعيش في السويد. طُرحت على «يوتيوب» ونالت جائزة أفضل عمل وطني متكامل لروح الشهداء في الجزائر.

وكانت لي أغنية «سورية الله حاميها» مع أنطوان الصافي الذي تشرّفت بالعمل معه كعملاق ابن عملاق هو الراحل الكبير وديع الصافي، الذي قدّم لسورية كما قدّمت هي له، الكثير. فكانت أمّاً له، وهو بادلها المثل. وابنه يسير على الطريق ذاته واختارني كصوت شرقيّ لأقدّم معه أمسيات عدّة. وقدّمنا معاً هذا الأوبريت الذي حقّق صدى جيداً.

كشابة موهوبة… ألا تطمحين للشهرة؟

– أطمح للشهرة التي أراها أنا. فأنا أرى الشهرة في الفن الملتزم الذي أغنيه. وأؤمن بالأغنية الملتزمة التي لها دور ورسالة، ولا أرى أن الأغنية التي تحصد ضجة هي الناجحة، إنما الأغنية التي تترك بصمة وأثراً، وتلك التي تلمسك من الداخل. فأن يكون صوتك جميلاً وتقدّم أغنية جميلة ليس كافياً للشهرة. النجاح في الفن له مقوّمات من صوت وأغنية جميلة مع وجود شركة تنتج وشركة تسوّق بإدارة عمل فنّي. هكذا يصبح المشروع الفنّي ناجحاً. ولكن للأسف، لا سيما في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها، من الصعب جدّاً أن تنتج وتسوّق، لا سيما في حالتي. فأنا أنتج وحدي ولكنني أسير بخطى ثابتة وأعتقد أنني سأنجح.

هل تتابعين برامج المواهب الغنائية… وما رأيك بها؟

– أتابع بعضاً منها. أحياناً تقدّم هذه البرامج أصواتاً جميلة. ولكنني لا أؤمن بها. طُلب منّي أكثر من مرّة أن أتقدّم إلى هذه البرامج، ورفضت لأنني أرى أن هناك أشياء تحضّر في الكواليس ليست كما تقدّم على الشاشة. ومع أنني أرى في هذه البرامج باباً قد يُفتح للموهوبين ومن الممكن أن تؤمّن الشهرة لهم.. ولكن ماذا بعد البرنامج؟

الأهم كيف سيكمل هؤلاء الشباب طريقهم بعد هذه البرامج. وكيف سيكون الشاب ثابتاً في مشواره الفني. وكيف سيترك بصمة وهوية خاصتين بفنّه. كثيرون من الشباب يتقدّمون إلى تلك البرامج ولكنهم يتوهون بعد ذلك ولا يعرفون كيف يكملون مشوارهم. لذا أنا لا أؤمن بها.

كيف ترين الأغنية السورية… ومن يمثلها ويجسّد مثالاً يحتذى به فيها؟

– أرى السيدة ميادة الحناوي علماً من أعلام سورية. كذلك الأستاذ صباح فخري. أسماء كبيرة في سورية ترك أصحابها بصمات نوّارة، وكان لهم دور في الأزمة بأصواتهم السورية، بمنبرهم ووجهتهم الثقافية وحضورهم. ولكنني وللأسف لا أرى أغنية سورية، فعددها قليل جدّاً، وإن وجدت تبقى ضمن إطار محلي حيث لا انتشار لها. وربما لهذا السبب نرى الشباب يتّجهون نحو برامج المواهب في الخارج كي تتحقّق لهم الشهرة. لذلك، أنا مصرّة على تقديم ألبوم سوريّ بامتياز من كلمات وألحان وتوزيع. وسيكون من 11 أغنية جميعها ببصمة سورية. وعلى رغم الأبواب المفتوحة أمامي عربياً، إلّا أنني مؤمنة بأن أقدّم العمل الأول لي سورياً خالصاً على رغم كل الصعوبات.

ما الذي تحتاج إليه الأغنية السورية كي تزدهر؟

– نحن بحاجة إلى شركات إنتاج وتسويق. فلدينا أصوات جميلة وأكاديمية كثيرة، ولكن لا يوجد من يتبناها. في البلد لمسنا الدعم للفنون المسرحية والدراما والسينما، ولكن فنّ الغناء بحاجة إلى تسليط الضوء عليه أكثر. أتمنى ـ وهذا طلب أتقدّم به عبر منبركم ـ أن توجّه الأنظار إلى فنّ الغناء في سورية كي نكون صفحات بيضاء ناصعة من سورية، تقدّم الفنّ السوري الراقي.

وكيف ترين الأغنية الشعبية؟

أحترمها. ولكن بعيداً عن تلك الأغاني القائمة على الإيقاع والرقص. وسأقدّم في ألبومي أغنية شعبية من كلمات الشاعر الكبير الراحل عمر الفرّا، وأوجّه لروحه الرحمة. وكنت أتمنى أن أقدم الأغنية خلال حياته ولكن القدر شاء. هي أغنية شعبية إنّما ضمن إطار الفن الراقي.

عربياً… من يقدّم فنّاً راقياً يستحق الاحترام برأيك؟

– فيروز منبر السلام والخير والفن. وفنّ الرحابنة الذين غنوا للعصفور والأم والخير والطبيعة هو الفن الذي يلمسك. هذا الفن الذي أحترمه وأقدّره. كما لا أنسى أسمهان التي كانت مدرسة غنائية من سورية وقدّمت فنّاً كبيراً خلال حياتها القصيرة. أنا أحبّ الغناء الطربي والكلاسيكي مثل فنّ فيروز ووديع الصافي الذي هو مدرسة بحدّ ذاتها كما سبق وعملت معه فقدّمت مؤسسة وديع الصافي لي الرعاية لفترة، وعملت معهم فقدّمنا أكثر من حفل لتكريم الراحل وديع الصافي مع أنطوان الصافي في حمص واللاذقية.

ما نشاطاتك الحالية؟

– حالياً أحضّر لأمسية ميلادية مع الكورال في حمص. كما أحضّر لأغاني الألبوم أغنية وطنية جديدة. ألبومي يشغل تفكيري فهو مشروعي الأكبر.

إلى أين وصلت في عالم الفن وفق ما ترين؟

– أرى نفسي في بداية المشوار والطريق. قدّمت شيئاً هاماً كنسياً مع الكورال داخل الكنيسة. وأعلّم أولاداً كثيرين الصولفاج والغناء والترتيل. لكنني أرى نفسي ما زلت في بداية الطريق وأتمنى أن أصل إلى محطة أقدّم فيها شيئاً هاماً لبلدي بصوتي. لأن الفن رسالة إذا أتيحت للفنان الظروف ليقدّم شيئاً من خلاله.

هل من كلمة من حلا لسورية الوطن؟

– «الله يحمي سورية وتبقى منارة». الشام عامرة بالفرح ونبض الحياة. هذا ما أحبه بها، وأحبّ التفاؤل في قلب كلّ سوريّ. فنحن شعب لا يحب الاستسلام إنما يحبّ الحياة والفرح. ونحن شعب لنا تاريخ عريق. سورية حضارة وعراقة. حفظها الله وحفظ الرئيس الدكتور بشار الأسد والجيش العربي السوري. وأنا أرفع رأسي ببلدي وبأمهات الشهداء وجنودنا البواسل، هؤلاء الجنود الذين ما زالوا يقدّمون التضحيات فداءً لسورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى