إنها فيروز أيُّها…
أحمد طيّ
كثيراً ما سألت أصدقاء لي السؤال التالي: «هل يمكنكم تخيّل الحياة من دون فيروز؟». بعضهم كانوا يجيبون أجابات سطحية، سريعة، متسرّعة، لا تمتّ إلى جوهر السؤال بِصلة. وثمّة أصدقاء، كانوا «يصفنون»، يغرقون في تفكيرهم وتفكّرهم، ويغيبون للحظات ربما هي سنوات من التخيّل، ثم يهزّون رؤوسهم كمن ينفض ماءً عن شعره، ويجيبون: «أبداً…»!
إنّها فيروز، فيروزنا، التي ترغل أجدادنا وأهلونا أغانيها، وحفظناها من دون تردّد أو غصباً عنّا. كذا بتلقائية سمحة، تماماً كما ينطق الطفل كلمته الأولى.
إنّها فيروزنا التي بأغانيها وصلت حدّ القداسة، بعيداً عن المعنى الحرفي للكلمة، والذي يخضع لمتاهات الكهنوت وما يحلّله أو يحرّمه.
إنها فيروزنا، والتطاول عليها «حرامٌ» بلغتنا، لا بل هو من الممنوعات والخطوط الحمراء. وكما يقول بعض اللبنانيين في لهجتهم المحكية: «ما خلّفته أمّه اللي بيتطاول على فيروز»!
قولوا ما شئتم، وانعتونا بتأليه فيروز… لا يهمّ، ما يهمّنا أن يرتفع صوت في لبنان هذا، ويُخرِس كل من تسوّل له نفسه أن يتطاول على فيروز. فكيف إذا كان هذا الـ«من»، حسن صبرا، صاحب مجلّة «الشراع» التي لا تستحقّ لقب «زميلة». هذه المجلّة التي اعتادت أن تلوّن نفسها باللون الأصفر كلّما تكدّست أعداد نسخها في المستودعات ونخرتها البراغيث، فتجد في كونها صحافة صفراء، ملاذاً لتبيع نسخاً كانت في طريقها إلى التكدّس… والبراغيث!
وصفوا فيروز المعروفة بالبخيلة، بأنها عدوة الناس وعاشقة المال والويسكي، وأنها متآمرة مع الأسد. في عنوان غطّى بالحرف العريض معظم غلاف مجلة «الشراع» التي نزل عددها أول من أمس السبت إلى الأسواق، مع أن تاريخه الاثنين 14 الجاري، وفي داخله موضوع احتل ستّ صفحات سلبية عن فيروزنا، وجاء بلا مناسبة، شاحناً لبنانيين وعرباً وصل إليهم صدى ما ظهر على الغلاف من عبارات، بالغضب على حسن صبرا، رئيس تحرير المجلة، المقيم في الخارج منذ سنوات.
صبرا للذين لا يعرفون عنه الكثير، تلقّى صفعة على وجهه منتصف عام 1998، من رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك الياس الهراوي، في دارة وزير الداخلية ميشال المر الذي كان يتقبل التعازي بوفاة والدته. قصّة تلك الصفعة شهيرة، وكانت بسبب انتقادات هجومية وجّهتها «الشراع» للهراوي على خلفية السجال حول الزواج المدني في مجلس الوزراء اللبناني.
أما موضوع المجلة الذي تناول فيروز، فأثار موجة غضب مشهودة في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى درجة طالب كثيرون ممّن لهم حسابات فيها، بمقاضاة كاتبه بتهمة التشهير بالنجمة اللبنانية العربية العالمية والتدخّل في خصوصياتها، والتحريض الأخلاقي والاجتماعي عليها، ووصفها بمتآمرة سياسياً على لبنان.
وقام غاضبون على «فايسبوك» بشكل خاص، بفتح صفحة سمّوها «مع فيروز ضدّ مجلّة الشراع»، طالبوا فيها بأن تسحب السلطات العدد من الأسواق، وأن تعتذر المجلة، المقيم رئيس تحريرها في القاهرة.
كما استحدثت جمعية «حواس» الثقافية الأدبية، صفحة على «فايسبوك» عنوانها «حواس تحتفي بالسيدة فيروز»، عمد المشاركون في الصفحة على نشر رسوم تشكيلية لصاحبة الجلالة، مرفقة بمقاطع من أغانيها الخالدة.
أيضاً طالب ناشطون في «تويتر» المكتبات بأن ترفض بيع أعداد «الشراع» بدءاً من العدد المسيء لفيروز، التي ذكر صبرا في موضوعه أنها «جنت المال الكثير، من دون أن تفعل خيراً في حياتها لأحد، وأنها تعيش في بيتها، تحتسي فيه ويسكي تفضله على سواه، وهو Chivas Regal الاسكتلندي، وأنها مزاجية … علاقتها ودّية مع الأسد في سورية».
صبرا لم يندم على فعلته، عازياً ما أقدم عليه، إلى أنه كتب الموضوع بطلب من رئيسة تحرير مجلة «الكواكب» المصرية أمينة الشريف، بعدما أخبرته أنها أعدّت ملفاً عن فيروز، وترغب في أن يشارك فيه بموضوع يختاره، فكتب موضوعاً مختلفاً عن كل المواضيع التقليدية التي تنشر عادة عن نجمتنا الشهيرة، وسينشر قريباً في «المواكب»، إلا أنه نشره في «الشراع» التي طبعت من نسختها 10 آلاف نسخة.
وقال صبرا أيضاً في اتصال هاتفي أجراه معه أحد المواقع الإلكترونية، إنه غير نادم على نشر الموضوع، ولن يعتذر بحسب ما طالبه غاضبون في مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفاً أن ما كتبه من معلومات هو نتاج معرفة شخصية عن فيروز التي زارها مرة في البيت برفقة صديق، و«يعشق فنّها وأغانيها»، لكنه في النهاية صحافي لديه معلومات، فنشرها.
من هنا، نطالب كلبنانيين وصحافيين وإعلاميين ومثقفين، وزارتي الثقافة والإعلام، بأن تستدركا الوضع، وأن تعمدا إلى خطوات عمليةو ولو مرة وحيدة، توقف هذا التطاول الظالم المفتري جريمة. خطوات بعيدة عن البيانات كبيان وزير الثقافة روني عريجي، الذي رفض التعرض للفنانة الكبيرة فيروز. وقال في بيان إنّ فيروز قامة وطنية كبرى. والتطاول عليها اعتداء على أحلامنا وذاكرتنا، وعلى وجدان الوطن وتراثه الفنّي الذي أغناه الرحابنة بإبداعهم. وأنّ فيروز أكبر من هذا الغبار، وصوتها شراعنا الدائم.
فيروز اليوم يا معالي الوزير لا تحتاج إلى بيانات. محبّو فيروز وعشاقها لا يؤمنون بالبيانات، إنهم يؤمنون بالخطوات العملية، بأمور يلمسونها، فعلى سبيل الذكر لا الحصر: منع هذا العدد من «الشراع» من الانتشار، وسحبه من المكتبات والأسواق. والعمل على تجريم هذه المجلة. والطلب من مجلّة «الكواكب» المصرية ألا تنشر هذا الموضوع أيضاً.