تركيا تنسف مؤتمر الرياض: ثقل أنقرة الحقيقي

عامر نعيم الياس

هاجم زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني مؤتمر الرياض والمشاركين فيه متعهّداً بإفشاله لأنه لا يصبّ في مصلحة ما سمّاه «الجهاد الشامي».

الجولاني الذي جلس وقد أدار ظهره للكاميرا في لقاء على شكل مؤتمر صحافي للفت الأنظار وإظهار تماسك التنظيم، ردّ على أسئلة مراسلي قنوات «الجزيرة» و«الغد العربي» و«أورينت»، إذ اعتبر أن «هدف مؤتمر الرياض تجريد المقاتلين من سلاحهم طوعاً أو كرهاً»، لافتاً إلى «أن فصائل مقاتلة شاركت في المؤتمر نتيجة الضغوط الدولية بقطع السلاح والمال عنها لكن ذلك لا يبرّر حضورها». وفي سياق الخلاف مع «داعش»، كان الجولاني أكثر مرونة من ذي قبل. إذ أشار إلى أنه لا يجوز قتال «جماعة الدولة تحت غطاء تركيا أو التحالف الدولي».

كلام الجولاني جاء بُعيد انسحاب حركة «أحرار الشام» من مؤتمر الرياض، الحليف الرئيس للحركة السلفية في ما يسمى «جيش الفتح»، والذي برز هذه السنة باعتباره القوة الضاربة ميدانياً في لعبة الرهانات الدولية والإقليمية في سورية، وأنشئ بجهد أميركي ـ تركي خالص، وإن كانت الغلبة للأتراك في هذا السياق لأسباب تتعلق بالجغرافيا وأهمية تركيا كرئة للتنظيمات الإرهابية في سورية. حركة «أحرار الشام» برّرت انسحابها من المؤتمر بعدم إعطاء «الثقل الحقيقي» في المؤتمر «للجماعات التي يجب أن تمثل السوريين».

الحركة لم تحدّد من هي التنظيمات التي يقع على عاتقها «الثقل الحقيقي» في سورية، لكن التزامن بين الجولاني ومؤتمره الصحافي، وموقف حركة «أحرار الشام»، يعكسان بداية خلاف تركي ـ سعودي حول سورية، بعد التقارب الذي دشّنه الملك سلمان بوصوله إلى الحكم هذه السنة. هذا التقارب الذي انعكس إيجاباً على موازين القوّة بالنسبة إلى محور تدمير الدولة السورية، ونقل الجيش السوري والقوات الرديفة من وضعية الهجوم التي سادت طوال عام 2014، إلى وضعيتَي الانكفاء والدفاع، قبل أن يدشّن الدخول الروسي على خط العمليات العسكرية في سورية بداية مرحلة استعادة زمام المبادرة ميدانياً.

الجولاني كما «أحرار الشام» أسقطوا مؤتمر الرياض قبل أن تُسقطه عواصم القرار. فمعارضة نتائج المؤتمر من جانب كبرى الحركات الإرهابية العاملة على الأرض السورية يكشف أمراً محورياً، وهو حجم النفوذ التركي ـ القطري في الداخل السوري، وامتلاك أنقرة والدوحة القوة الضاربة على الأرض السورية، ممثلةً بتنظيمات «أحرار الشام» و«النصرة» و«داعش»، التي تسيطر على غالبية الجغرافيا السورية نسبةً إلى مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلّحة في سورية، فيما تبقى ورقة «جيش الإسلام» وحدها بيد المملكة السعودية إضافةً إلى بعض تشكيلات «الجبهة الجنوبية» التي يتداخل فيها النفوذ السعودي مع الأردني وحتى الصهيوني.

ومن الواضح أن السبب الرئيس لإفشال المؤتمر يتعلق بصراع النفوذ ومحاولة السعودية سحب البساط من تركيا في ما يخصّ ملف ما يسمّى «المعارضة السورية» سواء سياسياً وحتى عسكرياً، وإدراك أنقرة عدم قدرة آل سعود على مقاومة الضغوط الدولية لحاجتها إلى إغلاق الملف اليمني الذي تورّط به الجيش السعودي. بمعنى قابلية السعودية لإبرام صفقة لا تريد لها أنقرة «العدالة والتنمية» أن تمر على الإطلاق، على رغم أن بيان مؤتمر الرياض نسف مسار فيينا الذي شكّل نقطة التحوّل الأساسية في المواقف الدولية من سورية.

إن الموقف الأخير لـ«النصرة» و«أحرار الشام»، وموقف «النصرة» من عدم جواز قتال «داعش» «تحت غطاء التحالف الدولي» يفسح في المجال أمام تدشين خطوات تقارب بين قطبَي «جيش الفتح» وتنظيم «داعش» تتمثل بالحد الأدنى في تجميد القتال في ما بينهم في عدد من المناطق السورية أهمها شمال البلاد والتفرّغ للسير منفردين والضرب معاً في وجه الدولة السورية وحلفائها، فيما يتوقع أن يعود التصعيد إلى مستوياته السابقة في العلاقة بين «النصرة» وزهران علوش قائد ما يسمى «جيش الإسلام» في بعض مناطق ريف دمشق، وتجدّد حرب التنظيمات التكفيرية في ما بينها وفق الموقف من مؤتمر الرياض الذي بات يشكّل محطةً هامة في علاقة التنظيمات الإرهابية المسلحة في الميدان السوري، والذي من الممكن أن يمهّد لإعادة تشكيل بعض التحالفات في المدى المنظور.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى