مستقبل الشرق الأوسط سيكون مروّعاً

كتب إليوت كوهين في «أميركان إنترست»:

بين الحين والآخر، ينبغي على المرء أن يتوقف لتوجيه اللوم، ووصف العلاج، وإخماد ما يظنّه أحدهم أنه من المرجح أن يحدث. كما لاحظ جورج أورويل، يمكن أن تكون هذه تجربة متواضعة، لأن توقعاتنا كثيراً ما تعكس آمالنا أو مخاوفنا بدلاً من التحليل الدقيق.

إلى جانب ذلك، فإن انتقاد السياسيين الذين لا يروقون لأحد، والتأثير على سير السياسات التي لا فرصة لديها للصمود أمام اختبار الواقع، أكثر متعة من التناظر في المستقبل.

حتى الآن، لا موضوع آخر يمكن أن يستفيد أكثر من تحليل الاحتمالات بدم بارد، كما الحال مع الصراع الحالي في سورية والعراق، فضلاً عن مناطق أخرى لا تمضي فيها الأمور بشكل مستقر، كما في ليبيا، ومناطق أخرى شهدت هجمات إرهابية، كما في فرنسا أخيراً.

من الآمن أن نتنبأ أنه، ولمنع هجوم كارثي، كهجمات الحادي عشر من أيلول في الداخل الأميركي، فإن الولايات المتحدة لن تقود تحالفاً في محاولة للقضاء على تنظيم «داعش» في مخابئه، وفي مقدّمها مدينة الموصل.

الرئيس أوباما، بكل وسيلة ممكنة، أوضح أنه يعتقد أن مثل هذا الأمر هو جهد مضلل. ولا ينبغي للمرء أن يتوقع أن ينهي الرئيس الذي تعهد بنفسه بإنهاء حروب الشرق الأوسط ولايته عن طريق إرسال عشرات الآلاف من جنود المشاة إلى بلاد ما بين النهرين، وهو مصطلح أفضل بكثير هذه الأيام من سورية والعراق، والتي، بكل الأشكال العملية، لم تعد موجودة كدول .

هذا هو الوضع الآن، تنظيم «داعش» مستمر في السيطرة على الأراضي في العراق وسورية. الأكراد والجيش العراقي قد يبقى لهم الفتات على الأطراف ويقطعون خطوط الإمداد، وربما يفعل الروس والإيرانيون والمليشيات الشيعية الأمر نفسه.

ولكن لاستعادة أيّ مدينة من المدن الكبرى، وقبل كل شيء، الموصل، فإن الأمر يتطلب الكثير من الجنود. للقيام بذلك على الطريقة الأميركية أو «الإسرائيلية»، فإن ذلك يعني أن تتم محاصرة المدينة وإقناع السكان بالمغادرة، والعمل بعد ذلك في اتجاه واحد بشقّ الأنفس من خلال الشراك الخداعية والكمائن والمخابئ، والأنفاق باستخدام جميع المعلومات الاستخبارية التي تم جمعها بدقة والمراقبة المستمرة، فضلاً عن مجموعة متنوعة واسعة من الأسلحة الموجهة بدقة.

وحتى مع ذلك، فإن تدمير البنية التحتية والخسائر في أرواح المدنيين ستكون كبيرة، كما ستكون الخسائر التي تتكبدها القوات التي تقوم بالمهمة.

ستتطلب عملية السيطرة على الموصل ـ وهي مدينة يبلغ تعداد السكان بها نحو مليوني ونصف نسمة، قبل أن يقوم تنظيم «داعش» بغزوها ـ عشرات الآلاف من الجنود المدربين تدريباً جيداً والمنظمين. وبالتأكيد لن يكونوا من الولايات المتحدة.

إن الاعتقاد بأن القوات العراقية ورجال القبائل السنّية سيفعلون ما فعلوه في الفترة التي امتدت بين عامَي 2006 و2008 من هزيمة تنظيم «القاعدة» الأصغر والأقل خبرة من سلفه تنظيم «داعش» هو حلم.

فالجنود العراقيون والقوات القبلية قاتلوا بشجاعة، لكنهم كانوا يدركون أنهم متحالفون مع ما أطلق عليه بينغ ويست «أقوى قبيلة»، في إشارة إلى الولايات المتحدة. كان بإمكانهم رؤية الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية، والجنود ومشاة البحرية يخوضون المعركة معهم. لن يكون لهم مثل هذا الدعم هذه المرة، وهم يعرفون ذلك.

تبدو الطريقة الروسية أبسط، وقام بها بوتين من قبل، وأشهرها في العاصمة الشيشانية غروزني، وهي مدينة روسية مأهولة إلى حد كبير، في الفترة بين 1999 و2000، أطلق النار على أي شيء يتحرك، وأعاد بناءها وتعيين حاكم. لكن روسيا اليوم قد لا تملك الموارد، وربما لا رغبة لديها في فعل أمر من شأنه أن ينطوي على قتل عشرات أو مئات الآلاف من العرب السنّة، وبالتالي تأجيج المشكلة الإسلامية المحلية الخاصة بها.

إن القضاء على تنظيم «داعش» ليس بالأمر اليسير، ولا تبدو عملية خنق التنظيم هينة، وقد أظهر التنظيم قدرة بالغة بشكل ملحوظ في اكتساب المال من مصادر عدّة، هو طفيل عنيد، وعلى رغم أن التنظيم عانى من آلاف الضحايا، فإنه لا يزال يحصل على المجندين ويتكيف مع القصف الجوي المستمر. لا سبب للاعتقاد بأن تنظيم «داعش» سيتخلى عن مكاسبه.

لذلك، سيستمر تنظيم «داعش» في التواجد، وكما تشير التقارير الأخيرة، فهو يضرب بجذوره في عدد من البلدان، لن تخفت جاذبية قسوته، ولا نقاؤه الديني، وإيمانه المروع. في الواقع، فإن الأمور تجري عكس ذلك تماماً. بات التنظيم يقف في وجه التحالف غير المقدس للولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والفرس، والشيعة. وفي الوقت نفسه، ومع ذلك، فإنه من غير المحتمل أيضاً أن تضع الحرب في سورية أوزارها، وقبل كل شيء، فإن بشار الأسد سيستعيد السيطرة على أكثر من جزء من بلده المدمّر.

وعلاوة على ذلك، فإنه وفي ضوء انهيار العلاقات الروسية ـ التركية، والوجود المتزايد التعسفي والدكتاتوري الإسلامي على رأس الحكومة التركية، فإن أنقرة قد تمضي نحو دعم المتمرّدين، بما في ذلك تنظيم «داعش».

لهذه الأسباب وأكثر، فإن أولئك الذين يعتقدون أن الدعم الأميركي الضمني للهيمنة الروسية ـ الإيرانية على هذه المنطقة باسم الاستقرار إما مرغوب فيه أو من الممكن أن نفكر فيه بشكل أفضل مرة أخرى. إن هذا النوع من تعامل الشيطان ببساطة سيولّد مزيداً من العنف.

والنتيجة، بعد ذلك، ستكون الفوضى على نطاق واسع عبر منطقة واسعة على نحو متزايد، ما يؤدّي بدوره إلى تولّد المزيد من الفوضى، نحن في وقت مبكر أو في أحسن الأحوال، في وقت مبكر من المراحل المتوسطة من حلقة مفرغة من العنف، ننظر فقط إلى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا.

ما أنواع الخبرات التي يملكها المراهقون في تلك المخيمات؟ أي مستقبل يمكن أن يتوقعونه؟ كم عدد جرائم القتل والتشويه، والاغتصاب التي يرغبون في القيام بها من أجل الانتقام؟ تمثل تلك المخيمات أرضاً خصبة لعمليات التجنيد للتنظيمات الجهادية، وسيشق عدد من هؤلاء الشباب طريقهم نحو القتال. للتأكيد، سيكون هناك بعض الجزر من الاستقرار في الشرق الأوسط.

سيردع «الإسرائيليون» الهجمات المباشرة، وسيساعدون الدروز في انتقاء الجيوب الطائفية تحت رعايتهم، وستصبح شبه الدولة الكردية حقيقية أكثر من أي وقت مضى، وستعترف الولايات المتحدة بهدوء بهذه الحقيقة بتسليحها حتى النخاع. الأردن قد يتشبّث، على رغم أن الملك الهاشمي قد يضطر إلى القتال، مرة أخرى، في سبيل بقاء مملكته على قيد الحياة.

ما لا نستطيع التنبؤ به، الشرارات التي قد تشعل حرائق أخرى، حادث روسي ـ تركي ثان. فربما يُسقط صاروخ «أس 400» روسيّ طائرة «F-16» تركية، وقد تسقط طائرة روسية أخرى، غارات على قواعد روسية أو تركية قادمة من المناطق التي تسيطر عليها الأطراف الأخرى.

قد تلجأ بعد ذلك تركيا إلى استدعاء المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي الناتو وتختار روسيا إظهار نقاط الضعف لدى الغرب على جبهات أخرى، يمكن لرياح الحرب السورية أن تهب بعيداً في دول البلطيق، وثمة مسألة أكثر إلحاحاً: قد يتباطأ تدفق اللاجئين إلى أوروبا، ولكن لن يتوقف.

سيكون المستقبل مروّعاً لهذا الجزء من العالم، وكل ما يحدّه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى