إنّه اليمن… منه تبدأ الساعة
ناصر قنديل
– بات ثابتاً أن الدعوة الراهنة للمفاوضات بهدف الوصول لتسوية سياسية في اليمن تختلف عن سابقاتها، فللمرة الأولى يعلن الرئيس اليمني المتحدث بلسانه ولسان السعودية والتحالف الذي شكلته للحرب تحت شعار تسليم الرئيس هادي مقدرات اليمن، أن المفاوضات ستتم ومعها وقف لإطلاق النار، ورغم كل التمهيد الإعلامي لتصوير وقف النار طلباً لهادي والسعودية من ورائه، أو أن الخلاف على التسوية السياسية يطال بنود التفاوض المتصلة بالقرار الأممي 2216 أو بالنقاط السبع والنقاط العشر، يعلم كل متابع للشأن اليمني أن التفاهم السياسي قد تحقق حول هذه النقاط في مفاوضات مسقط، وأن الربط بين العناوين التي يريد كل طرف أن يحمي عبرها قبوله التسوية قد أنجز بطريقة مرضية نسبياً للجميع، بحيث تتحوّل النقاط السبع إلى آلية تنفيذية للقرار الأممي، فيصير تشكيل حكومة موحّدة وإعلان قيادة موحّدة للجيش خطوتين تسبقان تسليم المدن للحكومة والجيش، والحكومة والقيادة الجديدة للجيش من البنود السبعة التي يتمسك بها الحوثيون، وتسليم المدن للحكومة والجيش من القرار الأممي.
– القضية أساساً كانت في وقف النار، أي وقف الحرب التي تشنّها السعودية على اليمن، وكان هادي وقبله السعوديون يأملون بعقد مفاوضات تحت النار، وقد قالوا ذلك علناً مراراً، واخترعوا نظريات من نوع يريد الحوثيون وقف النار هرباً من الحسم العسكري، ويعملون لإفشال أي تفاوض، فلا تفاوض إلا والحرب مستمرة حتى يتمّ التسليم من قبلهم بقبول تطبيق القرار الأممي قبل أي تفاهم سياسي، يعني تسليم المدن لحكومة هادي وجيشه، وبالتالي الاستسلام للسعودية، بينما هذه المرة يحذر هادي ومن خلفه السعوديون من عدم التزام الحوثيين بوقف النار، لا بل يتحدّثون عن إجراءات بناء ثقة ينتظرون من الحوثيين تقديمها، وهي عادة كما هو معلوم خطوات من طرف واحد يقدّمها الفريق المنتصر أو الأقوى بأسوأ حال. ووقف النار هذه المرة، يملك حظوظاً قوية، وفقاً للسياق الذي تتزامن فيه المفاوضات مع وقف النار، وما يصدر عن هادي والسعوديين، والسبب ليس خافياً، من خلال التركيز الذي يقوم به المتحدثون السعوديون ومَن يناصرهم من اليمنيين، على التزام الحوثيين بوقف النار على الحدود السعودية اليمنية، وما يعنيه ذلك أن التغيير بدأ من هنا.
– السعودية قامت رغم الصخب والضجيج، بخطوات ليست بالصدف، فقد سلّمت جثمان الديبلوماسي الإيراني غضنفر ركن أبادي المتوفى في حادثة منى التي أودت بمئات الحجاج وتسبّب بأزمة سعودية إيرانية، بعد إنكار وجوده طويلاً بين الأحياء والأموات، بل إنكار وصوله إلى السعودية، وأمس عاد السفير السعودي إلى طهران، بعد سحبه احتجاجاً على موقف طهران من التعامل السعودي مع كارثة منى، وعلى ضفة مقابلة، وبمعزل عن الأبعاد الخاصة بالمعادلة الرئاسية اللبنانية قامت السعودية بتبني ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية علناً وبلسان سفيرها في بيروت، وهو حليف موثوق لحزب الله وسوريا، وبالتالي رسالة يفترض أنها قُرئت في طهران، ولا يمكن فصل المواقف السعودية نحو إيران عن سياقها اليمني خصوصاً.
– مفاوضات اليمن في جنيف ستجري بعيداً عن الأضواء، التي أريد لها أن تتجه نحو مفاوضات أخرى هي مشاريع التسوية الليبية التي لن تنهي حرباً طرفها الآخر داعش، بل ستحاول الجمع بين الفريق المدعوم من السعودية بالفريق المدعوم من تركيا وقطر لتشكيل حكومة موحّدة، لكن الحدث سيبقى اليمن، حيث البعد الإقليمي الكبير الذي سيحمل الإشارة الأبرز حول مكانة دور السعودية وحجمه في الخريطة الإقليمية المقبلة، من جهة، ومؤشرات العلاقة الإيرانية السعودية من جهة مقابلة، وعلى هذين العاملين يتوقف مشهد التوازنات الجديدة والاتجاهات التي سترسمها بين خيارات المواجهة والتسويات.
– إنه اليمن ومنه تبدأ الساعة، ويتحدد اتجاه عقاربها، كما كان أخطر وآخر الجروح التي فُتحت، سيكون أول الجروح التي ستُغلق، وكما يبدو فالجرح البديل عراقي وعنوانه تركيا، فهل أحسنت السعودية استغلال الدخان التركي في العراق لتأمين إعادة انتشار تخرجها من الحروب الفاشلة واليائسة بأقل الخسائر، وتكوّنت لديها القناعة بلا جدوى مواصلة نطح الجدران؟