الاستنزاف الممنهج والردّ المتاح
عصام عوني
ترقب الأعين راهن الحدث بقلق بالغ، ما أن تغفو قليلاً حتى تصحو على قراءة ما ورد في الصحف، وتكمل بمتابعة أخبار الفضائيات فمواقع التواصل وتقارير العدو، ليسود التوتر وبعض من ضبابية الصورة، فالمشهد بالغ الخطورة إن لم نتدارك الخطر ونعدّ العدة للهجوم المضادّ وصولاً إلى الخلاص والتحرير الوطني الشامل. سنرقب طويلاً وسيطول النزيف وسيتأخر المضي قدماً الذي يسبق النصر بكلفته العالية مثلما جرت العادة.
جرت الانتخابات الرئاسية السورية بما لا تشتهي سفن واشنطن ومراكب أذنابها، فكانت الصفعة مدوية ولا نبالغ إن قلنا إنها زلزلت وهشمت مؤامرة بدأت منذ ثلاث سنوات وما زالت مستمرة رغم إيقافها موقتا، فالعدو ثعلب ماكر، ما أن يفشل حتى يضع خطته الجديدة ويبدأ التنفيذ على حساب الدم العربي المسفوك بلا ذنب يوجب السفك.
تمت الانتخابات وفاز الأسد فقالوا انتخابات مهزلة ليكون الردّ دائماً: ماذا عن لبنان؟ والمعلوم أن لبنان منقسم بين نصف تماهى والعدو بوقاحة بل شارك جهاراً في سفك الدم السوري، ونصف آخر قدم الدم ليوقف نزف الدم، بل قدم الدم قرباناً لسورية. وفاز والأسد، ما أوجب الانتقام لشر الهزيمة.
ما شهده لبنان يوم الانتخابات قلب المعادلة وأسقط كلّ ادّعاء ورسّخ اللحمة الوطنية وثبات قيادة الرئيس الأسد بما لا يقبل الشك، فالمد الجماهيري الهادر أمام السفارة السورية في لبنان وضع النقاط على الحروف، والمشهد ذاته في الأردن، لتبدأ المرحلة الجديدة من العدوان، فالعدو لم يسلم بعد.
أثنى أصدقاء دمشق وحلفاؤها على النتائج وواصلوا الدعم وتوافدت برقيات التهنئة، وما زالت تتوافد، وآخرها من محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.
تزامناً، انتخب الجنرال السيسي رئيساً لمصر، وتواصل اجتثاث «الإخوان» تارة بالاعتقال وأخرى بأحكام الإعدام. ومن باب الاحتواء كان المشهد: السعودية مع وقطر وتركيا ضدّ، لتقع مصر في أتون الحيرة، وهنا حجر العثرة بإكمال المسيرة عبر الإيعاز الأميركي المشروط، لكن هل سيكمل السيسي مسيرة الخضوع أم يعي أن لا خلاص لمصر إلا بحاضنتها السورية والتشبيك والعراق بمباركة طهران وليس واشنطن؟
فجأة وعلى غفلة… الموصل تحت سيطرة «داعش» بما سُمي «غزوة الموصل»، وصار الإرهابيون «ثواراً» بقدرة قادر، على ما ترى السعودية، لتباشر قنوات سفك الدم التحريض والفبركة التي باشرت بها بخصوص سورية قبل ثلاث سنوات فانقسم العالم مجدداً لكنه مرتعب من «داعش» فما العمل؟
ما حدث عراقياً خطير، وإن دلّ على شيء فعلى هشاشة الدولة العراقية الوليدة وسوء القيادة والتقدير والالتباس بالموقف، فمن المستحيل أن يستقر العراق وهو بين بين، فإما يكون عربياً مقاوماً أو تابعاً، فقراره الوطني الخالص يمهد طريقه مستقراً آمناً. من دون ذلك سيواصل الأميركي الابتزاز.
حدث ما حدث وتمّ الاحتواء وإمساك زمام المبادرة مجدداً، فكان الجيش الرديف والأكيد أن النصيحة السورية الإيرانية أتت أكلها والنتائج تقول إن الوضع انقلب لمصلحة بغداد، ما أثار رعونة وهمجية ونكاية من السعودية، ومن خلفها أميركا، ليبتز المالكي بعنوان الدعم المشروط ليرد الأخير حكومة «الوفاق الوطني» وما هي حقيقة إلاّ حكومة التعطيل الوطني انقلاب على الديمقراطية وبهذا يكون المالكي على الطريق الصحيح، فالخضوع لإملاءات واشنطن معناه ارتهان العراق وحاضره ومستقبله للأميركي الخليجي والصهيوني وهذا ما سيقسم العراق حتماً.
في خضم الحدث الجلل خرجت كردستان من جحرها كالفأر الذي يريد قطعة الجبن بلا ثمن، يخطفها ثم ينكفئ، فكيف للكرد أن يتماهوا و«داعش» و«إسرائيل» لتحقيق الحلم التاريخي غير الواقعي، دولتهم المأمولة؟
في السياق ذاته، تؤكد معلومات أن العدوان «الإسرائيلي» الأخير على مواقع الجيش العربي السوري قرب الجولان المحتل هو رسالة «إسرائيلية» واضحة أن خط كركوك حيفا هو ما نريد ولو كان السبيل دولة كردستان ـ «داعشتان»، إذن ما حدث في العراق يصب لمصلحة الكيان أفلا تعقلون؟
عدوان «إسرائيلي»، وردّ سوري، وجبهة حامية الوطيس، ليعود الأردن إلى الواجهة مجدداً في الفرصة الأخيرة، فالأردن بدلاً من السعودية من باب تدفيع الثمن للهزيمة في سورية، لكنه مؤجل بناء على توسلات عمان والدليل، أن العدوان «الإسرائيلي» الأخير تم بالتنسيق مع الأميركيين الموجودين في عمان.
فضلاً عن خطوط النفط لمصلحة الكيان، كان الهدف سيطرة قطعان الإرهابيين على مواقع مهمة للجيش العربي السوري من جهة الجولان والأردن معاً لتنفيذ المخطط، لكن المفاجأة كانت عكس الحسابات بل ومدوية، وها «إسرائيل» تنقل مئات المصابين الإرهابيين إلى مستشفياتها، عدا مئات الذين قضوا بنيران الجيش العربي السوري. والسحق مستمر، فالجهوزية عالية جداً وقد أعد الجيش لمواجهات مماثلة.
«إسرائيل» تلعب بالنار والأردن سيحترق!
الخوف من «داعش» الطافية على سطح الصفيح العربي الساخن تعاظم، فالتنظيم خرج على المألوف مستغلاً الدعم غير المسبوق ما يجعله خارج السيطرة وهنا تقرع ساعة الخطر، فهل يتعظ الأوروبيون وينقذون أنفسهم والعالم؟
على الصعيد الروسي، فرضت موسكو وجهة النظر التي تقول بوقف إطلاق النار وبفدرالية أوكرانيا، ويبدو أن لا حل إلاّ ما قالته موسكو، فالكبار يعرفون جيداً من أين تؤكل الكتف.
زيارات كيري المكوكية لاحتواء الحدث عربياً ومد الأذناب بجرعات التطمين هدفها إظهار أن أميركا ما زالت مسيطرة وفاعلة، لكن هل هي وحدها في الميدان؟
الشرح قد يطول ونختصر:
إن حلف المقاومة يملك أوراقاً كثيرة ومتعددة في كل من تركيا والسعودية والبحرين وحتى الأردن، والمطلوب أن تنتقل الحرب إلى داخل الحلف العدو فيُجبر على التراجع، وبذلك فحسب تتوقف الحرب وتبدأ مرحلة البناء والتقدم.
في سورية يواصلون استنزاف الجيش والدولة، ورغم ذلك سورية قوية وتقاوم وتحقق النصر بكلفته العالية.
العراق يستنزف والمطلوب أن يخضع، لكنه يقاوم، وبنصر سورية سينتصر، بكلفة عالية كذلك.
لبنان يستنزف بالانتحاريين وسينتصر بالمقاومة، لكن بكلفة عالية أيضاً ويجب عليه تقديم الدعم الفوري للمعارضة السعودية وتأمين متطلبات الصمود لها مثلما تفعل روسيا مع الموالين لها في أوكرانيا. ودعم معارضة البحرين ليس بالتصريحات والمواقف بل بالعمل والفعل وعلى الصعد كافة.
فضلاً عن تحريك الأوراق المؤثرة في تركيا والدعم اللامحدود لمن ينتظرون ساعة الصفر في الداخل التركي. «فركة أذن» للأردن، في ساعتين إن قرّر المحور، ما قد يبدل المعادلة داخلياً هناك. كذلك استنهاض العمليات النضالية المقاومة في الساحة الفلسطينية، ويملك المحور قدرة على ذلك لو أراد.
يجب إيلام أميركا في عقر دار عملائها لتفكر ألف مرة قبل شن هجوم جديد.
قدرنا المقاومة والصمود والتصدي والتحدي، ودائماً ننتصر بالكلفة العالية ونسقط المؤامرات ونعيد البناء ونستقر. ما أن نغفو قليلا على وقع الاستقرار حتى تبدأ حفلة عدوانية جديدة، فيعود السيناريو مكرّراً، فمتى نقوم بالهجوم الردعيّ الثابت فنحفظ الدم ولا ندفع كلفة باهظة؟
السياسة المتبعة صدّ ومنع وثبات ولكن: ما الذي يضمن بعد أن يسود الهدوء وتضع الحرب أوزارها ألاّ يعود الهجوم مجددا؟
سننتصر ونفشل المؤامرة. كلّنا ثقة بالقادة والسادة، لكننا لن نخرج من دوامة الاستنزاف والكلفة العالية إلاّ إذ نقلنا الحرب إلى عقر ديارهم العامرة على وقع خرابنا!
فلنحفظ الدم ونقلل الخسائر فننتصر بحق… أرجوكم يا من قلوبنا فداء لكم.
https://www.facebook.com/esam7978