أردوغان: السلطان الجديد وكرسي أتاتورك

عامر نعيم الياس

أعلن حزب العدالة والتنمية رسمياً ترشيح رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان إلى منصب رئاسة الجمهورية وذلك في الانتخابات الرئاسية عبر الاقتراع المباشر المقرر أن تجرى مرحلته الأولى في العاشر من آب المقبل، على أن يتم اللجوء إلى مرحلة ثانية في الرابع والعشرين من الشهر نفسه في حال عدم حصول أحد المرشحين على نسبة 51 في المئة من أصوات الناخبين.

تؤكد استطلاعات الرأي أن أردوغان الكاريزمي عند البعض، والسياسي المستبد عند البعض الآخر، سيحصل على النسبة الأعلى من أصوات الناخبين الأتراك استناداً إلى تجربة الأعوام الأحد عشر التي قضاها هذا السياسي في حكم تركيا، وسيصبح القائد الذي سيتربع على عرش الدولة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك أوائل القرن الماضي، فهل سيتشدد الرئيس الجديد في مسألة صلاحياته؟ وهل يقبل «السلطان العثماني» بأن يكون منصبه فخرياً كما ينص الدستور التركي، أم أن أردوغان يسعى إلى العكس؟

لا يخفي هذا الإسلامي المحافظ المتعصب طائفياً طموحاته بتعزيز صلاحيات هذا المنصب استناداً إلى التجربة الأردوغانية في الحكم والقائمة على الدمج بين العاملين الاقتصادي والجماهيري لدفع عملية التغيير وصولاً بالتمكين إلى الحد الأقصى، فالرجل الذي جاء إلى الحكم وحزبه الإسلامي عام 2002 حكم البلاد من دون منازع واستطاع إبعاد الجيش التركي عن الحياة السياسية، كما استطاع خلال عقد من حكمه رفع مستوى الدخل القومي بمقدار ثلاثة أضعاف، وهو ما أدى إلى تحويل هذا السياسي إلى رقم صعب لا يمكن تجاوزه في معادلة الداخل التركي، رجل حاول تجيير الحالة الجماهيرية التي يتمتع بها لخدمة طروحاته في الاستبداد المقونن دستورياً اعتماداً على لعبة الأصوات، وما يؤكد نزعة أردوغان لتعزيز صلاحيات الرئاسة في تركيا أمران أكد هو عليهما ونفذ أولهما وهو تعديل قانون انتخاب رئيس البلاد، فحتى الأمس القريب كان الرئيس التركي ينتخب من قبل البرلمان، أما اليوم فالوضع مختلف الرجل سيدخل التاريخ هو أو غيره كونه يخوض أول انتخابات رئاسية عبر الاقتراع المباشر من الشعب وهو «ما يعطي الرئيس شرعية ديمقراطية» وفق رجب طيب أردوغان في خطاب قبل فترة أمام أربعة آلاف من أنصاره. أما الأمر الثاني والأهم هو تصوّر أردوغان الذاتي لوضعيته بعد تخليه عن رئاسة الحكومة التركية، حيث من الواضح أنه يسعى إلى تعزيز صلاحيات الرئيس مشيراً في أحد تصريحاته إلى أن «منصب الرئيس ليس للاستراحة»، هنا من الضروري الإشارة إلى أن العديد من النخب السياسية والحزبية حتى داخل حزب العدالة والتنمية تعارض العودة إلى مرحلة جمهورية أتاتورك التي قامت على أنقاض السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، لكن هل يستطيعون ذلك؟ أليس أردوغان هو ذاته ذلك الشخص الذي حصل على 49.8 في المئة من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية في 30 آذار الماضي بعد فضائح الفساد التي طالته جراء الصراع بينه وبين حليفه الأسبق الداعية فتح الله غولن؟، فضائح دفعت إلى خروج الملايين في المدن الكبرى في تركيا بما فيها اسطنبول احتجاجاً على استبداد وفساد رئيس الحكومة التركية؟!!

ترى ليبيراسيون الفرنسية أن «أردوغان يعود بقبضة من حديد إلى الحكم فهو الرجل الذي فاز بالانتخابات التشريعية والبلدية كافة واستفتاءين خلال عشر سنوات»، وتكمن المفارقة بأن سياسات أردوغان القائمة على التحريض وزيادة حدة الاستقطاب في المجتمع التركي ألقت بظلالها على استراتيجيات منافسيه الانتخابية، فالحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري قد رشحا إكمال الدين إحسان أوغلو الأمين العام السابق لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وبحسب «ليبيراسيون» فإن «هذا الترشيح غريب لسببين الأول للتنافر القائم بين الحزبين الداعمين لأوغلو، والثاني لأن المرشح إسلامي محافظ» بهذا المعنى فإن نتائج الانتخابات البلدية وما حملته معها من صورة تفصل بوضوح مناطق نفوذ أردوغان ومناطق نفوذ منافسيه من الأحزاب العلمانية والقومية، بمعنى آخر بين المحافظات الساحلية العلمانية والداخلية المحافظة، هذا الفصل لن يصب ضد مصلحة أردوغان في مواجهة إحسان أوغلو، وتبقى المقاطعة هي الأكثر ترجيحاً. أما الأكراد الذين رشح عنهم صلاح الدين ديمرطاش رئيس حزب «الشعوب الديمقراطية» من المتوقع أن يصوتوا له في الجولة الأولى، وإن كانت هناك جولة ثانية سيمارسون كالعادة انتهازيتهم السياسية في مواجهة حكومة العدالة والتنمية التي وإن كانت لم تنفذ وعودها بشأن القضية الكردية في الداخل التركي، إلا أنها تغطي وتدعم طموحات أكراد العراق في الاستقلال، وفي هذا السياق ترى «ليبيراسيون» الفرنسية أن «العامل التشويقي الوحيد في الانتخابات الرئاسية التركية هو معرفة ما إذا كان أردوغان سيحسم السباق الرئاسي في العاشر من آب أي من الجولة الأولى، أم أنه سينتظر حتى الرابع والعشرين من آب لدخول قصر كانكايا».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى