تقرير

كتبت مجلة «أتلانتيك» الأميركية:

يعلم الحزب الجمهوري منذ زمن أن أصوات المسلمين في الانتخابات الأميركية هي كتلة تصويتية، وقد أضحى واضحاً حتى قبل أن يطالب دونالد ترامب الاثنين الماضي بمنع المهاجرين المسلمين من الدخول إلى الولايات المتحدة أن الجمهوريين سيخسرون أصوات المسلمين الأميركيين في انتخابات 2016. وأصبح السؤال الآن عن مدى صغر نسبة المسلمين الذين سيصوّتون لمرشح الحزب الجمهوري المحتمل ـ سواء كان ترامب أو غيره. وفي الحقيقة، إن هذا الوضع يشير إلى تطوّر جديد نوعها ما.

الاهتمام بدراسة توجّه أصوات المسلمين ـ فضلاً عن محاولة كسب تأييدهم ـ توجّه حديث نسبياً، فعدد المسلمين الذين لهم حق التصويت في الولايات المتحدة ما زال صغيراً ـ ربما مليونان أو أقل قليلاً ـ لكن من المتوقع ان تتضاعف نسبتهم من عدد السكان في عام 2050. ولحداثة هذا التوجه، فإن البيانات التي تظهر آلية قيامهم بالتصويت في غالبيتها غير مكتملة أو بيانات جزئية. ويشارك المسلمون في الحياة السياسية بقوة وعادة ما يقومون بالتصويت. وفي البيئة السياسية التي تكون فيها المنافسة في الانتخابات الرئاسية شديدة ومتقاربة، فإن تواجد الأصوات المتردّدة يكون شبه منعدم وتقل الأصوات الاعتراضية ـ المبطلون ـ ويكون من المتوقع أن يكون عدد المشاركين في التصويت كبيراً.

أحد أهم المفاهيم الخاطئة أن كثيرين من السياسيين يعتبرون المسلمين كتلة واحدة، لكن في الحقيقة هم منقسمون سياسياً إلى مجموعة فئات مختلفة، فأكثر من 60 في المئة من المسلمين مهاجرون جاءوا من 80 دولة، وهم منتشرون في أنحاء الولايات المتحدة وفي مختلف الشرائح الضريبية ومختلف المهن. وكما قال زاهد بخاري ـ المدير التنفيذي لمركز الإسلام والسياسة العامة ـ كان المسلمون منقسمين بصورة كبيرة قبل 11 أيلول. فقد كان المسلمون الذين ولدوا في أميركا وهي المجموعة التي تضمّ كثيرين من المسلمين السود يميلون إلى التصويت للديمقراطيين، بينما كان المهاجرون وهي فئة تضمّ عدداً من المهن يتجهون ناحية الجمهوريين. وأضاف بخاري أن الديمقراطيين كانوا يعتبرون دوماً أكثر لطفاً مع الهند بينما كان الجمهوريون كذلك مع باكستان. وكان موقف كل من الحزبين إزاء العلاقات «الإسرائيلية» ـ الفلسطينية أقل وضوحاً وتحديداً ممّا نرى الآن، بل لم نرّ أي رئيس في التاريخ الحديث يتخذ ذلك الموقف المتشدد مع «إسرائيل» مثل جورج بوش الأب.

وبعد ذلك، حاول بوش الابن بصورة خاصة أن يجمع المسلمين في حملته الانتخابية عام 2000، وقد وكان ذلك بناء على طلب غروفر نوركويست الناشط المضاد للسياسة الضريبية، وقد رأى نوركويست ذلك بسبب أن المسلمين محافظون اجتماعياً وتشكل العائلة لهم أهمية كبيرة ومتقبلون لبيئة المال والأعمال فهو ما يجعلهم قريبين من أفكار الجمهوريين بطبيعتهم. وحسبما قال بخاري وروبرت مكواي ـ مدير الشؤون الحكومية في مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية ـ فقد كان بوش أكثر وصولاً لقادة المسلمين الأميركيين في حملته الرئاسية الثانية من منافسه آل غور. وقد ألقى بوش الضوء أيضاً على مراقبة المسلمين خلال حملته الرئاسية الثانية قائلاً: «يتم استهداف الأميركيين العرب بصورة عرقية في ما يسمى الدليل الخفيّ ويتم توقيفهم. ولا بدّ أن نقوم بعمل شيء حيال ذلك الأمر».

ويصعب معرفة مدى نجاح بوش بين المسلمين، فلا تظهر الاستبيانات التي تتم بعد الخروج من المنصب آراء المسلمين كمجموعة. وقد أشار إحصاء أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية ـ «كير» «CAIR»، أن 70 في المئة من المسلمين قد صوّتوا لمصلحة بوش. وإن كان إحصاء «كير» لا يعتبر دراسة علمية، ولذا يجب أن يتم أخذ أرقامه بقدر من الشك. وقد أظهر استبيان زوغبي في 2001 وهو أقوى علمياً، ولكنه أجري بعد سنة كاملة من الانتخابات، أن أقل من 42 في المئة من المسلمين قالوا إنهم صوّتوا لجورج بوش مقابل 31 في المئة لآل غور. وكان تقدير اتحاد المسلمين الأميركيين أن 60 ألف مسلم صوّتوا لبوش في فلوريدا، وقد فاز بوش في تلك الولاية بفارق بضع مئات من الأصوات. وأكد نوركويست أن جورج بوش اختير رئيساً للولايات المتحدة الأميركية بسبب أصوات المسلمين.

وقد أعيد استخدام أسلوب خطاب بوش في خصوص المسلمين بصورة متكررة خلال الأشهر القليلة الأخيرة التي زادت فيها حدّة موقف الجمهوريين من المسلمين والإسلام. فقد قام بوش في 17 أيلول 2001 بعد أيام قليلة من هجمات نيويورك وواشنطن وبنسيلفانيا بزيارة المركز الإسلامي في العاصمة واشنطن، وألقى خطابه الشهير «الإسلام سلام»، والأهم ـ كما قال مكواي ـ أن ذلك لم يكن اللقاء الأول بين بوش وكثير من القادة الذين ظهروا معه، فقد كانت تجمعهم علاقات طيبة بالفعل قبل ذلك اللقاء.

وعلى رغم استمرار بوش في التركيز على التفريق بين الجهاديين وغالبية المسلمين خلال فترته الرئاسية، لكنه ـ هو وحزبه ـ فقدوا تأييد المسلمين بصورة متزايدة. فإضافة إلى الحرب على العراق، كانت إدارة بوش مشهورة بانتهاكات مكثفة للحريات المدنية، وهو ما أدانه بوش عندما كان محافظاً خلال مناظرته الانتخابية أمام آل غور.

قال سهيل خان لمجموعة من النشطاء المسلمين الربيع الماضي: «كما أنكم لا تصدقون ما يقال عن المسلمين في الإعلام، يجب ألا تصدقوا ما تقرأونه في وسائل الإعلام عن المحافظين. فإنكم تسمعون الآراء المتعصبة لقليلين منهم، ولكن ذلك لا يمثل رأي الغالبية».

ولكن هذا الرأي يصير أصعب وأصعب في التصديق كلما زاد ترامب في حديثه، خصوصاً عندما يتملّص منه باقي الجمهوريين، لكنهم لا ينكرونه بصورة كاملة. وما زال حتى الآن المسلمون غير عشاق للحزب الديمقراطي، بل بالعكس، هناك سبب يجعل جزء كبير منهم مستقلين سياسياً. فالمسلمون لديهم تاريخ طويل من المعارضة لأوباما، إذ يشعرون أنه أبعد نفسه كثيراً عن المسلمين ليحاول إقناع الناس أنه لم يكن مسلماً في حملته الانتخابية في 2008. وعندما تحدثت مع مختلف القادة المسلمين في 2011 ـ قبل أن يدلي أوباما بخطاب هام عن الإسلام ـ كانوا مستائين بصورة عامة من أوباما ولكنهم ما زالوا مقتنعين أنه اختيارهم الأفضل في 2012.

ما زال هناك كثير من الغضب قائماً بعد أربع سنوات. فمثلاً، لم يزر أوباما أيّ مسجد داخل الولايات المتحدة حتى الآن ـ بخلاف بوش. وعلى رغم أن العضوين المسلمين الدائمين في مجلس النواب هم من الحزب الديمقراطي، لكن بصورة عامة كان يمكن للحزب بصورة عامة أن يقوم بالكثير أفضل من ذلك.

«هناك 2000 مسجد في البلد، ونحن نخطط لطبع 2000 ملصق دعائي للحثّ على التصويت» كان ذلك ما قاله مكواي. وتهدف المنظمة أن تسجل 20000 ناخب جديد في هذه الجولة. على رغم أن تلك النسبة ضئيلة، لكن الانتخابات الرئاسية دوماً ما تتحدّد بفوارق ضئيلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى