العراق والوصاية الأميركية
حميدي العبدالله
كشفت الأزمة الجديدة بين العراق وتركيا عن مدى التأثيرات الضارّة لخضوع العراق للوصاية الأميركية. هذه الوصاية لعبت الدور الأكبر في توليد واقعين هما اللذان يفسّران المآسي والكوارث التي حلّت وتحلّ بالعراق. يتمثل الواقع الأول بالمحاصصة الطائفية التي فرضها الاحتلال الأميركي، وإسقاط الدولة الوطنية. وبديهي في ظلّ هذه المحاصصة تمّ إطلاق تنافس بين المكوّنات العراقية في ما بينها على السلطة، حيث يسعى كلّ طرف للاستقواء بحلفاء خارجيّين للحصول على أكبر مكاسب في السلطة. وبديهي هذه المحاصصة والتنافس وما ينبثق عنها من صراعات حال دون بناء أجهزة قوية لدولة موحدة، بما في ذلك أجهزة الجيش والشرطة والقوى الأمنية، ولهذا انهارت هذه الأجهزة ومؤسسات الدولة عند أول اختبار تمثل بهجوم «داعش» على مناطق يطغى على سكانها مكوّن محدّد من المكوّنات العراقية.
الواقع الثاني، تجسّد بتبعية أطراف عراقية للولايات المتحدة. الأمر الذي قاد إلى عجز الحكومة العراقية عن القيام بأيّ عمل لا تقوم الولايات المتحدة بتوفير الغطاء له، وإقناع المرتبطين بها تسهيل هذا العمل. لهذا مثلاً جرى تعطيل شنّ حملة واسعة لتطهير محافظة نينوى التي تشكل المعقل الرئيسي لتنظيم «داعش»، وعرقلة تطهير الأنبار من سيطرة هذا التنظيم، ووضع شروط لأيّ حملة عسكرية تستهدف هذه المناطق، ومن بين هذه الشروط تسهيل عودة النفوذ الأميركي إلى العراق على النحو الذي كان عليه الحال قبل عام 2011، أيّ عندما كانت القوات الأميركية تحتلّ العراق، وهذا يعني أنّ صيغة الحكم التي خلّفها الاحتلال الأميركي باتت منتجاً دائماً للنفوذ والوصاية الأميركية على العراق.
اليوم وبعد انتهاك تركيا للسيادة العراقية، يتكرّر المشهد ذاته الذي ساد في مواجهة تنظيم «داعش»، ويعود ذلك إلى أنّ الولايات المتحدة، وهي دولة الوصاية حتى الآن على العراق، ترفض أيّ ردّ حازم من قبل العراق الرسمي على انتهاك السيادة العراقية، على الرغم من وضوح هذا الانتهاك، وتعارضه مع القوانين والأعراف الدولية.
وهكذا بات ردّ العراق الوحيد على وجود قوات تركية على الأراضي العراقية من دون التنسيق مع الحكومة العراقية محصوراً ببيانات الشجب والتنديد، وتنظيم المظاهرات ودعوة مجلس الأمن إلى القيام بدوره، وهي دعوة عقيمة لن تسمح الولايات المتحدة لها بأن تصل إلى مستوى ما يطمح إليه العراق.
طالما أنّ الوصاية الأميركية على العراق قائمة، لن تهزم «داعش»، ولن يخرج العسكر التركي.