السعودية بين الاعتراف والاختبار
ما ان اندلعت الحرب على اليمن حتى بدأت الرهانات التي كادت تتلاشى بشأن نصر لحلف الغرب في سورية وإسقاط الرئيس الأسد ونظامه تتفاعل من جديد، نظراً لما لليمن من قدرة موقع وموقف وتأثير على الاستراتيجية السعودية برمّتها في تغيير مصير الحروب الممتدّة بالمنطقة والتي تورّطت فيها السعودية بشكل مباشر.
لا يمكن غضّ النظر عن تأثر الحرب على اليمن بالحرب السورية، فأي مفاوضات تتعلق بواحدة ترتبط بالأخرى بشكل مباشر. كيف لا واللاعبون والحلفاء المشاركون في المعركتين هم انفسهم الذين خططوا لإشعالهما وربطهما ببعضهما البعض من اجل ضرب حلف مترابط ممتدّ من إيران فسورية والعراق واليمن حتى جنوب لبنان.
لقد ساهم الصمود السوري بشكل مباشر في إظهار الصمود الاسطوري للحركات المقاومة التي تقاتل العدوان السعودي على أهل اليمن أهمّها حركة «انصار الله»، وهي التي تُعرف بالحركة الحوثية، اما اللافت فإنّ هذه الحركة قدّمت للسعودية ملفاً شائكاً من الوقائع التي لم يعد ممكناً تخطيها، لا بل فوجئت السعودية بأنها لم تكن على علم بمقدرات وسرعة نمو هذه الحركة شعبياً ولوجستياً حتى استطاعت الصمود لتسعة اشهر.
هذه التسعة اشهر هي المدة الزمنية التي استطاعت حركة انصار الله الثبات فيها من دون تراجعات ولا تنازلات على الإطلاق، وقد قدّمت الدماء بدلاً من القبول بالعروض الإلغائية التي فرضتها السعودية في أولى محادثاتها من اجل ايجاد حلّ سلمي لكن من دون الاخذ بعين الاعتبار ان الحركة باتت كياناً يتصعب القفز عنه من دون الاعتراف فيه كشريك في المصير.
كشفت الحرب اليمنية الكثير من الثغرات التي كانت تحاول السعودية التخفي وراءها، وكشفت عجز العائلة الحاكمة عن السيطرة على الملفّ بشكل يحفظ لها ماء الوجه امام المجتمع الدولي، ولا يورّط المملكة فيها كشريك فاعل في اغراق البلاد بالدماء.
كشفت الحرب اليمنية زيف المقدّرات السعودية الاستخبارية حيث استطاعت المقاومة اليمنية خرق الحدود اكثر من مرة خلال الحرب، وها هي دخلت قرى ومدناً حدودية سعودية للمرة الاولى بعدما ظنّت انّ اليمن اضعف من ان يدافع عن نفسه.
استأجرت السعودية قوات مرتزقة من أجل الدفاع عنها من دون ان تورّط الجيش السعودي في هذه الحرب واذا كان هذا يفسّر شيئاً فهو تفسير لأمر واحد وهو قلق كبير من اعتراض شعبي وسياسي داخل المملكة قد يطيح بالحكم ومن فيه بسبب الانهيارات التي كان ممكناً ان يتسبّب بها قتال الجيش السعودي امام صلابة وبسالة المقاتل اليمني المغوار الذي لا يملك الا روحه يقدّمها في سبيل وطن حرم فيه من ادنى حقوقه الانسانية.
الاعتراف بالآخر هو الطريق الوحيد لحلّ الازمة اليمنية، وربما السورية ايضاً، وهذا الاعتراف بدأت مؤشراته تتبلور وتتكشف بمجرّد قبول السعودية منح التأشيرة للحكومة اليمنية بقيادة هادي من أجل تشكيل وفد يفاوض انصار الله ومن معهم من فريق المقاومة اليمنية، وهذا ليس اعترافاً بشرعية الجهة التي ستحكم مع الآخرين البلاد في المستقبل، هذا الاعتراف السعودي وحده قادر على تثبت نوايا الحلّ السياسي الذي لم يعد هناك مفرّ منه بعد كلّ المحاولات السعودية إلغاء الزخم الذي تتمتع به حركة انصار الله واحباط عزيمة اليمنيين المناصرين لها وبعد استخدامها لأشرس الاسلحة من دون القدرة على تحقيق هدف واحد من اهداف العملية.
اليوم يبدأ العمل بوقف القتال في اليمن ويُفترض أن يعلن الرئيس اليمني من كنف القرار السعودي دعوة لوقف إطلاق النار، وسيشكل صمود وقف النار وجدية الالتزام به اختباراً لمدى صدقية التموضع السعودي ضمن خيار التسويات، بعد ممانعة طويلة ارتبطت بالرهان على نجاح الخيار العسكري بتحقيق السيطرة على اليمن.
السعودية امام الاختبار والاعتراف…
«توب نيوز»