بمواجهة مسقط: الهدف في بيروت

روزانا رمّال

تتسارع الحركة السياسية والاتصالات الدولية على مقربة من نهاية العام في مشهد يؤشر إلى ترابط واضح بين مجمل الملفات الإقليمية الكبرى ويبدو أنّ المنطقة على موعد مع أول اختبارات التحوّلات المُنتظرة ديبلوماسياً في الملف اليمني، وما يمكن له أن يؤسّس لمرحلة جدية من الحديث عن حلول سياسية واقتسام نفوذ وإعلان تسويات.

تبدو السعودية اللاعب الأبرز في الملف اليمني راغبة في إيقاف الحرب التي عرّتها أمام المجتمع الدولي، وها هي تدرك حجم الخسارة المادية والمعنوية التي ألحقتها حركة أنصار الله بصفوف التحالف العربي والمشاركين في الحرب على اليمن، وآخر الأخبار تحدثت عن أكثر من 152 قتيلاً جراء قصف صاروخي يمني على مركز قيادة عمليات سعودية في باب المندب، ما ترك انطباعاً مدهشاً لدى الخبراء الذين أكدوا أنّ القوة الصاروخية اليمنية لا تزال بخير وهي رسالة أرادت حركة أنصار الله وحلفاؤها إيصالها بأن لا تحاولوا هذه المرة عرقلة المفاوضات، لأننا مستعدون لإطالة عمر الحرب إذا لمسنا عدم الجدية ونحن قادرون على ذلك والدليل عافية المنظومة الصاروخية وقدرتها على الإصابات النوعية.

على متن طائرة عُمانية سافر وفد حركة أنصار الله للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 اليمني من أجل البحث في حلول للأزمة وكانت الحركة قد أظهرت إيجابية كبيرة خلال المرحلة الماضية في التعاطي مع المساعي الدولية لإنهاء الأزمة وهي لا تزال تظهرها حتى اليوم، خصوصاً أنّ الناطق باسمها محمد عبد السلام تفاجأ قبيل مغادرة السلطنة بأنّ المسودة النهائية التي تسلّموها من الأمم المتحدة لم تشر إلى الملاحظات التي تمّ الاتفاق بشأنها في مسقط أخيراً، ومع ذلك لن يتوقف الوفد كثيراً عند هذا التفصيل.

لكنّ بعض التفاصيل في العمليات السياسية هي شديدة الأهمية، وتعتبر مؤشراً على بعض الأمور والحسابات، مثلاً أن تنجح سلطنة عُمان على أرضها في إقناع المعنيين بالأزمة اليمنية بضرورة انطلاق مسيرة الحلّ السياسي وعدم إضاعة الفرص أكثر وأن تنجح مسقط للمرة الثانية بأخذها على عاتقها عقد أكثر الاجتماعات الإقليمية أهمية كانت أولها إحدى جلسات التفاوض النووي بين الدول الخمس زائداً واحداً مع إيران، واليوم استضافة الأفرقاء اليمنيين والإعلان عن انطلاق طائرة السلطنة التي تقلّ حركة أنصار الله من مطارها إلى سويسرا للمشاركة في الحلّ.

إنها المرة الثانية التي تؤكد فيها سلطنة عُمان أنها أضحت جزءاً من العملية السياسية في المنطقة، وأنها حجزت لها مكانة ديبلوماسية متقدّمة، وربما يعود ذلك إلى علاقات جيدة جداً استطاعت أن تحافظ عليها بسياسة متوازنة مع الأطراف والأقطاب المتخاصمين في المنطقة والعالم، فبين علاقة جيدة جداً مع الأميركيين والإيرانيين ودول الخليج يبدو أنّ مسقط مرشحة للعب دور هام مستقبلاً بين الرياض وطهران بدأت تباشيره تلوح منذ لحظة القبول السعودي برعاية السلطنة لحلفاء إيران، وتحديداً حركة أنصار الله بمهمّتهم في جنيف.

المكانة المميّزة التي حجزتها مسقط سترفع بلا شك من هواجس قطر وهي الدولة الخليجية التي احتلت يوماً هذه المكانة بالعلاقة المميّزة التي نسجتها مع مختلف الدول والقوى الصديقة والجارة والحليفة، وكانت أبرزها العلاقة المميزة مع سورية وإيران وحزب الله، أما اليوم وبخسارة المشروع التركي ـ القطري في فرض النموذج الإخواني لن يكون سهلاً بالنسبة إلى الدوحة القبول بتراجع هذه المكانة وتسليمها إلى مسقط، وبالتالي فإنّ الخيار الأكيد لديها هو البحث عن ساحة أو مساحة لاسترداد بعض ما يعوّض عليها أضرار الخيار الخاسر.

ستحاول الدوحة البدء من المساحة التي كانت قد حققت فيها إنجازات محتمة وقدّمتها سياسياً وديبلوماسياً طرفاً راعياً ونافذاً فيها. ولبنان منذ مؤتمر الدوحة 2008 هو ساحة لا تزال جذابة لها، وهي التي ظلت ترعى أوراقها فيه بشكل حذر بالوجود السعودي.

لعبت قطر مؤخراً دوراً هاماً في إطلاق العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» وقد اهتمّت بشكل لافت إعلامياً وسياسياً بحلّ الأزمة في وقت مفاجئ قالت فيه للبنانيين إنها لا تزال مهتمة بتقديم الخدمات لحلّ أزماتهم لتأتي المساعي القطرية متوازية مع مبادرة الحريري السعودية في طرح سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وفتح الملف الرئاسي على مصراعيه.

تجمّدت أو تأجّلت التسوية اليوم قبل أن يعلنها الحريري رسمياً بعدما لمس صعوبة مرورها بالشكل الذي هي عليه عند فريق 8 آذار، وعند فريقه الممتعض أيضاً، لكنّ هذا لا يعني بالنسبة إلى قطر التي أفسحت في المجال للمبادرة السعودية بأن تأخذ فرصتها أنها في صدد الاستسلام وعدم المحاولة في ما هو حقّ لها في مواجهة ما تعتبره هاجساً باتت تشكله سلطنة «قابوس».

مع انخفاض مستويات الأمل بنجاح المبادرة السعودية الحريرية ترتفع نسبة احتمالات الدخول القطري على خط هذه الأزمة بشكل كبير، ويبدو أنّ عودة الحديث عن نشاط لشباب الحراك في لبنان يصبّ في هذه الخانة بعدما تمّ الكشف عن دعم إعلامي قطري هامّ لهذا التحرك، وكان لافتاً أمس حضور قناة «الجزيرة» في المؤتمر الصحافي الذي دعا إلى عودة التحرك الكبير في الساحات، وهذه المرة بعنوان يثبت قدرته على تحريك المياه الراكدة والسعي إلى حلول لأزمات القانون الانتخابي العالق والشغور الرئاسي، وما الخفوت في برامج الحراك الشهر الماضي الذي توازى مع المبادرة إلا تأكيد على أنّ هناك قوى سياسية تطلق صفارة انطلاقه ساعة تشاء وتوقفه ساعة تشاء… فهل تبدأ الدوحة استعادة ماء وجهها من بيروت؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى