اجتماع السراي يبدأ بالمناطق الحرجة والتعمير أولها
يوسف المصري ـ «البناء»
امتاز الاجتماع الأمني الذي عقد أمس في السراي الحكومية بحضور الرئيس تمام سلام ووزيري الداخلية والدفاع وقادة الاجهزة الامنية، بأن الطابع المهني أخذ الاهتمام الاكبر فيه، وذلك على عكس المرات السابقة حيث كان يتم نقاش الأمن انطلاقاً من الحسابات السياسية الطاغية.
الواقع ان تطورات تمدد «داعش» في غير دولة في المنطقة، اضافة الى انجازات الاجهزة اللبنانية على مستوى قمع الارهاب قبل انطلاق خلاياه الى تنفيذ عملياته، اضافة ايضاً الى مطالبة دول غربية كبيرة الدولة اللبنانية بأن تبدي اعلى درجات الاستنفار في مواجهة الارهاب … كل هذه العوامل جعل الاجتماع الامني في السراي الحكومية يتجه للتعامل مع قضية الارهاب الذي يهدد البلد بوصفه أمراً فوق السياسة وحساباتها.
وبموجب هذا المناخ المستجد فإنه تمت اعادة اطلاق محركات الخطة الامنية لاستكمال خطوات كانت، لأسباب سياسية، توقفت قبل تنفيذها، والمقصود بها منطقتان بشكل خاص: الحي الغربي في الطريق الجديدة، وامتدادات جغرافية لصيقة به ذات تركيبة ديموغرافية فلسطينية – سورية نازحة – ولبنانية.
المنطقة الثانية هي حي التعمير في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، ومعلوم انه توجد في هذه المنطقة المجموعات الارهابية الخمس ذات الصلة بـ«القاعدة» وأبرزها مجموعات بلال بدر، توفيق طه، هيثم الشعبي والنعاج، الخ…
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن أبلغ بيروت في غير مناسبة ان رام الله لا تمانع بدخول الجيش اللبناني الى منطقة تعمير مخيم عين الحلوة، بخاصة أن هذه المنطقة ليست جزءاً من عقار مخيم عين الحلوة الرسمي، بل هي منطقة تمدد ديموغرافي وتعتبر ارضاً مشاعاً لبنانية. كما اعلن ابو مازن انه لا يغطي بأي حال وجود مجموعات تحاكي «القاعدة» في هذه المنطقة.
وكانت سرت معلومات بعد بدء تنفيذ خطة الشمال الأخيرة ان الجيش سينفذ إجراءات امنية أيضاً في كل من الحي الغربي في العاصمة وايضاً في منطقة تعمير عين الحلوة. ولكنّ هاتين الخطوتين لم تنفذا، ربما يعود سبب ذلك الى حصول تداخلات سياسية على ما تقول مصادر سياسية. ولكن الآن، يعاد طرح امر هاتين المنطقتين، وبخاصة الحي الغربي، وذلك بفعل ان اعترافات الموقوفين الإرهابيين المحتجزين لدى الاجهزة الامنية الثلاث، تقاطعت وأكدت ان كبرى التنظيمات التكفيرية الموجودة في سورية والعراق أخذت قراراً باعتبار لبنان ساحة جهاد وليس ساحة نصرة، وستتعامل معها وفق قواعد اشتباك مغايرة لتلك المتبعة من قبلها في كل من سورية والعراق، اي انه من غير المطروح سيطرتهم على مناطق واسعة وإعلانها منطقة سيطرة كما في الرقة او في الموصل. وبدلاً من ذلك فإن هذه التنظيمات ومن ضمنها «داعش» و»جبهة النصرة» و»كتائب عبد الله عزام»، ستنفذ عمليات تفجير انتحارية وايضاً عمليات بالرشاشات والاحزمة المتفجرة ضد مراكز تجارية وسياحية حساسة تابعة لقوى الامن والجيش اللبناني وايضاً في مناطق نفوذ حزب الله حسب التسمية الواردة في أوامر العمليات للخلايا الإرهابية النائمة. كما يلحظ توجه هذه التنظيمات التكفيرية أيضاً القيام بتنفيذ عمليات اغتيال ضد شخصيات يؤدي المس بها إما الى إذكاء نار الفتنة الشيعية – السنية او الى حالة من شل الدولة وذهاب لبنان الى فوضى على مستوى مؤسسات الدولة.
والواقع ان هذين النوعين الاخيرين من الاغتيالات يشيان بأن عنوان «داعش «هو حمال اوجه، وليس مستبعداً ان يتم استغلاله لأخذ لبنان في توقيت مناسب «إسرائيلياً» الى فتنة داخلية او الى فوضى مؤسساتية تهز اسس كيانه.
بري وسلام
وبحسب مصدر سياسي عمل في مجال الامن والسياسة ومطل على ملف الارهاب في لبنان ، فانه يجب التنبه الى ان الوضع الراهن خطر جداً امنياً، وهو يتراوح حالياً بين ثلاثة توقعات:
الاول انه يستبعد حدوث صراع عسكري سني – شيعي لأن الطرفين لا يريدان هذا الامر، ولأن القرار الدولي هو ضد جر النار السورية او العراقية الى لبنان.
لكنّ هناك توقعين اثنين قد تلجأ إليهما «داعش» وحدها او ربما معها «جهزة وقوى اخرى لديها مصلحة بفتنة سنية – شيعية. وضمن هذا السياق يجب الحذر من حصول حدث امني يؤدي الى خلق حالة من الفوضى يصعب ضبطها. وحتى الرئيس نبيه بري كان حذر من حدوث مثل هذا السيناريو عندما قال: «إن تفجير الطيونة كان يستهدف جر الشياح للاقتتال مع الطريق الجديدة». ولم يعد خافياً ان كواليس الامن والسياسة في لبنان تبدي خوفها من ان تكون هناك جهة تريد المس بالرئيس بري من أجل ان تعقب ذلك حالة عارمة من الاقتتال المذهبي.
التوقع الثاني الذي يجب التحسب له، هو ان تكون هناك ايضاً قوى واجهزة إضافة الى «داعش» لديها مصلحة في اخذ البلد الى فراغ مؤسساتي كبير ويؤدي الى هز اسس الوضع الكياني اللبناني. وفي هذه الحالة يلوح توقع بأن تحاول ايدي الغدر المس بالرئيس تمام سلام وذلك بغية احداث فراغ بعده على مستوى من يملأ الفراغ الرئاسي ومن يسمي رئيس جديد للحكومة؟!
ويختتم المصدر عينه ان كل هذه التوقعات هي من باب الاحتمالات، لكن المنطقة تعيش حالة من جنون الفوضى أخطر ما فيها انها غير واضحة الاهداف، وليس معروفاً ما اذا كانت موجهة ام ان هناك ديناميكية تلقائية تحركها.