السعودية… والبحث عن «نقطة ارتكاز» جديدة؟!

فاديا مطر

بعدما نقلت السعودية حرب الإنابة إلى الحرب المباشرة في محاولة لاستعادة ما فقدته من هيبتها وقيمتها الإقليمية والدولية مع متغيرات أطاحت بسياستها وعسكرتها وتدهور قويّ في وضعها الداخلي، فقد بدأت الرياض تدرس وتدرك ما قاله الإيرانيون في 26 آذار الماضي على لسان رئيس لجنة الأمن القومي علاء الدين بروجردي من أن «هذه النار سترتدّ على السعودية لأنّ الحرب لن تنحصر في مكان واحد فقط»، وهو ما أوضح عمق المغامرة الخطيرة التي يقودها «آل سعود» من اليمن إلى سورية والعراق ولبنان في نتائج لم تخفِ نفسها عن مشهد الخسارة ومحاولات الالتفاف.

وأعلنت السعودية أمس، عن تشكيل «تحالف إسلامي» عسكري من 35 دولة لمحاربة الإرهاب غابت عنه بصورة واضحة إيران والجزائر، بعد كلام أميركي يطالب دولاً خليجية بمزيد من الجهود لمساعدة الحملة العسكرية الأميركية في العراق وسورية.

السعودية التي ستقود حلف الـ«35» دولة إسلامية تقود الآن حرباً مدمرة على اليمن منذ تسعة أشهر وتدخل في مفاوضات مباشرة لوقف إطلاق النار في سويسرا بدأت من أمس، بالإضافة للانغماس في الحرب على سورية منذ خمس سنوات عبر دعم وتمويل واضح لتنظيمات إرهابية في ظل وضع مضطرب يهدد الأمن الإقليمي للمنطقة، فـ«التحالف الإسلامي» الذي يضم 17 دولة عربية وغرفة عمليات تحالف عسكري بقيادة سعودية مقرها الرياض بغية دعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود، بحسب بيان وكالة الأنباء السعودية ربما هو بديل عن تحالف أميركي يتراجع بأدوار وأهداف مطاطية في الغاية والتوقيت، بعدما رفضت السعودية تحالفاً عسكرياً روسياً، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» في 30 أيلول المنصرم، وزادت دعمها للمجموعات الإرهابية المتطرفة في سورية والعراق، وهي التي كانت قد شاركت في تحالف أميركي في العام 1990 ضد العراق، وفي تحالف أميركي ضد ما تدّعي الولايات المتحدة أنه «حرب على الإرهاب»، لتحقق واشنطن على مدى سنين الكثير من المكاسب السياسية والاستراتيجية والاقتصادية في تحالف «منفعي» بدأ يشق طريقاً مغايرة بعد دعوات من بعض صقور البيت الأبيض إلى تحميل الرياض مسؤولية «حَضْن الإرهاب» بعيداً من اللغة الدبلوماسية وحساباتها.

الرياض بصدد تحالف يحمل طابعاً «إسلاموياُ» يعيد احتمالات الصمود ضد التحديات والالتفاف مجدداً للقصف في سورية والعراق بذرائع لم ينجح فيها «عثمانيو» القرن الحالي في توقيت مريب وخطوة استباقية لما سيظهر من تداعيات تشكل خريطة جيوسياسية جديدة في المنطقة على وقع أقدام روسية عسكرية وآثار أقدام إيرانية سياسية بدأت تُظهر أعراضاً مرضية سعودية يجب أن تتجنبها الرياض للحفاظ على الموقع والصورة الإستراتيجية في خانة أعدائها.

فالتحالفات السعودية السابقة مع واشنطن لم تكن لـ «آل سعود» فيها اليد الطولى، لكن «التحالف الإسلامي» الجديد يضع اليد السعودية على الطاولة بقوة الموقع الديني الذي اهتزّ مرات عديدة في ملفات دعم الإرهاب والتنسيق «السعودي ـ الإسرائيلي» والذي أبدت واشنطن تجاهه براغماتية واضحة بعد أحاديث مراكز دراسات عديدة عن تصدّع فيه خلال حقبة ملوك وأمراء الخليج العربي مع الحاجة الأميركية القوية لوجود نفوذ لها يقف في وجه نفوذ إيراني قوي في المنطقة الإسلامية. فالإعلان السعودي لم يرتقِ إلى مستوى الجدية في مكافحة الإرهاب بل هو محاولات لرفع الغطاء عن الطاولة «الإسلاموية» لتظهير معالمها في وقت بدأ ينفد أمام اصطفافات جديدة وتحالفات عسكرية وسياسية بدأت بالزوال من المنطقة بعد معادلات بحر قزوين وشرق المتوسط التي يقودها «الكروز وكاليبر و…»، واستقطاب موسكو لحلفاء غربيين كانوا في ما مضى أكثر طواعية للرياض وواشنطن، بالإضافة لوقوف السعودية في موقع تحمُّل وزر حرب إقليمية غير قادرة على تحمّلها، فهل البحث السعودي عن نقطة ارتكاز جديدة سيبدأ..؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى