ماذا يقول صمود أنصار الله لـ«إسرائيل»؟

روزانا رمّال

تسعة أشهر من صمود حركة أنصار الله حليفة إيران وحزب الله يعني الكثير لـ«إسرائيل» التي تكافح منذ أكثر من خمس سنوات في المنطقة مستغلة أحداث العالم العربي بتناقضاته بين إصلاحات وحريات وإرهاب وتكفير للاستفادة منه من أجل الحدّ من تكرار تجربة حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية وكبح جماح القوى التي تنادي بزوالها وتؤسّس لمخاطر مستقبلية وجودية عليها وعلى مصالحها حول العالم.

لقد سعت «إسرائيل» جاهدة أن لا تتسلّم زمام الأمور قوى قومية أو وطنية، أو تتمتع بشيء من ثوابت العرب في الدفاع عن الأقصى وحقوق الفلسطينيين، ربما ومن دون مجاملات تكون «إسرائيل» قد نجحت في ضبط حركة حماس وتوجهاتها وسلوكها العدائي تجاه «إسرائيل» بطريقة غير مباشرة أتت بالالتفاف على الحركة عبر تركيا بنظامها الحالي، حيث يعتبر امتداداً لحركة حماس الإخوانية، فما كان على الحركة إلا الامتثال لأوامر تركيا في ما يتعلق بالصراع مع «إسرائيل»، وفي ما يتعلق بالعلاقة مع مصر، وبكلّ ما كان مفترضاً أن يؤسّس إلى امتداد لها بمجرد أن تفوز الحركة بكراسي الحكم في أكثر من دولة عربية، وإذ بها تصل إليها وتفشل بالمحافظة عليها ويفشل معها مشروع «الإخوان»، إلا أن «إسرائيل» حافظت على ضبط الحركة عبر تركيا بشكل واضح.

التعاون بين «جبهة النصرة» و«داعش»، بحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشيه يعالون، يصبّ في مصلحة «إسرائيل»، بحيث تعمل على استنزاف خصومها من خلال تخبّطهم فتحافظ هي على استقرارها بانشغالهم ببعضهم البعض، وبالتالي فإنّ الزخم اللوجستي والحيوي الذي مدّته «إسرائيل» للجماعات التكفيرية هو قرار استراتيجي يتكفل بتعويضها عن حرب مكلفة مع هذه القوى، أبرزها حزب الله حسب توقعاتها، لكن حزب الله كرّر مراراً أنه يفصل قتاله وجهوزيته في محاربة الإرهاب عن قتاله مع «إسرائيل»، وكذلك الأمر جهوزيته، فهو قادر على خوض معركته من الجهتين من دون أن يتأثر الجهد بالنتيجة فهو رتب وضعه على هذا الأساس منذ أن اندلعت الأزمة في سورية، لا بل كان يتوقع في قراراً إسرائيلياً «أحمق» في أيّ لحظة يعلن فيه الحرب على سورية أو جنوب لبنان، وفي بعض الأحيان هدّدت حتى «إسرائيل» بقصف إيران عندما كانت تستجدي دعماً أميركياً لإيقاف التقدّم في ملفها النووي.

حزب الله الذي خبرته «إسرائيل» في آخر حروبها معه العام 2006 كشف لها انه كان بمستطاعه أن يتحمّل وقتاً أطول من الحرب، وأنّ لديه من الذخيرة ما يكفي من اجل أن يحقق انتصاره، وأنّ لديه شعباً قادراً على الثبات، لأنه يثق بقيادة حكيمة، عكس ما كانت تعيشه ابان عهد ايهود اولمرت، حيث فقد المستوطنون ثقتهم بالقيادة الإسرائيلية حتى وصلت الإحصاءات إلى أدناها، هذا ما لم تعد تريده «إسرائيل»، وقد أسّست لاستغلال «الربيع العربي» كي لا تجبر على خوض مثل هذه الحروب بغية إضعاف قدرات حركات المقاومة وسحقها وهذا كان أول أهدافها من الحرب مع حزب الله، وهو سحقه.

حزب الله قدّم لـ«إسرائيل» ما هو كفيل بإحباطها في حربه على الأراضي السورية ضدّ الإرهاب الذي غذّته للاقتصاص من الحزب وحلفائه، حتى عادت الدراسات مجدداً إلى احتماليات الحرب المقبلة معه، وعما يمكن له أن يكون قد امتلك طيلة هذه الفترة، لكن الجواب عرفته «إسرائيل» اليوم من اليمن عبر حركة أنصار الله التي فاجأت العالم بصمود لتسعة أشهر سيتحدّث عنها كثيراً الخبراء والعسكريون، وستتلقى «إسرائيل» تفاصيلها وتراقب نموّها، خصوصاً بعدما كشفت عن أسلحة روسية الصنع بحوزتها، وعن صواريخ باليستية قادرة على تحقيق إصابات بالغة مثل تلك التي أحدثها إطلاق صاروخ «توشكا» على مركز قيادة التحالف في باب المندب ومقتل أكثر من 150 وحرق وتدمير آليات وطائرات اباتشي ومدرّعات.

أدركت «إسرائيل أن استغلال «الربيع العربي» في دعم التكفير لم يثنِ عن نمو وتصاعد الحركات الحليفة لقوى المقاومة وإيران، وأنّ شعار «الموت لإسرائيل» سوف يأتيها من كلّ حدب وصوب من العالم العربي، فشعار «الموت لإسرائيل» لم يفارق أهل اليمن وهي التي تبعد عن حدودها ما يكفي لنسيانها، لكن ذلك لم يحصل.

يقدّم موقع عسكري إسرائيلي -»والاه»- تكهناً للقيادة الإسرائيلية عما يمكن أن تكون عليه قدرات حزب الله بالحرب الثالثة، وحسب تقدير الاستخبارات الإسرائيلية حول مخزون الحزب أنه يصل الى اكثر من 130 الف صاروخ، و«جزء منها لمديات بعيدة قادرة على اصابة اي هدف في كلّ انحاء فلسطين المحتلة، معتبرة انّ القبة الحديدية لن تجدي نفعاً امام صواريخ أكثر دقة وتدميراً مثل «ياخونت» الروسي الصنع الذي تؤكد «إسرائيل» انه بات في حوزة حزب الله.

بينما الحرب اليمنية تدخل ربع الساعة الأخير تتذكر «إسرائيل» تطمينات رياض ياسين وزير خارجية منصور هادي قبل تسعة شهور بقوله إنّ بإمكان «إسرائيل» أن تطمئن لأنّ صواريخ أنصار الله المخزّنة في الحديدة لدعم أي حرب يشنّها حزب الله، لن تهدّد بعد الآن ميناء إيلات الإسرائيلي»، وتتساءل بعد مشهد صاروخ توشكا الذي حصد عشرات السعوديين ما إذا كانت عبرة نهاية الحرب هي أنّ على «إسرائيل» أن تخشى من صواريخ الحديدة وتساقطها على إيلات في أي حرب مقبلة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى