الكنيسة المشرقية من مار توما ومار أداي إلى كارثة الخابور… وقائع صحيحة وحقائق مطموسة
د. جورج يونان
في المقال المنشور في ملحق جريدة «النهار» اللبنانية بتاريخ 6 تشرين الأول 2015، استعرض الكاتب محمود الزيباوي، وبعجالة، وقائع مرّت على هذه الكنيسة منذ تأسيسها وحتى كارثة الخابور، وهي وقائع منها ما هو صحيحٌ ولكنه ناقصٌ ومنها ما يحتاج إلى إضاءة أكثر. وظلَّ الكاتب بعيداً عن حقائق كثيرة مطموسة، أدّت إلى هذه الوقائع وكوارثَها والتي كان الغرب وراءها وما يزال ممعناً فيها إلى يومنا هذا.
ولنبدأ ببعض التوضيحات:
في الفقرة الأولى، يورد الكاتب أنّ الاجتياح «الداعشي» للخابور حدث في شباط الماضي 2015 واقتصر على الضفة الجنوبية. والحقيقة، وأنا أعرف الخابور 1 ، فإنّ الاجتياح حصل قبل ذلك بكثير، وبدأ حين بدأ الإرهاب على شكل كرّ وفرّ وشمل الضفة الشمالية لنهر الخابور، حيث تتواجد معظم القرى الآشورية، وقد أدّى هذا الاجتياح إلى تفريغ هذه القرى من سكانها. فمن أصل ما يزيد على ثلاثين ألفاً، لم يبق إلا حوالى 3000، معظمهم شباب حملوا السلاح للدفاع عن بيوتهم وممتلكاتهم.
يتساءل الكاتب من هم الأشوريون؟ ولماذا يُعرَفون بهذا الإسم؟ ثم يجيب بنفسه على السؤال قائلاً: «لا نجد في كتب التراث إجابة عن هذا السؤال؟». وهذا، كما سنبيِّن، غير صحيح. ثم يتجاوز قروناً من السنوات، ويقرّر من دون برهانٍ تاريخيّ أنهم ينتمون إلى الكنيسة السريانية الشرقية التي عُرفت بِاسم الكنيسة النسطورية، وهذا الكلام فيه بعض التشويه ونابعٌ من الفخ الصهيوني ـ الغربي الذي خطّط لتحقير هؤلاء الناس، لا بل لإبادتهم وتشويه تاريخهم وقطعه كلياً عن التراث الرافدي بِنَسْبِهم إلى نسطورس أسقف القسطنطينية في الثلث الأول من القرن الخامس.
الحقيقة الأولى، أنّ الكنيسة التي امتدّت من شرق الفرات، أي ابتداءً من النطاق الجغرافي الغربي للامبراطورية الفارسية إلى أقصى البرّ الصيني، سُمّيت الكنيسة المشرقية أو كنيسة الشرق. والكنائس الأربع الأخرى أنطاكية، القسطنطينية، روما والإسكندرية التي كانت غرب الفرات سُمّيت الكنائس الغربية وكانت كلّها في النطاق الجغرافي للامبراطورية الرومانية. وحين انفصلت كنائس أنطاكية والقسطنطينية والاسكندرية عن روما في ما بعد، أصبحت هذه الكنائس تحسَب ضمن النطاق الجغرافي للكنيسة المشرقية ولم يعد الفرات حدّاً بين الكنيستين حين جمعهم عداء روما.
والحقيقة الثانية، أنّ الآشوريين لم يطالبوا ولم يسعوا إلى إنشاء وطنٍ قوميّ. فهم كانوا في وطنهم القومي العراق يعيشون إلى جوار جيرانهم الأكراد بسلام قبل أن يقع هؤلاء في الفخّ الطائفي الذي نصبه العثمانيون والإنكليز لهم، وكلّ منهما لأهدافه الخاصة. وكلّ ما هدف إليه الآشوريون بعد تهجيرهم كان تحقيق وعود الإنكليز لقائدهم الجنرال آغا بطرس بمساعدتهم في العودة إلى ديارهم وأملاكهم في جبال حكاري. وتهمة العمل على إنشاء وطنٍ قومي لهم على جزء من العراق ما كان إلا كذبة بريطانية رُوّج لها للإيقاع بينهم وبين أخوتهم العرب من أبناء الرافدين.لا بل أنّ الإنكليز من جهة أخرى كانوا ضالعين، ومن البدء، مع أعداء الآشوريين في المشروع الكردي، وفي سياستهم المعتمدة على فرّق تسد. عام 1933 مشى والداي وجدودي، مع الآلاف من الآشوريين، على أقدامهم من الموصل إلى الجزيرة السورية تحت قصف الطائرات الإنكليزية طالبين اللجوء الآمن إلى بلدٍ لم ينصب خيمة لمهاجر. ومؤامرات الإنكليز في بثّ الفُرقة بين مكوّنات الشعب العراقي، بهدف إخضاعه وسرقة ثرواته، كثيرة:
في مقالٍ تحت عنوان «خلطة بغداد العجيبة، يبدّدها الطغاة والغزاة… ويحفظها المبدعون» مجلة فكر. العدد 108 كانون الثاني ـ شباط ص. 32 يروي الباحث والطبيب النفسي الدكتور حسين سرمك حسن هذه الواقعة التي حدثت عام 1917 نقلاً عن مقال في العدد 7 من جريدة «العراق» الصادرة في 8 حزيران 1920 بقلم كاظم الدجيلي، يقول إنّ الإنكليز حاولوا التوصل إلى وسيلة للفتك بأهل بغداد وإشاعة الفُرقة والخلاف بين المسلمين والمسيحيين الآشوريين ، وكانوا يعدّون العدّة لاستغلال يوم الجسد العشاء الرباني وهو يوم مقدّس عند المسيحيين. وقد اقتضت الخطّة أن يقوم رجالٌ موالون للسلطة البريطانية يلبسون زيّ المسلمين بالاندساس بين المتفرّجين، وعند مرور موكب الاحتفال يقومون بقتل بعض أطفال المسيحيين، وبذلك يتسنّى للحكومة ضرب الأهلين ببعضهم. عندما علم المسلمون بنوايا الحكومة السيئة، حضر وفد إسلامي مؤلّفٌ من علماء بغداد وأشرافها، وكانوا يحملون بأيديهم الورود وماء الورد لينثروه على أخوانهم المسيحيّين المحتفلين بهذا العيد المقدّس. وقد جرى الاحتفال يوم الأحد الموافق 6 حزيران 1920. وعندما اجتمع آباء الكنائس الأربع في كنيسة الكلدان الآشوريين في بغداد، وشرع المحتفلون بالخروج من الكنيسة، خرج وفد المسلمين قدّامهم ووقفوا لهم صفّين على جانب الطريق، بكلّ سكينة ووقار واحترام، وعندما مرّ الموكب أمامهم أخذوا ينثرون الورود ويرشّون ماء الورد ويهتفون مع التصفيق الحادّ بقولهم: «ليَدُم مجدُ السيد المسيح، ليدم آباء الكنيسة، ليعش أخواننا المسيحيين، لتحيا الجامعة العراقية». وكان المسيحيون يجيبون: «ليحيا أخوتنا المسلمون». وكانت النسوة المسيحيات المطلات من النوافذ والمشارف يرشرشن ماء الورد على المحتفلين، ودموعهن تتناثر من شدّة الشوق وفرط الفرح والسرور الذي دخل إلى قلوبهن عند مشاهدة هذا الاحتفال الذي دلّ على الوفاق والوئام.
هذه المؤامرة التي صدّها وعي الشعب وأفشلها، هي واحدة من مئات المؤامرات الخبيثة المجرمة التي لم تفشل والتي ارتكبها التاج البريطاني والتي مزّقت النسيج الوطني العراقي، والتي نذكر منها لا للحصر، اجتياح «قوتشانس» في أعالي جبال حكّاري العراقية، مركز بطريركية كنيسة المشرق من قِبل الإنكشارييين الأتراك.
الحقيقة الثالثة أنّ كلمة «آثور» بالآشورية العامية الآن تعني «آشور»، وأنّ كلمة «آثورايا» الآشورية العامية الآن تعني «آشوري،» لهذا دعاهم أبناء وطنهم من العرب والكرد «آثوريين».
تسمية الكنيسة المشرقية السريانية
أما من أين أتت تسميتهم «الكنيسة المشرقية السريانية» وتسمية «السريان الأرثوذكس»، فالحقيقة الرابعة تجيب على هذا السؤال: في كتابه «مسيحيو العراق» ص. 31 ، يقول سهيل قاشا: انتشرت النصرانية 2 المسيحية بالأحرى في العراق في غضون المئة الأولى للميلاد، فترك سكانه المتنصرون المسيحيون بالأحرى اسمهم القديم وأسموا أنفسهم «سورياناً»، تمييزاً لهم عن الوثنيين. وقد استحسنوا هذه التسمية لأن النصرانية المسيحية وافتهم من سورية، وكلمة «سورايا» الآرامية معناها مسيحي وإلى يومنا هذا لا تزال «سورايا» تعني المتكلمين باللغة الآرامية العامية «سورث» مرادفة لكلمة «نصراني» مسيحي لأي جنس أو أمة كان.
لهذا، فالإسم الآرامي «إيتا دمدنخا سورايثا»، يعني الكنيسة المشرقية الآشورية أو الكنيسة المشرقية المسيحية. وكلمة السريان الأرثوذكس تعني الآشوريين الأرثوذكس أو المسيحيون الأرثوذكس.
الحقيقة الخامسة، أنّ كتب التراث تقول إنّه في عام 714 قبل الميلاد. كان الملك الآشوري سرجون الثاني وهو في عامه الثامن للمُلك، قد وصل إلى أعالي قمم الجبال المرتفعة على علو 3000 متر في «نوردوز» و«حكّاري» امتداداً إلى ضفاف بحيرة «أورميا» وبحيرة «وان». إلا أنه وبعد حوالى مئة سنة، استطاعت الدولة البابلية الجديدة وبمساعدة الميديين، القضاء على الدولة الآشورية. فما كان من آخر ملوكها «سن شلر إيشكون» وعائلته وباقي جيشه من مفرّ إلا الالتجاء إلى أعالي القمم في «حكّاري». وإلى هذا الملك وجيشه وعائلته يعود الآشوريون. كلير ويبل يعقوب 3 . كتاب سورما خانم. ص 32 . وإضافة إلى الصلة الجغرافية والصلة التاريخية، فإن ما يربط أيضاً الآشوريين الحاليين بالآشوريين القدماء، لغتهم بأبجديتها ولفظها ومعانيها. فالأبجدية هي الأبجدية الكنعانية التي تبنّتها آرام والتي تبنّتها في ما بعد الدولة الآشورية بعد تركها الأبجدية المسمارية. واللغة الآشورية العامة تعود بلفظها ومعانيها إلى أصلها وهي اللغة الآرامية التي تبنّتها آشور آثور .
إذن، الآشوريون سيقوا المسيحية بقرون عدّة وهم لم ينتموا إليها، إنما المسيحية شعّت بتضحياتهم حين تبنّوها برسالتها الداعية إلى السلام والمحبة بعدما عانى شعبها من مآسٍ، فالتطوا بجبال حكّاري العالية ليحموا أنفسهم على مدى تلك القرون المتعدّدة. وهم أول شعب فهم الرسالة الروحية للمسيحية، وبابتعادهم عن السياسة حموها وأبعدوا مهمتها عن مهمات الدولة وسياساتها كما سنرى لاحقاً.
أما كلمة النساطرة، فقد أطلقها عليهم، تحقيراً، أعداؤهم الرومان في الكنيسة الغربية لحسدهم وغيرتهم. يقول المؤرح الدكتور أسد رستم أستاذي في مصطلح التاريخ. الجامعة اللبنانية عام 1961 في مقدّمة كتابه «كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى. الجزء الأول. ص. 22 : «ولم يخلُ حقل الرب في فرعيه الغربي والشرقي من الزوان، من حبّ السيطرة، والمجد الفارغ، ومن الطمع والحسد وسوء الظن والحقد. فكان انشقاق مؤلمٌ مخيف». فالكنيسة المشرقية سبقت نسطورس بأربعمئة سنة. و«مؤتمر أفسس» جاء لمحاكمة نسطورس لا لمحاكمة الكنيسة المشرقية. نسطورس الذي كان أسقفاً على الكنيسة الغربية في القسطنطينية وأراد الانفصال عنها والالتحاق بالكنيسة المشرقية التي كانت قد استقرت على عقيدتها منذ قرون عدّة. وفي هذا الخصوص يقول «هرمز أبونا» 4 في كتابه «الآشوريون بعد سقوط نينوى». ص. 10: إن كنيسة المشرق كان آباؤها قد اجتازوا شوطاً بعيداً في مضمار التحليل والتعليل، لطبيعة المسيح، وكانت الخلاصة التي توصلوا إليها خلال القرن الثاني والثالث أي قبل أفسس ونسطورس بمئات السنين ، بأن للسيد المسيح طبيعتين: إلهية وبشرية، وأن السيدة العذراء هي والدة الطبيعة البشرية في السيد المسيح وليست والدة الله، وذلك لسبب بسيط هو أنها من مخلوقات الله، وأن المخلوق لا يمكنه، بأيّ حالٍ من الأحوال أن يخلق الخالق، وأن الله أزليّ. وعليه، فإن المخلوق يخضع ويتبع الخالق. وتبعاً لذلك، فإن اللاهوتيين في كنيسة المشرق آمنوا، وأرسوا قواعد الإيمان القويم للعقيدة المسيحية التي أثبتت الأيام صوابَها ونالت اعتراف خصومها في روما، ولو بعد عام 1563 حين صدر الإعلان المشترك في روما بين قداسة البابا وقداسة مار دنخا بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في 11/11/1994 والذي أقرّ بعقيدة المشرق عن طبيعة المسيح .
إذن، «مؤتمر أفسس» لم يُعقد لخلافات عقائدية، إنما لرغبة روما وأباطرتها في التسلّط. والدليل على ذلك أن الخلافات اللاهوتية على طبيعة المسيح استمرت بين الكنائس الغربية حتى بعد «مؤتمر خلدونية» الذي عُقد بعد عشرين سنة من «مؤتمر أفسس»، أي حتى عام 451 ميلادياً. كما أن الكنيسة المشرقية لم تدخل في السياسة وهي في النطاق الجغرافي الامبراطوري الفارسي، إنما اهتمت باللاهوت والتبشير والعلوم والترجمة والفنّ وكل ما جعلها أكبر مركز عالمي للمسيحية، مؤلفأ من مئة مليون مسيحي موزعين على العشرات من المترابوليتيات والمئات من المطرانيات المنتشرة من الفرات إلى أواسط الصين ومنغوليا راجع رحلات ماركو بولو ، في وقت كانت الكنائس الغربية تعاني من سيطرة أباطرة روما والرومانيين. ويتابع «هرمز أبونا» ويقول: «إن روما منذ القرن الخامس الميلادي لم تقف من هذه الكنائس موقفاً ودّياً مبنياً على الأخوّة المسيحية بقدر ما يمكن تصنيفه ووصفه بموقف عدائي مبنيّ على طروحات ظاهرها ديني وباطنها مبطن بأطماع تغذّيها نزعة السيطرة والتسلّط على باقي الكنائس العالمية، إذ فضحتها أحداث تاريخية كثيرة، ومنها الحملات الصليبية 1097 ـ 1291 وحملات الاستعمار القديم للإسبان والبرتغاليين في أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا والتي كانت تحت إشراف وتشجيع بابوات روما». و«منذ أوائل القرن الخامس وحتى نهاية القرن الحادي عشر، كانت روما كلّها بمعزلٍ عن العالم المسيحي الشرقي… لا بل أن كرادلة روما أصابتهم الدهشة والاستغراب حين علموا من الربّان صوما 5 أن المسيحية منتشرة بين المغول وباقي أقوام آسيا عام 1287 هرمز أبونا. كتاب «الآشوريون بعد سقوط نينوى»، ص. 14 ـ 15 .
في النزاعات يقول الكاتب «هرمز أبونا»: «في القرن الخامس، شهد العالم المسيحي نزاعات عقائدية حادّة أدّت إلى انفصال السريان عما يُسمّى الكنيسة الجامعة، وانقسامهم إلى كنائس متنافسة. والحقيقة هي، كما قلنا سابقاً، أن الانقسام لم يحصل بسبب النزاعات العقائدية، إنما لأسباب أخرى». ثم يتابع في كتابه «الآشوريون بعد سقوط نينوى» المجلد الثامن ص. 8 ـ9 : «ما هو جديرٌ بالإشارة إليه، أن كنيسة المشرق ومقرّها بلاد ما بين النهرين، كانت تمثل واحدة من أقدم المراكز المسيحية التي تميّزت بنموّها أفقياً وعمودياً منذ بداية انتشار المسيحية…». ومَن أسس الكنيسة المشرقية اثنان، هما مار توما ومار أداي وهو الذي حقّق وعد المسيح بشفاء أبجر ملك الرها من مرض النقرس . وقد سبقت في انتشارها الواسع، في شرق الفرات إلى قلب الصين، الكنائس الغربية بـ«فترة ما بين 2 ـ 11 قرناً إذ من المؤكد أنها الكنائس الغربية دخلت إلى الكثير من بلدان أوروبا في الفترة ما بين القرن الثامن والحادي عشر للميلاد، كما كان الحال مع روسيا. أبونا… المصدر نفسه، ص: 8 ـ 9 . ولقد أدّى هذا إلى حسدٍ وغيرة عند باباوات روما وأباطرتها الذين كانوا يسيطرون على الكنائس الغربية، والحسد والغيرة أدّيا إلى العداء الأعمى وحبّ السيطرة عند الأباطرة الأوروبيين والبابوات كان سبباً للانشقاقات. وحتى «مؤتمر خلدونية» عام 451، لم يكن سببه العقيدة الأرثوذكسية، التي آمنت بطبيعة واحدة للمسيح التي كان الأباطرة الرومان قد تعايشوا معها قبل «خلدونية» بمئة سنة طالما كانت لا تزال تحت سلطتهم، بل كان سببه منطق السلطة والتحكم لدى باباوات روما وأباطرتها، ولهذا السب انشقت الكنائس الغربية الأخرى عن روما وشمل الانشقاق كنائس القسطنطينية، وأنطاكية، والاسكندرية وأوروبا الشرقية وروسيا والحبشة: «ومن خلال تأمل الخلافات المشار إليها، فإن الأحداث التاريخية أظهرت فجاجة موقف روما منها، كما وكشفت عمق أيمان الكنائس الرسولية الشرقية ونقاوته. أبونا ص: 9 .
الشعور الوطني والولاء للأرض
وبهذا العمق وبهذه النقاوة في الإيمان، وبعيداً عن السياسة، وبالتركيز على الروحانيات والثقافة والعلم والفنّ، استمرت الكنيسة المشرقية في رسالتها. وهذا لم يمنعها من الشعور الوطني والولاء للأرض التي حملت مؤمنيها وحملت حضارتهم لمدى عشرات القرون، فكانوا قدوة لمواطنيهم كما كان أبناء عمومتهم في البتراء وتدمر في مقاومتهم النفوذ الروماني. وفي تركيزهم على الانتماء الوطني في حياتهم. فكان للمسيحيين المشرقيين دور بنّاءٌ في الزمن العربي ما عدا فترات قصيرة من الاضطهاد الفردي على يد بعض الفقهاء ذوي النفوذ الكبير على الخليفتين الأمويين عبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز، والخليفتين العباسيين المهدي والمتوكل.
يقول المؤرخ العربي الراحل نقولا زيادة إن الفتوحات العربية في الشام والعراق حدثت صلحاً. المعركتان الوحيدتان اللتان حدثتا في المنطقة: «اليرموك» ضدّ الروم، و«القادسية» ضدّ الفرس. ناصر فيهما المسيحيون المشرقيون أخوتهم العرب. فقد اتّسمت العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في المشرق بالقبول بالآخر كما هو، وهذا واقعٌ تاريخي بعاداته وتقاليده وعباداته، على قاعدة أن الإثنين يعرفان أنهما من سكان البلاد الأصليين، لا بل يطغى شعورٌ مسيحي بالأقدمية. فبقيت علاقات التجاور والمصالح الاقتصادية والمشاركة الاجتماعية في الأحزان والمآتم، ولقد لعب المسيحيون المشرقيون منذ القرون الإسلامية الأولى دور الحماية وإيصال الفكر والترجمة، وإقامة الجسور مع الغرب وبالعكس. وكذلك حصل في عصر النهضة والتنوير وصولاً إلى هذه الأيام، لكنهم ظلّوا يتمنّون ويسعون إلى الحفاظ على خصوصيتهم التاريخية في المشرق… غسان الشامي، «المسيحيون المشرقيون وعلاقتهم بالمسلمين». مجلة فكر. ص: 103 ـ 104 .
وبهذه الروح الوطنية، امتنع السوريون وملك الغساسنة جبلة بن الأيهم عن قتال العرب. وفي السنين الأولى لظهور الإسلام أيام النبي العربي، وفي عهد الخلفاء الراشدين، كان عهد النبي محمد لأسقف نجران الحارث بن كعب، وحثِّه المسلمين على حماية المسيحيين في المشرق، الحارث بن كعب 6 الذي استشهد في مجزرة نجران التي ارتكبها اليهود الذين وصلوا إلى عرش مملكة سبأ في زمن من الأزمنة الرديئة. ويُروى عن النبي محمد أنه حين أمر بإزالة الصور والتماثيل من الكعبة، قال لأصحابه: «أزيلوا كلّ الصور إلا ما تحت يدي، وتحت يده كانت صورة مريم والمسيح». وكانت «عهدة خالد» بن وليد لمنصور بن سرجون، جدّ القديس يوحنا الدمشقي، وكانت «عُهدة عُمر»، ثمّ «مؤتمر الجابية» في الجولان الذي سنّ الخليفة عمر بن الخطاب فيه بعض القوانين التي نظّمت توزيع الغنائم المنقولة وغير المنقولة وهي العقارات المكتسبة خلال الفتوحات: والخليفة عمر باجتماعه مع قواده في «مؤتمر الجابية» ألغى الجزية وعطّل بعض الأحكام لمّا رأى تغيير الأحوال في عهده عمّا كان عليه في عهد النبي. عبد الغفار نصر، مجلة سومر الدمشقية. العدد التاسع . وقد وجب على الفقهاء الذين اضطربوا في الأمر فعقلنوه بعدياً أن يقبلوا بوجود خطّين وسُنّتين: سُنّة الرسول وسُنّة عمر. هشام جعيط: كتاب الكوفة. ص: 62 … وفي عهد الخلافة الأموية، عهد يزيد أخو معاوية الخليفة الأموي الأول عندما كان والياً على الشام، للسوريين المسيحيين بتدريب العرب القادمين من الجزيرة على السياسة والإدارة، واعتمد على القبائل المسيحية للدفاع عن مركزه، ووضع أفراداً معروفين وأكفّاء في مراكز الدولة الحساسة إدارياً ومالياً. وأنشأ وزارة المالية التي تضمنت المالية والحربية والبحرية، وسلّمها لسرجون بن منصور، والد القدّيس يوحنا الدمشقي، وقضت هذه العائلة 60 سنة في خدمة الخلافة الأموية. راجع مقال الكاتب غسان الشامي: المسيحيون المشرقيون وعلاقتهم بالمسلمين، مجلة فكر. العدد 116. ص: 89-104 . وقد وقف الغساسنة العرب إلى جانب عرب الجزيرة في معركة «اليرموك» ضد أباطرة روما. ولم يكن المناذرة أقل وطنية حين ثاروا على الفرس في موقعة «ذي قار» بقيادة ربيعة، الموقعة التي قال عنها الرسول العربي: «هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نُصروا». تاريخ الطبري. المجلد الأول. ص: 472 . إلا أن الكنيسة المشرقية وصلت إلى أوجها في عهد الخلفاء العباسيين الأوئل وكان لهم دور كبير في «دار الحكمة» التي أنشأها الخليفة المأمون، والتي كانت بمثابة دارٍ للعلوم والمعرفة، وقد برعوا أيضاً بالفنّ والموسيقى. إلا أن الكنيسة تعرّضت للنكبات في خلافة المتوكل التي اعتمدت كثيراً على الفرس والترك في دوائرها. وقصّة المتوكل مع المستشارين الفرس ومع الجنود الأتراك معروفة 7 .
العنصر التركي
ظلّت الكنيسة المشرقية تعاني من كارثة بعد كارثة على توالي غزوات المسلمين غير العرب من المغول هولاكو وتيمورلنك والمماليك والصفويين. والسلجوقيين وأحفادهم العثمانيين: «لقد كان قدر كنيسة المشرق يشكلٍ عام وبلاد ما بين النهرين بشكلِ خاص أن تتلقيا تداعيات السياسة غير المسؤولة للخلفاء العباسيين منذ عهد المعتصم 433 ـ 844 ميلادياً ، إذ باعتماد هذا على العنصر التركيّ مكّن هذا العنصر في نهاية المطاف من السيطرة على مقدرات الخلافة العباسية التي أصبحت تحت رحمة موجة الغزاة المتعاقبة التي حاولت أن تملأ الفراغ العسكري والسياسي الناتج عن عجز الدولة العباسية في المحافظة على كيانها. هذا الفراغ على أي حال كان السلاجقة أول من قام بملئه حين احتلوا بغداد عام 1055 ميلادياً، الأمر الذي ترتب عليه أوّل استقرارٍ للعنصر التركي المغولي في بلاد ما بين النهرين، الوطن التاريخي للبابليين والآشوريين». أبونا. ص: 16 .
وعلى رغم انتشار الكنيسة المشرقية في الصين ومنغوليا، فإن صراع القواد المنغوليين بين بعضهم وعلى السلطة أدّى إلى كوارث ومذابح على الكنيسة المشرقية التي كان من الممكن أن تكون أكثر حدّة وخراباً لولا توسط «سرقوتني خاتون» والدة هولاكو المسيحية، و«دقوس خانم» زوجة هولاكو المسيحية اللتين حمتا المسيحيين والمسلمين من مذابح المغول. في هذه الأثناء حدثت محاولات من الكنيسة المشرقية للتعاون مع روما لدرء خطر الغزاة، والتي كانت منها بعثة «ربان صوما» أستاذ الأسقف مرقس البطريرك يهبالاها . إلا أن موقف روما كان سلبياً. واستشهد «ربان صوما» على أيدي المغول بتسميمه.
وتبع الغزو المغولي غزوٌ مغولٌ ثانٍ 1393 ـ 1401 ميلادياً على يد تيمورلنك الذي كان مسؤولاً عن مذابح المسيحيين والمسلمين على حدّ سواء في تكريت وأربيل وبغداد والموصل وديار بكر وكيليكيا وغيرها من المدن، والتي راح ضحيتها الملايين من الناس.
عانى المسيحيون المشرقيون من اضطهاد شديد خلال العصر المملوكي ـ السلجوقي ـ العثماني ـ التركي: فالمماليك وهم عبيدٌ من أصل تركي أغاروا على أنطاكية العاصمة السورية آنذاك وقتلوا ما يزيد عل 17000 وأسروا 100 ألف من أهلها مسيحيين ومسلمين ثم أحرقوها.
«والمشرق، عموماً، غرق خلال العصرين المملوكي والعثماني، في جهل وأمّية عارمة، وكان على النُخب الفكرية أن تعيد إحياء اللغة والشعور القومي والانتماء إلى المنطقة، انطلاقاٌ من انبعاث عصر القوميات في الغرب، واتكاءً على موروثٍ اعتبره المشرقيون عظيماً. لذلك، ساهم المسيحيون اللبنانيون والسوريون في عصر النهضة العربية، في خواتيم القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في إعادة إحياء اللغة العربية والشعور القومي تجاه حالة التتريك ناصيف وإبراهيم اليازجي، المعلم بطرس البستاني، أحمد فارس الشدياق،، عريضة، وأديب اسحق، وجبران خليل جبران، وشبلي الشميل ، وساهموا في دفع الترجمة وانطلاقة الصحف الجيدة في بيروت ودمشق وحلب والقاهرة، وخاضوا مع النُخب المسلمة العمل السياسي التحرري، وعُلّق كثيرون منهم ومن ساستهم والعاملين في الحقل العام، على المشانق إلى جانب المسلمين في بيروت ودمشق أواخر العهد التركي». غسان الشامي، «المسيحيون المشرقيون وعلاقتهم بالمسلمين». مجلة فكر. ص. 103 . و«من بين الشهداء الـ31، علّقهم جمال باشا السفّاح، كان هناك 16 صحافياً» الكاتب. دمشق قلعة وقضية. مجلة الحكيم. عدد ربيع ـ صيف عام 2000 ميلادياً، ص. 25 . أما في حركة الحداثة وخلال عصر بيروت الذهبي 1950 ـ 1975 ، فالمسيحيون والمسلمون كانوا شركاء في أكبر قفزة شملت الشعر والأدب والموسيقى والمسرح والغناء والرسم والنحت والصحافة الأدبية والفكرية والسياسية.
وأيضاً، عانت الكنيسة المشرقية من غزوات ما يسمى الحملات الصليبية الأربع ومن أصحاب الحربين العالميتين، ومساوماتهم على حقوق الشعوب المقهورة حول موائدهم الشيطانية ومنها مائدة «سايكس ـ بيكو»، ومذابح قوجانس، وأورميا وسلامس وبحيرة وان وديار بكر وماردين، إلى مأساة الموصل وحوض الخابور الأعلى. هذا الغرب كان قادراً على حماية الأكراد في أربيل وفي عين العرب ولكنه بقي متفرجاً في اجتياح قوجانس، وفي مذابح أورميا مدينة المياه وحول بحيرة وان وأثناء اجتياح الموصل وحوض الخابور الأعلى. وكانت الحصيلة أن 100 ألف هُجّروا من قوجانس لم يصل منهم إلى أورميا إلا 60 ألفاً، وحتى هؤلاء لوحقوا وتعرّضوا للسلب والنهب والاغتصاب وإحراق كهنتهم أحياء وتهديم 16 قرية واغتيال بطريركهم في «سيميل» في 16 آذار 1918 على يد المرتزق «سيمكو»، وكانت الحصيلة هجرة ما يزيد على 30 ألفاً من الآشوريين من الخابور الأعلى، وأسر ما يزيد على 225 فرداً منهم، وما زالوا رهائن لم تحاول القوات الخاصة الأميركية تحريرهم مع أنها تعرف المكان الذي حجِزوا فيه وهو بلدة الشدادي على طريق الحسكة ـ دير الزور. هذا في وقت استطاعت هذه القوات الخاصة حديثاً تحرير الرهائن الأكراد.
أما الحملات الصليبية الأربع، فليس هناك أبلغ ممّا قاله عنها الدكتور فيليب حتّي حين استجاب الرعاع السذّج في أوروبا لدعوة البابا أوريانوس الثاني عام 1095 بالزحف إلى كنيسة القيامة. يقول الدكتو حتّي: «على أن هذه الاستجابة لم تكن بجملتها وليدة الدافع الديني الذي غذّته الكنيسة، بل كان هناك، فضلاً عن المتدينين، القواد العسكريون الطامعون بالاستيلاء على مناطق جيدة، والتجار… لا سيما تجار جنوى والبندقية وبيزا، الذين كانوا أشدّ اهتماماً بالشؤون التجارية منها بالأمور الروحية، ثم أرباب الخيال البعيد، والنفوس المضطربة، وعشاق المغامرات، فهؤلاء كانوا على قدم الاستعداد أبداً للانضمام إلى حركة بارزة، وكذلك المجرمون والخطأة الذين نشدوا الغفران بالحجّ إلى الأرض المقدّسة التي وطأتها قدما المسيح، ومثلهم من منّوا بالشفاء الاقتصادي والاجتماعي، فكان حمل الصليب راحةً وتفرّجاً لهمومهم أكثر منه تضحية». حتّي، «تاريخ سورية»، الجزء الثاني. ص. 223 . إضافة إلى احتلالهم القدس، احتلّوا الرها وأنطاكية، الجزيرتان البشريتان المسيحيتان المستقلتان في البحر السلجوقي المحيط بهما آنذاك. في هذه الحملة، وإضافة إلى عمليات النهب والسرقة والاعتداء على الأعراض، ذهب ما يزيد على سبعين ألف قتيل في القدس وحدها من مسيحيين ومسلمين. ثم كانت الحملة الرابعة التي فيها احتلّوا القسطنطينية ونهبوها.
ثم أعقب السلاجقة ظهور الدولتين: الصفوية والعثمانية وظهور الصراع الطائفي بينهما: «فقد سبّبت حالة العداء المستحكم بين الدولتين في حصول تحالفات دولية ساهمت في جلب القوى الأوروبية إلى المنطقة… وفي هذا المسعى، فإن فرنسا كانت المرشحة الأولى لتكون حليفة العثمانيين لأنها كانت في حالة عداء مع شبه جزيرة إيبيريا التي كانت حليفة الصفويين…»، وانتهى هذا الصراع بانتصار الدولة العثمانية عام 1514 ميلادياً. ومع بروز الدولة العثمانية كقوة عالمية، فإنها منحت وبسخاء، عدداً من الامتيازات لحليفتها فرنسا لقاء مساندتها لها. هذه الامتيازات كانت في جانب منها تتعلق بالنشاط التبشيري الكاثوليكي في أقاليم آسيا العثمانية، لا سيما بلاد ما بين النهرين الملحقة حديثاً بالعثمانيين. وهكذا مهّدت الامتيازات دخول الأوربيين، لا سيما فرنسا زعيمة الكاثوليكية آنذاك ، إلى المناطق التي يسكنها أبناء الكنيسة الناطقة بالسريانية.
تواطؤ فرنسا
وتبعاً لذلك، فقد تهيأت لروما فرصة أن تعاود مخطّطها القديم / الجديد في إخضاع الكنائس الوطنية الشرقية التي كانت تنزف من مذابح القرون السابقة. ومنذ ذلك التاريخ بدأت مأساة مؤمني كنيسة المشرق والسريانية الأرثوذكسية حيث توالت حملات روما المركزة ضد هذه الكنائس لتقسيمها». أبونا. المصدر نفسه، ص. 19 . وقد كان من نتيجتها انشقاق آخر بتشجيعٍ من روما بظهور طائفة «الكلدان» الآشورية الكاثوليكية. وهذا الحلف الذي استمرّ إلى القرن العشرين ما بين فرنسا والدولة العثمانية أدّى إلى تواطؤ فرنسا مع الدولة العثمانية في مذابح الأرمن والآشوريين والسريان حول بحيرة وان وفي قوجانس وأورميا. وهذا التواطؤ هو الذي جعل الحلفاء الغربيون يتفرّجون على حوادث القتل والسرقة والنهب والاغتصاب التي كانت تجري في ديار بكر وماردين وطور عابدين وقلعة المراونة وكيليكيا. كل هذا أدّى إلى هجرة الناس من قوجانس ومن ديار بكر وماردين والقرى المحيطة بها وتحت أعين الحلفاء الغربيين، إذ، حينذاك، «قام البطريرك مار شمعون بنيامين فور سماعه بتفاصيل الأوضاع، بإبلاغها إلى الدوائر المحلية ووالي وان، لكن، وعلى رغم كلّ الجهود المبذولة والإلحاح المستمر لجلب الانتباه إلى ما يجري، وطلب التدخل الرسمي لإيقاف المجازر، لم يستجب أحدٌ ولم يحظَ الآشوريون بتطبيق العدالة التي يستحقونها، المضمونة في بنود الدستور… بقي الآشوريون في عزلتهم التامة القاتلة مهمّشين منسيّين. في آذار 1915 أرسل البطريرك رسالة رسمية إلى القنصل الألماني المقيم في الموصل ـ هولشتاين ـ يحتجّ فيها على كلّ ما يجري، ويطلب منه التدخل السريع لإيقاف الجرائم المرتكبة بحق شعبه الآشوري. الدبلوماسي الألماني حاول التدخل وبعث برقيات عدّة إلى الجهات الألمانية المختصة لاتخاذ الإجراء اللازم، لكن الجهات المعنية سدّت آذانها ولم تُظهر أيّ بادرة إيجابية، ومضت في تطبيق سياستها المؤسّسة على ضمان مصالحها الخاصة فقط». كلير وبيل يعقوب. سورما خانم. ص. 79 .
هذه قصة الكنيسة المشرقية مع الغرب المسيحي المنافق في كل تاريخه. كنيسة المشرق، حجر الزاوية الذي رزّله «البنّاؤون»، تساقط البناء الآن على رؤوسهم حرائق مشتعلة بمعاول سلفية غير عربية وصليبية غربية، فآن للمشرق أن ينتفض ليثأر وآنَ له أن ينقضّ على هذا الغرب الذي كان سبباً لكلّ كوارثه على مدى عشرات القرون، في سعيه وتعطشه إلى السلب والنهب.
هوامش
1 ـ «تل عربوش» أوّل قرية على ضفة الخابور الشمالية مسقط رأس الكاتب.
2 ـ كان هناك خلافٌ بين بولس وبطرس في ما إذا كان على المسيحيين أن يؤمنوا بالعهد الجديد فقط، ودعاة ذلك مسيحيو أنطاكية الذين صفّوا مع بولس الرسول، وفي ما إذا كان عليهم الإيمان بالعهد الجديد إضافة إلى العهد القديم الذي يشمل الناموس وتوراة موسى. وهؤلاء كانوا اليهود الذين آمنوا بالمسيح، وسُمّيوا بالنصارى وكانوا من جماعة بطرس الرسول ويعقوب أخ المسيح. وانتهى هذا الخلاف بانتصار بولس في «مؤتمر القدس» عام 44 ميلادياً.
3 ـ هي زوجة الكاتب البروفوسور جوزف بابلو يعقوب.
4 ـ كاتبٌ ملمّ بالتاريخ الآشوري، ومن البيت العريق الذي أعطى سلسلة طويلة من البطاركة الآشوريين.
5 ـ «ربّان»، كلمة آرامية وتعني الراهب.
6 ـ كانت الوثيقة لا تزال في حوزة البطريرك مار شمعون بنيامين في قوجانس، وفُقدت حين اجتاح العثمانيون مركز البطريركية عام 1915.
7 ـ يورد المؤرّخ الطبري في كتابه «تاريخ الأمم والملوك»، أن الفتح بن خاقان كان مستشاراً للمتوكّل وكان الخليفة يقدّمه حتى على أولاده، لا بل كان يعتبره أخاً. وقد أقطعه ضياعاً في أصفهان أخذها من وصيف تركيّ. وكان للمتوكّل ثلاثة أولاد: المنتصر بالله وهو البكر، والمعتز بالله وهو الثاني ابن إحدى زوجاته وتُدعى «قبيحة»، وكان المتوكل يحبّها لأنها كانت جميلة. والمؤيد بالله وكان أصغرهم. وقد وزّع ولاية العهد لهم بالتتالي. إلا أن الفتح بن خاقان كان قد أوغل في صدر المتوكّل كرهاً لابنه المنتصر بالله، وكذلك فعلت «قبيحة» انتصاراً لابنها المعتزّ بالله، إلى درجة أن المتوكّل أنّب ابنه مرّات عدّة في مجالسه، فأخذ أولوية ولاية العهد من المنتصر بالله وأعطاها للمعتزّ بالله. فحقد المنتصر بالله وأقدم بمساعدة الوصيف التركي الحانق على المتوكّل وبمساعدة جنوده الأتراك على قتل أبيه وقتل المستشار الفتح بن خاقان، مُدّعياً أنه قتل الفتح بن خاقان لأنه قتل المتوكّل. وانطلت الحيلة على الرعيّة، وبويع المنتصر بالله من قبل القادة الأتراك بالخلافة، فأخذ يركّز حكمه بتولية أصحابه الأتراك مقاليد الأمور. وخلع أخويه المعتزّ بالله والمؤيد بالله من ولاية العهد ليعطيها لابنه عبد الوهاب. ثم شرع بتغيير آثار القصر، وأوصى بسجادة عجمية لغرفة العرش، وكانت عليها كتابة فارسية. وسأل عن معنى الكتابة الفارسية، فأحجم الجميع عن الكلام، فجاء برجلٍ فارسيّ خصّيصاً لتفسيرها وكان تفسيرها كالتالي: «أنا شيرويه بن كسرى قتلت والدي فلم أتمتع بالملك إلا ستة أشهر». شعر المنتصر بالله بالندامة، وشرع يسمّي القادة الأتراك بـ«قتلة الخلفاء». وحلم في منامه أن أباه الخليفة المتوكّل جاءه يقول «ويلك يا محمد! قتلتني وظلمتني وغبنتني في خلافتي، والله ما تمتعتَ بها بعدي إلا أياماً يسيرة». وبالفعل، فقد نزلت عليه لعنة أبيه المتوكّل، إذ سمّمه الأتراك ومات بعد ستة أشهر من خلافته وهو في السادسة والعشرين من عمره. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت قصّة المتوكّل وولده مثلاً لكلّ حاكمٍ يستعين بالأجنبي للتسلّط على بلاده.