لبنان في حلف ضدّ حزب الله؟
ناصر قنديل
– تلفت الانتباه الطريقة التي جرى عبرها إخراج التحالف الإسلامي للحرب على الإرهاب، وهو يفترض أنه عمل مؤسّسي تقوده دولة تسعى إلى قطف ثمار كلّ ما يعزز صورتها كقوة قيادية في الحياة السياسية الإقليمية والدولية، فلماذا هذا التسرّع والتسلّل، والارتجال؟ لماذا تحشر المملكة نفسها عشية الإعلان عن نعي قادتها العسكريين الذين سقطوا وهي تعلن بغصّة وقف غاراتها وحربها على اليمن وضمناً نعي التحالف الذي شكّلته لهذه الحرب، فتضيع فرصة استثمار حدث بحجم انضمام عشرات الدول الإسلامية إلى حلف بقيادتها، يتصدّى لأخطر قضية تشغل بال العالم كله، ويتيح تصدّرها مكانة تحلم السعودية باحتلالها؟
– حدث هذا لأنّ الحلف ملفّق، ولأنه مخرج دعائي، ولأنه مفخّخ، ولأنه يشتغل على الإحراج بهدف إعلان شكلي لن يطلق طلقة واحدة على مَن أعلنه هدفاً للحرب، وهو الإرهاب. فالإرهاب بين ظهراني زعيم الحلف، الذي يقاتل في اليمن جنباً إلى جنب مع تنظيم «القاعدة»، وفي سورية تموّل السعودية وترعى تشكيلات موالية لتنظيم «القاعدة»، شاركت في مؤتمر الرياض الذي رعته السعودية لتشكيل قيادة موحدة ضدّ الدولة السورية تخدم مشروعها، والسعودية قبل شهور قليلة كانت تخوض جنباً إلى جنب مع تركيا و«إسرائيل» وقطر حرباً لا هوادة فيها لتبييض «جبهة النصرة»، الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة»، ومنع تصنيفها على لوائح الإرهاب، فعن أيّ إرهاب يتحدثون؟
– يدرك كلّ الذين تلقوا النبأ أنّ السعودية تريد شيئاً آخر من الإعلان، فالأميركيون أول القائلين إنّ المطلوب من السعودية ومثلها تركيا، لتأكيد مصداقية ادّعاءات الحرب على الإرهاب ما يسبق الانضمام إلى الأحلاف أو إعلانها، وهذا كلام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أمام جامعة هارفرد، عن دعم السعودية وتركيا للإرهاب لم يجفَّ حبره بعد، ويدرك الجميع أنّ نصف الحرب على الإرهاب وأكثر هو بتقليم أظافر السعودية، وأنّ نصفها الثاني بتغيير السعودية لثقافتها ونموذج الحكم فيها، ومقاربتها لموقع الوهابية في نظام الحكم والدين على السواء، وربما عندما يحدث ذلك نستغني عن كلّ الأحلاف ضدّ الإرهاب.
– تريد السعودية تفادي تداعيات هزيمتها في اليمن وفضيحة قواتها وفشلها، والصيغة التي ستنتهي إليها أوضاع البلد الذي مرّغ أنفها بالوحل، فتطلق قنبلة دخانية اسمها التحالف الإسلامي للحرب على الإرهاب، ولأنّ الوقت داهم استعجلت منتصف ليل وقف النار اليمني، واستجلبت الصحافيين بثياب الرياضة والنوم، ليعقد وزير دفاعها وولي ولي العهد فيها مؤتمراً صحافياً لدقيقتين فقط فيعلن التحالف الجديد، بعدما استكمل الاتصالات الهاتفية الإحراجية برؤساء الدول والحكومات ليطلب قبول انضمامهم، بلا ميثاق ولا برنامج ولا وضوح رؤية ولا مهام.
– وحدهم الذين يُحرجهم اتصال محمد بن سلمان هم الذين يشتغلون عند مملكته، أما الذين يقيمون حساباً لمعنى السيادة لبلادهم والسياسة فيها، فانقسموا بين مَن رحّب وتريّث بانتظار العودة للمؤسسات، كحال اندونيسيا، ففك الإحراج، أو تريّث وأعلن الرفض كحال سلطنة عُمان، وأندونيسيا أكبر الدول الإسلامية، وعُمان شريك في مجلس التعاون الخليجي، وهما بلدان إسلاميان، كاملا المواصفات قياساً بحجم نسبة المسلمين من السكان.
– وحده لبنان، البلد الذي يحكمه نظام برلماني ديمقراطي، ولا يملك فيه لا رئيس الحكومة ولا حتى رئيس الجمهورية صلاحيات سلطان عُمان، ولا رئيس حكومة أندونيسيا، ووحده لبنان المكوّن من تعدّد فريد يمنح رئيسه المسيحي دستورياً صفة الدولة التي تشكل الحضور الفريد لمسيحيي الشرق، ويراعي فيه كلّ مسؤول من الطوائف الإسلامية معنى هذا التعدّد، عندما يكون العنوان إسلامياً، لكن الأهمّ أنّ لبنان وحده يشمله التصنيف السعودي للإرهاب، فيطال أحد أبرز مكوّناته بهذا التصنيف، بعد إعلان السعودية حزب الله كتنظيم إرهابي، والسعودية هي التي تقود التحالف، ولأنّ لبنان بلد العجائب والغرائب، ورغم ذلك لا يشعر رئيس حكومة لبنان بالإحراج فيعلن الانضمام إلى حلف لن يحارب الإرهاب يوماً، ويُربك كل شيء في لبنان، يُربك حكومة لا يملك رئيسها حق القرار بالنيابة عنها، ويربك تعدداً طائفياً لا يملك حق اختزاله، ويُربك مفهوم الأمن الوطني اللبناني ومفهوم الحرب على الإرهاب بضمّ لبنان إلى حلف يرى مقاومة لبنان إرهاباً.
– دولة الرئيس، سارع للحاق بسلطنة عُمان، أو بأندونيسيا، فتلك خطيئة عمرك قد ارتكبتها، وغلطة الشاطر بألف، وإنْ رضيت بتصنيف المقاومة إرهاباً فلتقُلْها بملء الفم.