هل تعتمد التسوية على أحادية رئاسة الحكومة للحريري؟

ميسم حمزة

كثيراً ما تستخدم عناوين الطوائف في لبنان سلباً، بينما الدور الوطني التاريخي للكتل التي تكوّن الطائفة كطائفة يرسم اتجاهاً معاكساً لما يبدو عندما تصير الطائفة، أيّ طائفة، حكراً على لون سياسي من ألوان طيفها، ويطغى في مرحلة ضمن ظروف غاية في الخصوصية، فيصير زعيم هذا اللون هو اختصار المشهد ظلماً للطائفة نفسها، بمثل ما هو إلحاق للأذى بالوطن كله. فللسنة دور تاريخي في لبنان، تجسّد عبر تاريخ الوطن كحاضن للوحدة الوطنية ودافع للعيش المشترك، وكانت قاسماً بين الطوائف الإسلامية والطوائف المسيحية، واكتسبت هذا الدور البارز منذ ما قبل الاستقلال.

كما أنّ للطائفة السنية عمقاً عربياً كبيراً ساعدها في الدور المميّز الذي لعبته في لبنان، والشارع الإسلامي السني اختزن مبادئ العروبة وقيمها، لأنه ربط بين انتمائه الإسلامي والعروبي، باعتبار أنّ العروبة الجامعة هي ملاذ كلّ اللبنانيين لكونها هوية كلّ أبناء الوطن بمختلف انتماءاتهم الدينية والسياسية، فالعروبة هي هوية وانتماء تجمع كلّ اللبنانيين تحت مظلة الوطن.

لكن منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري العام 2005، كان هناك سعي حثيث لإخراج الشارع الإسلامي السني عن ثوابته العربية والقومية، وجعله مذهباً في تعداد المذاهب الأخرى من أجل إضعاف الشعور القومي، وهو ما دفع بالساحة اللبنانية إلى فقدان أحد مرتكزات الدور الجامع الذي يستطيع أن يجمع أبناء الوطن الواحد على المعادلات التي كانت تشكل للطائفة السنية ميزة عن باقي القوى الأخرى.

وقد كان هناك سعي قبل استشهاد الحريري إلى حصر التمثيل السني برفيق الحريري، إلا أنّ القوى العربية التي كانت لها تأثيرات في الساحة اللبنانية رفضت أن يكون الحريري وحده ممثلاً للسنة في لبنان.

واليوم، وعلى ضوء المتغيّرات وهبوط دور تيار المستقبل يحاول سعد الحريري، عبر تبنّيه ترشيح سليمان فرنجية، طرح شروط في إطار هذه التسوية ليعود الممثل الوحيد للسنة في لبنان، من خلال إطلاق قانون انتخابي يتناسب مع هذه الرغبة الحريرية والعودة إلى السلطة ليستعيد تحكمه بالشارع السني، وكان الأمر نفسه قد جرى التداول به خلال المفاوضات بين الحريري والعماد ميشال عون كمرشح رئاسي بحصر رئاسة الحكومة بالحريري نفسه.

ولكن السؤال هو: هل يجوز الاستقواء بلحظة انتخاب رئيس للجمهورية لتعطيل مفاعيل العملية الانتخابية ومدخلها قانون انتخابي سليم وصحيح، ودورها في تسمية رئيس الحكومة طيلة سنوات العهد الرئاسي الست، رغم وجود شخصيات سياسية كبيرة في لبنان ولها تاريخها وتأثيرها على الساحة اللبنانية… من أمثال عبد الرحيم مراد ونجيب ميقاتي وفيصل كرامي ومحمد الصفدي وغيرهم العديد من الشخصيات السنية التي لها دور سياسي على مستوى الشارع السني؟

وكذلك توجد أطر سياسية تضمّ شخصيات إسلامية سنية لها وزنها وتأثيرها، ومنها اللقاء الوطني، الذي يجمع قيادات وشخصيات وطنية سنية، برئاسة الوزير السابق عبد الرحيم مراد، والذي يضمّ نواباً حاليين ووزراء ونواباً سابقين وشخصيات سنية لها تأثيرها وحيثياتها الشعبية المعروفة.

هذا اللقاء الوطني أكد في وثيقته التأسيسية على عروبة لبنان ووحدته، ونظامه الديمقراطي، ونبذ الطائفية، والمذهبية، والمناطقية. والعمل على إيجاد نظام انتخابي حديث يصحّح التمثيل الشعبي باعتماد نظام النسبية، إلى جانب التزام خيار المقاومة نهجاً وأسلوباً وقيماً وأخلاقاً للتحرير، والدفاع عن لبنان، وردع الاعتداءات الصهيونية، ورفض الوصاية والتدخلات الأجنبية، وهدفه عدم اختصار الطائفة السنية بشخص، وعودة السنة إلى موقعهم الريادي في الحياة العربية.

كذلك شكلت المبادرة الوطنية السنية، التي أطلقتها مجموعة من الشخصيات السنية، كالنائب السابق مصباح الأحدب والمحامي نبيل الحلبي وممثلين عن الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي وممثلين عن حزب الاتحاد، وعن الجماعة الإسلامية وشخصيات سنية، وبحسب ما قال الأحدب عن المبادرة فإنها تهدف إلى التلاقي والسعي لبلورة مساحة مشتركة لدى المكوّن السني، بدءاً من مفتي الجمهورية وصولاً إلى الرئيس تمام سلام مروراً بكلّ رؤساء الحكومة السابقين، وأيضاً الأحزاب السياسية ونخب الساحة السنية كما قادة الرأي والأكاديميين، وهي تعمل لتحديد مفاهيم وأصول وأسس الشراكة الوطنية التي، إذا لم تتضح، تتحوّل عبئاً على هذا الوطن بكلّ مكوّناته.

باختصار، مَن يريد أن يكون زعيماً عليه أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، وان يحمل هم أبناء هذه الطائفة بشكل خاص، وأبناء كلّ الطوائف بشكل عام، وأن لا يعتمد سياسة الإلغاء، وأن على الوطنيين التحرك وإنقاذ طائفتهم من فخّ التحوّل إلى حلفاء للكيان الصهيوني الغاصب بفعل انتشار التطرف والفكر التكفيري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى