هل يعرف سلام الفارق بين «النأي بالنفس» و»دخول التحالفات»؟

روزانا رمّال

يقدّم رئيس حكومة لبنان تمام سلام اليوم نموذجاً عن انصياع مقام رئاسة الوزراء في لبنان بشكل تامّ إلى رغبات المملكة العربية السعودية وتقديمها انطلاقاً من كونها تعود لأحد أبناء الطائفة السنية على أنها واحدة من حقائب السعودية، أو حصصها، ويقدّم سلام بحجة ضرورة دعم أيّ مبادرة تكافح الإرهاب نموذجاً ركيكاً وغير مقنع عن مواقف الدولة اللبنانية التي تسلّم هو مسؤولية إدارة دفة السياسة فيها بغياب رئيس للجمهورية.

عموماً لم تكن يوماً النيات الحسنة تكفي من أجل رفعها وتبنّيها وتحويلها قراراً سياسياً، لكن تمام سلام أثبت أنّ اتصالاً هاتفياً قادراً أن يختصر الموقف اللبناني ويقدّمه واحداً من فريق عمل السعودية أو بمعنى آخر كتحصيل حاصل.

يبدو جلياً أنّ لبنان الرسمي لا يعادل بالنسبة إلى السعوديين الذين لا يحترمون مؤسسات البلاد الأخرى، ويعتبرون أنّ قرارات بلادهم الملكية والتي تتخذ ارتجالاً أو غضباً أو مزاجاً يمكن أن تطبّق في أيّ دولة بفعل مونتهم عليها، أو اي دولة كان لهم فيها فضل أو أيادٍ بيضاء، حسب تعبيرهم.

ليس المطلوب من الرئيس تمام سلام المظلوم ، وهو الواقع بين استرضاء مَن له الفضل في إعادة إحياء عائلته سياسياً، وهي السعودية، وبين بلد بأمسّ الحاجة إلى راع مسؤول يحفظ أمانته بغياب رئيس للبلاد، أن يتحدّى السعودية وأن يرفع الصوت وأن يقدّم لها نموذجاً غير متعاون مع مكافحة الإرهاب، وليس مطلوباً منه أو بالأحرى يفهم عجز الرئيس سلام عن سحب حصة كرسي الحكومة اليوم من قبضة السعوديين الذين يعتبرونها كرسيّهم منذ أن تسلّمها الراحل رفيق الحريري، لانّ هذا عبء عليه، ومن المعلوم وللأمانة أنه لا يتحمّله، لكن الحريّ به كان حفظ ماء وجه بلده وشعبه وما تبقى من دولة ودستور.

كان من الأفضل أن يخرج تمام سلام ويتحدّث إلى اللبنانيين ويقول إنه بصدد جمع الحكومة استثنائياً لاتخاذ القرار المناسب، ربما كان من الأفضل أيضاً ان يعاود الاتصال بوزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان الذي يرتجل تحالفات غير مفهومة ويدخل في معارك لم تثبت جدواها حتى الساعة، خصوصا ضدّ اليمنيين ليقول له: نرجو منكم أن تمهلونا وقتاً من اجل القيام بما هو روتيني في أسوأ تقدير، ومن ثم تتبلّغون موقفنا رسمياً.

على أيّ حال أعلنت السعودية رسمياً أنّ لبنان من بين 34 دولة تشارك في الحلف العربي الإسلامي، وبدلاً من أن يعترض رئيس الحكومة على فهم إعلان النيات موقفاً رسمياً، وهو ما أراد اللبنانيون تبرير موقفه فيه لأخذه بمحمل حسن، قام بدلاً من ذلك بالتوضيح بأنّ الخبر صحيح، و قد تمّ الاتصال بي مساء ، أيّ أنّ هذا الكلام لم يأت من دون وضعنا في الأجواء، كما أنه لم يأت من ترحيبنا…!

جيد… إذا كان هذا الأمر قانونياً ودستورياً بالنسبة للرئيس سلام، وهو يعلم جيداً أنه انتهك الدستور ومزّقه إرباً بموقفه وفعلته وتبريرهما، هذا عدا عن كون الحديث السياسي يختلف كثيراً عن كلّ ما سبق، فهو عليه أن يتقدّم بتبريرات عن أخذ لبنان بدوامة صراع وإدخاله في ملف شائك، أراد أن يعزله سلام بالاشتراك مع رئيس الدولة سابقاً ميشال سليمان عن الدخول فيه، والقصد هو التجاذبات الإقليمية وعلاقتها بالحرب على الإرهاب، فكيف يمكن للبنان أن يشارك في تحالف عسكري وهو الذي لطالما قدّم نفسه ولمدة 5 سنوات أنه ينأى بنفسه رسمياً عن الصراع الدائر مع الإرهاب في سورية، وهو حتى لم يسمح للجيش اللبناني بالتعاون مع الجيش السوري من أجل القتال على الحدود والدفاع والتنسيق من أجل ضبط الحدود ومنافذ تهريب المتطرفين وعتادهم، وهو ما كان من شأنه أن يُبعِد عن لبنان الكثير من المشاكل؟ أين أصبح شعار النأي بالنفس؟ هل يقول لنا الرئيس سلام أنّ الحكومة اللبنانية تنأى عن التدخل بالأزمة السورية عندما تطلب السعودية ذلك، وتتدخل عندما تطلب السعودية ذلك أيضاً؟ هل يقول سلام للبنانيين إنّ قرار النأي بالنفس كان قراراً سعودياً؟ هل يقول أيضاً إنّ السعودية حينها أرادت فك لبنان عن معادلة ارتباطه بسورية مساراً ومصيراً؟ وأنّ ذلك كان هدفاً سعودياً لتغيير هويته؟

ماذا عن عرسال التي لا تزال اليوم تقع تحت قبضة الإرهاب والتطرف، ولم تتخذ الحكومة اللبنانية قراراً بعملية عسكرية تعيدها إلى السيادة اللبنانية حتى الساعة؟ هل تطلب الحكومة من الجيش اللبناني اليوم ترك عرسال والتوجه إلى الرقة للقتال مثلاً؟

النقاش هنا ليس في جدوى تحالف هزيل، إنما نقاش في ازدواجية المعايير التي تتعاطى فيها السلطات اللبنانية، والتي ترفض حتى الساعة الاعتراف بدماء شهداء من أبنائها يقاتلون في سورية من أجل ردع مخاطر الإرهاب، وهم الذين حموا لبنان من ويلات كثيرة بتضحياتهم.

يبدو أن حزب الله سبق العالم كله في قتال الإرهاب، وها هو يتجه ويحشد في سورية من أجل الهدف نفسه، ولا تزال الحكومة اللبنانية المرتهنة سعودياً ترفض القيام بواجبها والطلب من الجيش اللبناني الدفاع عن حدوده وقراه. وهنا نسأل أيضاً: أين هي المليارات التي كانت الرياض قد وعدت الجيش بها مع الفرنسيين؟ لا بل كيف وأنّ السعودية التي تقود التحالف الذي يباهي به سلام تصنّف حزب الله على لوائحها للإرهاب؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى