لماذا تنظيم «داعش» وما دوره في الحروب ضدّ الأمّة؟
علي البقاعي
وحده الرئيس بشار الأسد بين حكام العرب أعلن رفضه الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بحجة تدمير أسلحة الدمار وتطبيق الديمقراطية، بينما فتح أعراب الخليج قصورهم ومطاراتهم وأراضيهم وقواعدهم العسكرية، وبالطبع حدود بلادهم، لقوات الغزو الأميركي بعدما أُجبروا على تمويل تكاليف الجزء الأكبر من هذه الحرب الجائرة التي بلغت أكثر من ألف مليار دولار أميركي دفعوها بطيبة خاطر كاملة.
انسحب الأميركيون مطلع عام 2011 بعد سبع سنوات عجاف قُتل فيها أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة جندي وأصيب فيها من 40 ألف جريح، لكنهم لم ينسوا موقف سورية من عدوانهم على العراق ولا الطريقة التي استقبل بها الرئيس الأسد وزير خارجية أميركا آنذاك كولين باول يوم أراد فرض الشروط الأميركية على سورية، فكان انتقامهم جاهزاً مباشرة بعيد الانسحاب من العراق لكي تدفع سورية ضريبة موقفها القومي.
الانتقام بدأ يوم أوعزت أميركا إلى مالكي قناتي «الجزيرة» و«العربية» بالبدء في تغطية مكثفة للحراك السوري أو ما سمي بـ«الربيع العربي» في سورية في آذار 2011، ونفذت القناتان ومالكوها الدور على أكمل وجه. لكن حدث ما لم يتوقعه الأميركيون، إذ وقف شعب سورية وجيشها مع قائدهم وقفة بطولية عزّ نظيرها، وأحبطوا المؤامرة التي كانت تستهدف تاريخ سورية وحاضرها ومستقبلها.
نجاح سورية في هزيمة المؤامرة الأميركية-الإعرابية-التركية أدى إلى انقسام معسكر أعدائها فظهرت الانقسامات السعودية القطرية والسعودية التركية وتحوّلت «ثورة» الائتلاف الكاذبة إلى عصابات قتل وكتائب نهب وألوية غزو وولايات لجهاد النكاح، فلم يبق أمام صاحب القرار الأميركي إلاّ العودة إلى إعادة إحياء أسامة بن لادن، الأب الروحي لـ«القاعدة» الذي أنهت الولايات المتحدة دوره في عملية عسكرية غامضة في أيار 2003، عبر إحياء خلاياه «القاعدية» بعدما فشل نزلاء فنادق اسطنبول في تنفيذ المهمة الموكلة إليهم، فصدرت الأوامر لجحافل «القاعديين» بالهجرة إلى بلاد الشام تحت مسميات عديدة مثل «النصرة» و«جيش الإسلام والمهاجرين» و«الأنصار» حتى استقروا على تنظيم «داعش» الذي تقرر أن يبتلع باقي التنظيمات.
هل سأل مريدو «داعش» من أين تأتي مئات الملايين من الدولارات التي يحتاج إليها هذا التنظيم لتمويل عملياته العسكرية والبشرية؟ ومن أين أتى مقاتلو هذا التنظيم وكيف اجتازوا مطارات تركيا وحدودها ودخلوا إلى سورية ومدنها؟ ومن سهل لهم هذا الدخول؟ وكيف دخلت ألوف المركبات الآلية الرباعية الدفع وناقلات الجند الجديدة والأسلحة المتوسطة والثقيلة الأراضي السورية؟ ومن الذي يزودهم الوقود وقطع الغيار والخرائط العسكرية والمعلومات اللوجستية؟
هل سأل الحاقدون على سورية لماذا لم يهاجم «الدواعش» الدولة التركية «الكافرة» بحسب شرعهم التي سمحت لهم بالعبور إلى سورية والعراق، علماً أن مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك ألغى دولة الخلافة الإسلامية؟ ولماذا لا يكفرونه وهو الذي لم يأمر بفصل الدين عن الدولة فحسب بل منع كل ما يمت إلى الدين الإسلامي في دولته العلمانية؟ وهل سأل أحبة «الدواعش» لماذا لم يهاجم هؤلاء أضرحة بعض الأتراك الموجودين في المدن السورية والعراقية ولم يطالبوا بتدمير تماثيل أتاتورك المنتشرة في أنحاء تركيا ولم يطالبوا بإعادة الخلافة في اسطنبول؟
هل سأل أحبة «الدواعش» ومريدوهم لماذا لا يُطالب «أمير المؤمنين» المتخفي أبو بكر البغدادي بالعودة إلى أرض الرسالة في بلاد الحجاز حيث ولد رسول الإسلام وانطلق؟ ولماذا لا يطالب هو ومريدوه بأن يكون خليفة على مكة والمدينة والطائف وعسير والإحساء بدلاً من دمشق وعمان وبيروت وبغداد؟ ولماذا لا يطالب بالسيطرة على الكعبة المشرّفة قبلة المسلمين والمسجد النبوي حيث يرقد الرسول الأعظم؟ أو لماذا لا يعلن النفير العام لتحرير المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسجد عمر اللذان يدنسهما المستوطنون اليهود صبحاً ومساءً؟
مشروع «داعش» في العراق والشام مصيره الفشل الحتمي، لأن سورية الطبيعية بمقدراتها البشرية في العراق والشام ولبنان وفلسطين والأردن والكويت، وبمقدراتها العلمية والطبيعية والثقافية والجغرافية، قادرة على هزيمة مشروع الاستيطان «الداعشي» بمقاتليه المستوردين من أصقاع الدنيا إلى أرضها، فهذا المشروع يوازي في خطره مشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين.
شعب سورية الطبيعية سينتصر على شعوبيي «داعش»، فالسوريّون هم أبناء الحياة وفي النفس السورية، كما يقول أنطون سعاده، يكمن كل الحق والخير والجمال.