روسيا… دوائر الحجم والدور الاستراتيجي الدولي!

فاديا مطر

لم يغب التقليد السنوي الذي أطلقه الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» منذ 11 عاما عن الحضور بموعده، بمؤتمر صحافي موسع كل عام يجيب فيه الرئيس الروسي على أسئلة الصحافيين ويقف فيه على القضايا ذات الأهمية والأولوية، فقد كان ديوان الرئاسة الروسية قد أعلن في 20 تشرين الثاني أن الرئيس بوتين سيتلقى أسئلة الصحافيين للإجابة عنها في 17 كانون الأول الجاري وهو المؤتمر السنوي الذي يُبرز أهم القضايا الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية، ليكون الملف الحاضر في هذا المؤتمر هو سورية، المشهد ذاته الذي أعلن رسمياً ليكون الأول على مستوى المشهد العالمي الذي تصدرته روسيا على مدى العام الحالي، في استعادة للنفوذ الروسي بدائرته السوفياتية وتكريس الدور الروسي كلاعب عالمي مؤثر عسكرياً وجيو سياسياً.

فهو تثبيت لمكانة روسيا الدولية ودائرة النفوذ البالغة الأهمية في قضايا الأمن الإقليمي والدولي، لأن تثبيت الدور الروسي يثبت معه دور الحلفاء الأقوياء «سورية ـ إيران» عبر إسقاط كل الذرائع من أوكرانيا التي اظهرت نيات واضحة كانت مضمرة لفرض دورها بالقوة لتقع في تصعيد حافة الهاوية مع السياسة والعسكرة الروسية، إلى إيران التي تصدرت المشهد النووي الدولي كلاعب لا تُعميه غُبار المعركة التفاوضية، إلى سورية التي تضطلع بإرادتها وقيادتها وتحالفاتها دوراً رئيسياً كرأس حربة في وجه الإرهاب ومعادلات تغيير سطور المشهد الجيواستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً والدولي عموماً، ليبدأ موسم الانتظار بالأفول ويقترب موسم قطف الثمار عام 2016، على وقع خسارات في الضفة المعادية لروسيا بدأت تتسرب أول سوائلها من تركيا التي تقف تحت تطاير شرر الصراع الكردي وانكفاء مجموعاتها الإرهابية التي دعمتها العثمانية في منطقة معادية لها ووضع معقد ما بين صراع واضح بين موسكو وحلف الناتو، ليستمر التسرب إلى حلفاء «العم سام» تباعاً من «إسرائيل» إلى دول خليجية باتت تبحث عن مكان على الشجرة الإقليمية بعد السقوط عنها.

فالملف السوري يتجه لتسوية تنهي الحرب وتبقي أولوية لمكافحة الإرهاب في مقابل صعود اقتصادي وسياسي إيراني سيكون بمثابة دافع قوي لكسب مقعد دولي ذهبي يُشكل صدمة تدفع بالانهيار السريع لبعض المقاعد الدولية المعادية وإرغامها على التفاوض للحصول على مقعد ضعيف بفرص تسووية، لكن الكلمة الفصل الروسية حدّدها الرئيس بوتين في كلام وفعل محسوب بدقة يقف على عتبة الإنجاز الاستراتيجي في توازنات المنطقة العربية والمحيط الدولي من تدوير لعجلة السياسية والميدان معاً، في سعي جدي وحقيقي لمكافحة الإرهاب المتمدد، رغم خطوات التعطيل المتكررة من قبل الحلف الداعم للإرهاب، وسعي قوي وهادئ للتوافق السياسي في سورية رغم تصاعد الدخان من أدوار تريد إشعال النيران المعادية، لكن الرئاسة الروسية التي تحدثت أمس بصراحة وشفافية لم تخفِ مسارات الحرب على الإرهاب التي تُبرز قدرة الردع الإستراتيجي والمتوازية مع مسارات السلام الدولي الرامية إلى إيجاد حلول وتوافقات من شأنها دفع الدور الروسي إلى مقدمة الدول الفاعلة في وجه التحريف والتضليل الدولي لحقيقة الواقع عبر محاولات خدمة السياسة «الصهيو ـ أميركية» وضرب النجاحات الاستراتيجية الروسية التي تسلط الضوء وتمسك باليد القوية على مقبض حقيقة التعاطي مع مكافحة الإرهاب الدولي، بشكل ومضمون يتناسب مع حجمها ودورها العالمي، في قيادة دور جديد وقوي للسياسة والاستراتيجيا الدولية كإحدى القوى الكبرى في تغيير موازين القوى الدولية وتوسيع حيز الدبلوماسية وسياسة القوة الكبرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى