التحالف السعودي لمحاربة «الإرهاب»؟

راسم عبيدات

هذا التحالف العسكري الذي شكّلته السعودية من 34 دولة إسلامية لمحاربة ما يسمى بالإرهاب، لكون الإرهاب حسب البيان الصادر «يشكّل انتهاكاً خطيراً لكرامة الإنسان وحقوقه، ولا سيّما الحق في الحياة والحق في الأمن. ولا يمكن تبرير أعمال الإفساد والإرهاب بحال من الأحوال، ومن ثم فتنبغي محاربتها بالوسائل كافة».

بداية معظم، إنْ لم يكن جميع الدول المتشكّل منها هذا التحالف، تنتهك كرامة الإنسان وحقوقه، ومجرّد شاعر أو كاتب يُلقي قصيدة أو يكتب مقالة يُحكم بالإعدام أو الحبس مدّة طويلة لا تقلّ عن عشرين عاماً، والشاعر الفلسطيني أشرف فياض المحكوم بالإعدام في السعودية على قصيدة أو ما يُقال عن ترويجه لأفكار إلحادية أو سبّ الذات الإلهية خير مثال على ذلك، ناهيك عن أنّ معظم تلك البلدان تمارس كلّ أشكال القمع والتنكيل وامتهان الكرامة بحق مواطنيها، حيث غياب الحريات العامة والشخصية وغياب التعدّدية الفكرية والسياسية، ناهيك عن البطش والتنكيل والسجن والنفي بحق المعارضين وحتى تعليقهم على أعواد المشانق، وغياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة، فضلاً عن أنّ بعض تلك البلدان لا تسمح بقيام أو تشكيل أحزاب سياسية. أمّا عن محاربة الفساد فهنا الكذبة الكبرى، فمن سيشكّل هذا التحالف دولة كاملة على اسم أسرتها وعائلتها، وهي مزرعة وإقطاعية يتوارثها الأبناء عن الآباء، وما ينسحب على السعودية ينسحب على بقيّة مشيخات النفط والكاز، وبقيّة الأقطار المتشكّل منها هذا التحالف، والتي هي مرتع للعصابات والميليشيات والمافيات الصومال نموذجاً .

في حين قضية محاربة الإرهاب هنا تستدعي منّا التوقف والتأمّل أمامها، فهل التحالف المدعو بالاسم عربياً ويمارس كلّ أشكال القتل والدمار والإرهاب بحق أطفال اليمن إرهاباً أم لا؟ لمجرّد كون اليمنيين يريدون نظاماً سياسياً يعبّر عن همومهم ومصالحهم وإرادتهم، ويحارب الفساد والتفاوت الطبقي وغياب العدالة الاجتماعية! وأن ينتشل اليمن من الجهل والفقر والجوع، ويُحدِث نوعاً من التنمية تُسهم في التقليل من نسب البطالة. فهذا النظام أو القيادة لا يمكن القبول بهما من قِبل السعودية وما يُسمّى بالتحالف، فهي تخرج من تحت العباءة السعودية، ونجاح التجربة اليمنية من شأنه تهديد حالة الاستقرار السائدة في المجتمعات الخليجية القائمة على التوريث والنهب والتحكّم في رقاب الشعوب بالحديد والنار. وما هو مطلوب سعودياً وخليجياً، أن يكون النظام فاسداً ومغرقاً بالفساد، وكرتونياً يُدار من قِبل مشيخة آل سعود، عندها يكون نظاماً ديمقراطياً ويعبّر عن إرادة اليمنيين وتطلعاتهم؟!

وهل توفير البيئة الحاضنة التي ضخّت و»فقّست» الجماعات الإرهابية بكلّ تشكيلاتها من قاعدة ومتفرّعاتها من «داعش» و»نصرة» و»جند الشام» و»أحرار الشام»، وغيرها من الكتائب والتشكيلات الإرهابية التي تمارس القتل والذبح بطرق وحشية لم يعرفها التاريخ البشري حتى في عصر الظلمات والتدمير، والذي طال حضارات عمرها آلاف السنين كما حصل في العراق وسورية وليبيا. محاربة للإرهاب هذا، أم هو الإرهاب بحدّ ذاته؟ وليس هذا فقط، بل يجري ضخّ احتياط بشري وفتح قنوات مالية على مصراعيها وشراء أحدث أنواع السلاح لتلك الجماعات لكي تدمّر البلدان العربية، وتُطيح بقادتها وحكوماتها رغماً عن إرادتها خدمة لمشاريع وأهداف مشبوهة أقلّها تفكيك وإعادة تركيب الجغرافيا العربية على أسُس مذهبية وطائفية، وهل هذا أيضاً محاربة للإرهاب أم دعم له؟ وهل احتضان واستضافة الجماعات الإرهابية تحت مسمّيات المعارضة السورية أكثر من مرة في عواصم المشيخات الخليجية، أليس دعماً وتشجيعاً وجوائز مجانية تُمنح لتلك الجماعات على ما ترتكبه من جرائم في أكثر من بلد عربي، وبالذات في سورية والعراق؟

أنا لا أعرف هذا التحالف المتشكّل من 34 دولة إسلامية، ألم يسمع بأنّ هناك قدساً محتلة تهوّد وتُأسرل، ناهيك عن أنّ المسجد الأقصى الذي يتعرّض لانتهاكات واقتحامات من قِبل الجماعات الاستيطانية والتلمودية والتوراتية يومياً، والتهديد العلني بهدمه وإقامة مكانه، ما يُسمّى بالهيكل المزعوم. هل هذا التحالف له علاقة بذلك؟ أم أنّ هناك من يفتون بعدم جواز خوض الحرب أو الجهاد هنا من أجل حمايتها وتخليصها من الاحتلال، ويمكن الجزم بأنّ هذا التحالف لا يضع فلسطين ولا القدس في أولوياته، وليس وارداً عند الذين أعلنوا عنه مساندة شعب فلسطين وأهلها، فهذا التحالف له أبعاد مذهبية، وهناك من يبثّون السموم من قادة هذا التحالف حول أنّ أولويات الصراع العربي، هو وقف التمدّد الشيعي والفارسي، وذلك في تشويه وتزوير للحقائق وحرف للصراع عن أساسه، من صراع عربي ـ «إسرائيلي» إلى صراع عربي ـ فارسي، ولم تعد القضية الفلسطينية أولوية عند أغلب دول هذا التحالف، خصوصاً أنّ جزءاً غير قليل من دول هذا التحالف يُقيم علاقات علنية وسرية مع دولة الاحتلال أمنياً وسياسياً ودبلوماسياً، وهناك من يسعى لنقل تلك العلاقة من الجانب السري إلى الجانب العلني، كما هو حال الإمارات العربية.

والطامة الكبرى بأنّ مَن أرضه محتلة ويتعرّض للإرهاب من قِبل دولة الاحتلال، ينضمّ لمثل هذا التحالف، هذا التحالف الذي سيوظف جزءاً من جيوشه في معارك وحروب ضدّ أنظمة عربية، أنظمة ترفض البقاء تحت مظلّة العباءة الأميركية والغرب الاستعماري، هي تريد أن تُعيد تلك الدول إلى بيت الطاعة، بعد أن يجري تدميرها وتحويلها إلى دول فاشلة كما هو حال الصومال وليبيا والسودان والمشهد ليس بالبعيد في العراق، وبما يسهل تقسيمها على أسس مذهبية وطائفية، ويحوّلها إلى كيانات اجتماعية هشّة، مرتبطة بأحلاف أمنية مع أميركا و»إسرائيل» والغرب الاستعماري، ولا تمتلك سيطرة على ثرواتها وقرارها، وتُدار اقتصادياً من قِبل المركز الرأسمالي العالمي.

نحن نقول بأنّ توحيد الجهود في محاربة الإرهاب بأشكاله كافة ظاهرة إيجابية، ولكن تشكيلة هذا التحالف الإسلامي واستبعاد ايران والعراق منه، يجعلنا نتوجّس ونتشكّك بأنّ من أهداف تشكيله قد يكون المشاركة في احتلال العراق وإعادة تقسيمه مذهبياً وطائفياً، وقد تواجه سورية ولبنان المصير نفسه، بالإضافة إلى محاصرة إيران وزيادة العداء ضدّها، والأيام المقبلة ستكشف الأهداف الحقيقية لهذا التحالف، وكنّا نتمنى على السلطة الفلسطينية أن تلتفت إلى واقعنا وقضيتنا وما يتعرّض له شعبنا، بعيداً عن الزجّ بنا في محاور وتحالفات من شأنها أن لا تخدم لا قضيتنا ولا شعبنا ولا وجودنا على أرض الدول المجاورة.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى