ماذا يريد المغتربون السوريون؟ موقفاً كموقف بوتين لمساندة قرارهم المستقلّ

تامر يوسف بلبيسي

عندما تصير قضية وطن بأهمية سورية في منطقة تتوسطها وتتوسط أهمّ بلدانها وجيوشها وثرواتها ومنابع النفط وخطوطها فيها، وهي المنطقة الأهمّ في العالم، قضية دولية ينخرط فيها لسنوات كلّ العالم تقريباً، يصير من حق السوريين وخصوصاً المغتربين الذين يتسنّى لهم خارج ضغط الحاجات اليومية والمخاطر الأمنية أن يتابعوا ويطلعوا على حجم حضور قضية بلدهم في مواقف الدول الكبرى وحساباتها ومدى تكريسها مقدرات وإمكانات ووضعها خططاً بهدف التحكم بمصير سورية والتمسك بامتلاك القدرة على التحكم بمستقبل سورية والسوريين. في مثل هذه الحالة تكون لدى السوريين، مقيمين ومغتربين، مخاوف مشروعة من أشياء كثيرة، ربما في طليعتها تقسيم بلدهم، وتمكين الإرهاب من التجذّر فيه، أو إعادة صياغته على أسس تضرب هويته الوطنية الجامعة لحساب هويات عرقية وطائفية تؤسّس لتفتيت الشعور الوطني الجامع، وتضرب بالتالي فرصة قيام دولة يطمح السوريون أن تكون بعد الأزمة التي عصفت ببلادهم، أشدّ تطوّراً وتقدّماً في تلبيتها لمقتضيات الحداثة والعصرنة والانفتاح والتشارك، لكن مصدر الخوف الرئيس يبقى في ما يمكن أن يحدث من كلّ هذا بفعل انتقال قرار سورية ومستقبلها إلى غير أيدي السوريين.

يتحدّث بعض السوريين المنضوين في مكوّنات تحمل عنوان المعارضة، عن مطالبات للخارج بالتدخل لفرض مسار لسورية، يطال دستورها ومؤسساتها الدستورية وطريقة تشكيلها ويعتبرون ذلك مدخلاً للحلّ السياسي، ولا يُحرجهم أن يقولوا ذلك من منابر غير سورية، تتبنّى ما يقولون أو يتبنون ما تقول، والقضية عند السوريين أولاً وأخيراً هي أنهم لا يرتضون ولا يمكن أن يقبلوا بأن يتقرّر مصير بلدهم، من أيّ قوة غير سورية، وهذا حق مشروع لكلّ سوري كما هو حق مشروع لكلّ غير السوريين في بلدانهم.

خرجت دول العالم لتعلن موقفها مما يجري في سورية بمزج موقفها من الإرهاب كقضية عالمية ومستقبل سورية، ودستورها وهويتها السياسية، وبرّروا ذلك بكون ما أسموه مقتضيات الحرب على الإرهاب يستدعي تدخلهم برسم هذا المستقبل، عارضين على كلّ المقتدرين في العالم المشاركة في هذه الحرب مقابل نيل حصة ونصيب من سورية المستقبل، تحت ذريعة أنّ تشكيل سورية الجديدة معبر إلزامي للحرب على الإرهاب.

تميّز موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأنه موقف دولة عظمى لا يمكن تجاهلها، ولا السير بالتقاسم بدونها، فتعثر عرض الصفقة عند أسوار موسكو، ولما بدا أنّ منح الحرب أسباب الاستمرار حتى تنضج الثمرة السورية وتصير جاهزة للسقوط، قرّر الرئيس الروسي وضع حدّ لهذه المقامرة بزجّ قوات جيشه المعلومة المقدّرات لفرض تغيير في مسار الحرب يضع الإرهاب أمام مصير الهزيمة المحتوم، ويقول للعالم تعالوا نتشارك الحرب على الإرهاب ولنترك للسوريين أن يقرّروا مستقبل بلدهم ودستورهم ومَن يشغل مناصب الحكم في دولتهم.

عندما بدا أنّ الكثيرين لا يستمعون لنداء روسيا، ويحاولون وضع اليد على قرار سورية بالنيابة عن السوريين، ويضعون الشروط ويملون التوجهات، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليقول علناً، إنّ روسيا لن تسمح لأيّ قوة أجنبية أن تقرّر مَن يحكم سورية.

يشعر السوريون أنّ قرارهم المستقل الذي يشكل قدس أقداسهم قد عاد إليهم محمياً بقوة ردع دولية كافية ليطمئنوا إلى أنّ حرب جيشهم ودولتهم على الإرهاب، وما تلقاه من دعم الحلفاء ستصل إلى أهدافها، وسيكون للسوريين وحدهم الحق في تقرير مصير بلدهم، وممارسة قرارهم المستقلّ بعيداً عن وصاية أي قوة غير سورية، وتكون صناديق الاقتراع هي التي تقرّر حجم كلّ فريق سوري ومكانه ومكانته في المعادلة السياسية والدستورية لسورية الغد.

مغترب عربي سوري في الكويت

رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى