التنازلات المتبادلة: هل ثمّة تسوية من دونها؟
عامر نعيم الياس
فوجئَت الكتلة المؤيدة للدولة السورية بتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المؤتمر الصحافي السنوي أمام وسائل الإعلام العالمية، وإن كان ما تحدث به الرجل يحدّد الخطوط العريضة لسياسة اللاتنازلات الروسية في سورية، وسياسة الارتباط والالتزام الروسي الوثيق بأمن سورية إلى حدّ تكريس مقولة «أمن موسكو من أمن دمشق» إلى الحدود القصوى، وتثبيت القطيعة مع تركيا «العدالة والتنمية»، وهو ما يحوّل أيضاً الوجود الروسي في سورية إلى أمر حيويّ لا يمكن التفكير بالاستغناء عنه أبداً. وعن هذه النقطة تحديداً تجدر الإشارة إلى أن ماهية أيّ اتفاق روسي ـ أميركي للحل في سورية لا يمكن أن تشمل التواجد العسكري الروسي على الأراضي السورية، ولا يمكن أن تؤدّي بأي حالٍ من الأحوال إلى تشكيل حكومة سورية تطالب بعد 18 شهراً بانسحاب القوات الروسية من سورية. هذا الأمر ضرب من ضروب الخيال، لكن من يريد التشاؤم، والمهزوم نفسياً، يحاول دائماً التقاط التصريح من دون فهم السياق الذي أتى به أولاً، ومن دون إدراك ألف باء السياسة وألف باء أيّ حلّ سياسي لأيّ أزمة في أيّ مكان في العالم. فكيف إن كان هذا الحل المفترض هو للحرب في سورية وعليها.
في خطابه أمام وسائل الإعلام العالمية، حدّد الرئيس الروسي في ما يخص سورية مجموعة من الثوابت هي:
ـ موقف روسيا إزاء الرئيس السوري ثابت ولن يتغيّر والقرار بيد الشعب السوري وحده، وروسيا لن تقبل أن تتدخل أي قوة خارجية مهما كانت لفرض أي حكم على السوريين.
ـ لا يمكن حلّ المشكلة السورية إلا بالسبل السياسية.
ـ روسيا ستقبل الحلّ الذي يرضي الأطراف السورية من دون استثناء، وموسكو وواشنطن تتفقان على ضرورة تعديل السوريين دستورهم بشكل مشترك.
ـ لا حاجة إلى قاعدة عسكرية دائمة في سورية، ونحن نستطيع استهداف من نريده بالصواريخ المتوسطة، و«العمليات الروسية المحدودة ضد الإرهاب لا تثقل كاهل موازنتنا». هنا يشير الرئيس الروسي بشكل غير مباشر إلى أن بلاده لم تستخدم حتى اللحظة كامل قوتها في سورية ولم تتدخل عسكرياً بشنّ حرب خارجية لها موازنتها المستقلة ولها حساباتها المختلفة، بل هي حتى اللحظة تقوم بضربات محدودة وموجهة وموازنتها مقررة من ضمن الموازنة التدريبية للجيش الروسي، وكل الخيارات لا تزال على طاولة الجيش الروسي في حربه الاستباقية على الإرهاب في سورية.
ـ على الفرقاء السوريين التحلّي بالإرادة و«تقديم التنازلات المتبادلة»، وأضاف الرئيس الروسي في النقطة التي شكّلت محور قلق الكتلة المؤيدة وخوفها حول الخطة الأميركية الروسية للحل في سورية والتي ستمرر في مجلس الأمن الدولي «أعتقد أنه بعد أن تتعرف القيادة السورية إلى نقاط القرار يجب أن تقبل به. ربما هناك بعض النقاط التي لن تعجبها».
النقطة الأخيرة في خطاب الرئيس الروسي أثارت المخاوف. فهل يعقل أن يكون الاتفاق الروسي ـ الأميركي على حساب القيادة السورية؟ وهل تترك الدولة السورية وحدها؟
لم يتفق الروس والأميركان بشكل نهائي حول سورية، الأمر دونه عدد من العقبات أهمها القدرة الأميركية على ضبط صف القوى الإقليمية المعادية لسورية والتي تعمل بغطاء من واشنطن، ووجود نيّة حقيقية لدى البيت الأبيض لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق. لكن أيّ اتفاق بحاجة إلى تقديم تنازلات حتى من قبل الأقوياء الذين يديرون اللعبة على أرض الآخرين، فكيف يجب أن تكون حال من اكتوى بنار الحرب والدمار، ألا يقدّم تنازلات؟
إن الإطار العام لما قبله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما حدّده في خصوص سورية لا يمس السيادة السورية، وهو ما أشار إليه الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد في أكثر من لقاء، إذ أعرب عن استعداده للتعامل مع أيّ مبادرة للحلّ لا تمسّ السيادة السورية ولا تتدخل بتقرير مصير البلاد بشكل صارخ، وهذا بالضبط ما وضعه بوتين كشرط «لا يتغيّر» في عدم قبول موسكو أيّ تغيير من الخارج يفرض على أيّ دولة. أما ماهية التنازلات، فهي يمكن أن تشمل ملف الصلاحيات التي يمكن أن تحوز عليها أيّ حكومة وحدة وطنية «موسّعة» في سورية بعد إقرار الحلّ، كما أن من شأنها أن تشمل بعض التنظيمات التي يراد لها أن تشارك في العملية السياسية بطريقة أو بأخرى.
في جميع الأحوال، لا يمكننا أن نفهم بعد كل هذه الحرب أن تخرج فئة من داخل الكتلة المؤيدة للدولة السورية وظيفتها فقط النعي الافتراضي لأمر لم ولن يحصل، وحتى أنه لم يصبح واقعاً ورسمياً ملزماً حتى اللحظة، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن أيّ حلّ سيتضمّن تنازلات متبادلة، وهذه هي طبيعة الأمور والسياسة، وربما تُفرض علينا أمور لا تعجبنا وليست على مقاسنا، لكنها بالتأكيد ليست أشدّ وطأةً من الحرب وما فرضته على سورية.
كاتب ومترجم سوري