أول مركز للحزب بعد الثورة القومية
إعداد: لبيب ناصيف
الحديث عن العمل الحزبي في السنوات التي أعقبت الثورة الانقلابية 1961- 1962 يطول ومعه نسجل أسفنا أن الرفيق الشهيد جوزف رزق الله وهو كان تولى مسؤولية مفوض لبنان لم يدوّن مذكراته عن تلك الفترة، ومثله لم يفعل الأمين هنري حاماتي الذي تلاه في المسؤولية فالأمين عبدالله محسن.
كذلك أمناء ورفقاء نشطوا في السنوات الأولى من فشل الثورة الانقلابية لم يكتبوا عن العمل الحزبي في تلك السنوات، نذكر منهم الأمين الراحل شفيق راشد، الأمين الراحل جمال فاخوري، الأمين جبرايل عون، الأمين الراحل الياس جرجي، الرفيق الراحل عصام البابا، الرفيق غطاس الغريب، الرفيق توفيق الحايك، الرفيق جورج قيصر وغيرهم.
وحده الأمين غسان عزالدين نشر في مؤلفه «حوار مع الذاكرة» معلومات عن تلك المرحلة الهامة من العمل الحزبي يمكن أن تكون من بين الأسس في كتابة تاريخها.
كنت تحملت المسؤولية الحزبية في مفوضية لبنان مع الرفيق جوزف، ثم مع الأمين هنري مسؤوليات منفذ عام بيروت، ناموس المفوض، خازن عام ومع الأمين عبدالله محسن توليتُ مسؤولية رئيس مكتب الطلبة وعضواً في اللجنة المركزية التي كانت حلّت مكان المفوضية.
في أحد أيام الأشهر الأخيرة من العام 1962 اتصل بي الرفيق عبدالرحمن النويري 1 طارحاً علي موضوع تولي المسؤولية الحزبية عن القسم الغربي من منفذية بيروت. بعد التداول، قبلت مبدئياً.
بعد أيام كان يتصل مجدداً، متحدثاً إلي بالتفاصيل.
بعد أيام أيضاً كنت على موعد في محله الكائن في بناية العسيلي إلى جانب سينما الأمير 2 فألتقي الرفيق الذي سيوصلني إلى لقائي مع المفوض. كان هذا لقائي الأول بالرفيق توفيق حايك الذي لم أكن على معرفة به. توجهت معه إلى مقهى مشبوه في البناء حيث كان يحتل مقهى الباريزيانا الطابق الأول منه.
هناك أضواء خافتة. رجل ينتظرني. عرّفني الرفيق توفيق على الرفيق جوزف رزق الله. تحدّث إلي منطلقاً من الحديث الذي كان تمّ مع الرفيق عبدالرحمن النويري.
شرحتُ له عن عملنا مع الرفقاء في المصارف لجمع مبالغ مالية لعائلات الرفقاء الأسرى 3 وعن استمراري في النشاط الحزبي في المصيطبة باعتباري مديراً لمديرية المصيطبة الثانية 4 .
وافقتُ على تولي مسؤولية العمل الحزبي عن القسم الغربي من بيروت، إلّا أن سرعان ما امتدت مسؤوليتي لتشمل بيروت الكبرى: من الضبية، انطلياس إلى الحدث صعوداً إلى الحازمية، بعبدا، اللويزة، الفياضية، وصولاً إلى برج البراجنة.
بعد ايام دُعيت الى حضور اجتماع المفوضية العامة. فور دخولي إلى الشقة لفتني تمدد مارد على طول السرير المواجه للباب. الشقة صغيرة، سرير، طاولة وبعض المقاعد، حمام.
تعرفتُ يومها على «المارد» الأمين جبرائيل عون، على الرفيق كميل الذي مضت سنوات لأكتشف أنه الأمين شفيق راشد 5 .
إلى تلك الغرفة كنا نتوجه مرة أو مرتين كل أسبوع، أخرج ليلاً وعيناي أربعة من فرط الدخان. أذكر أني كنت أتوجه والرفيق جوزف إلى مطعم «مروش» قرب مبنى بلدية بيروت، لنسد صرخات البطن الخاوية، بصحن فول أو أكثر. ومن «المروش» إلى ساحة الشهداء لأستقل سيارة الأجرة إلى المصيطبة 6 فأنام ما تبقى من الليل لأستفيق عند السادسة والنصف مهرولاً إلى بنكو دي روما 7 فأصله قبل الوقت وأحياناً بعده بدقائق.
وفي البنك يبدأ توافد الرفقاء. بدأ خفيفاً ثم راح «يزدحم» عندما توليت مسؤولية مكتب الطلبة. الرفيقة جيزيل رزق الله 8 كانت تعمل في أحد الأقسام المجاورة للقسم الذي كنت فيه، تشاهد كل شيء. كم ضحكت.
كلما مررت بالقرب من تلك البناية 9 ألتفت إلى داخلها حيث ردهة واسعة، وفي آخرها درج رخامي إلى الطابق الاول، أعود بالذكرى إلى أوائل الستينات، تغمرني عواطف وذكريات وأشواق، وحنين إلى أيام حلوة فيها لذة التحدي والنضال الحقيقي والشعور أنك انتميت إلى حزب يريد أن يبني شيئاً أساسياً في المجتمع.
هوامش:
1 من رفقاء المصيطبة، وكان تولى مسؤولية مدرب، ونشط حزبياً.
2 كانت تقع إلى جوار مدخل موقف بناية العسيلي، الذي منه تنطلق سيارات الأجرة إلى منطقة رأس بيروت.
3 كان عدداً كبيراً من الرفقاء يعملون في معظم مصارف العاصمة بيروت. تمثلوا بالرفيق رفعت عسيران عضواً في نقابة المصارف، ثم بالرفيق الراحل مأمون منصور بعد أن كان غادر الرفيق عسيران إلى لندن.
بعد أشهر قليلة من الثورة الانقلابية، تداعى الرفقاء لجمع التبرعات فإيصالها إلى عائلات رفقاء الأسرى.
4 المصيطبة الأولى: كانت تضم الرفقاء من المنطقة العليا من المصيطبة حي اللجا محيط منزل صائب سلام أعالي برج أبو حيدر . المصيطبة الثانية تضم الرفقاء من المنطقة الوسطى، أما مديرية وطى المصيطبة فتضم الرفقاء في المنطقة الواقعة من كورنيش المزرعة ونزولاً.
5 من قب الياس. غادر إلى أوتاوا حيث تولى فيها مسؤوليات حزبية. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
6 نهاراً كانت سيارات الأجرة تتخذ موقفاً لها إلى جوار سينما التياترو الكبير، أما ليلاً فتنتقل إلى أعلى ساحة الشهداء.
7 عملت فيه من العام 1961 لغاية العام 1968. كان البنك يقع الى جانب مبنى مجلس النواب.
8 ابنة الرفيق الشهيد جوزف رزق الله عقيلة الرفيق جورج البطل.
9 تقع وسط الشارع الممتد من شارع الحمراء باتجاه مستشفى الجامعة الاميركية .
ننصح بالاطلاع على الدراسة القيّمة للامين الدكتور جورج يونان المنشورة في عدد «البناء» تاريخ 16/12/2015 بعنوان: « الكنيسة المشرقية من مار توما ومار أداي الى كارثة الخابور… وقائع صحيحة وحقائق مطموسة «.