سمير القنطار .. الحساب المفتوح

نظام مارديني

لا يمكن تقديم أي قراءة لثقافة الاستشهاد إلا باعتبارها فعلاً مؤثراً في المجتمع، فلا ثقافة من دون أثر وتأثير ومناخ وحاضنة وإنتاج وتبشير… حين تكون الأمة قابلة لإدامة الفعل الثقافي، فهي أمة يمكن لها أن تبني حضارة قابلة للتمدد والتأثير حتى في المجتمعات الأخرى.

في هذا المنحى يمكن قراءة خبر استشهاد سمير القنطار، باعتباره حدثاً كبيراً بحد ذاته. وهو خبر حوّل الاستشهاد من هدف بحد ذاته إلى جسر عبور لطالما تعرّض له المقاومون دون خوف منه.

فكم هي مقدسة كلمة «وداع» عندما تفتح عينها على الشهادة! الشهادة ذاتها التي تعتبر طريقاً لأجيال لم تولد بعد، ستسير عليه عند الضرورة كي تحافظ على كرامة أمتها وعزتها وترسم ملامح مستقبلها ونهضتها.

نعم! لقد تجاوز الشهيد مناسبته التي خُصص لها ليتحوّل ثقافة، هي «ثقافة الاستشهاد». هذه الثقافة التي أثبتت جدواها عملياً في مواجهة الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان، والاحتلال الأميركي في العراق، والعدوان الكوني على الشام.

لا، لا، لن ينتصر شبح الموت على ضوء الحياة الحياة الأبدية التي تمنح فسحة كبيرة للملائكة، كي تجهز بسرعة الضوء على كبار النفوس وهم يحلمون بغد أفضل.

لا تنتهي حياة المؤمن بالشهادة بل تبدأ. وهناك فرق بين ثقافة الاستشهاد و«ثقافة» الموت التي هي دليل على الفهم البدائي لثقافة «الجهاد». «ثقافة» الموت هي ثقافة الذل والخنوع والاستسلام. ثقافة القبول بالأمر الواقع مهما كان مذلاً ومهيناً. أما أن نُستشهَد من أجل وطننا وقضايانا الكبرى، فهذه ثقافة حياة بامتياز.

هذا، ليس لأن الروح ما عاد فيها متّسع للحزن أو أن العين ما عاد فيها متّسع للبكاء، بل لأن حمامات الجنة وأحبّة الناس ورموز الإبداع لا يموتون.

في وداع سمير اليوم، ليس لنا إلا أن ننحني احتراماً لشهادته ورحيله الصاخب.

اليوم كشف لنا الشهيد انتظاره الطويل حتى يُفتح باب الجنة على ملابسه الخضر… ملابس الجبهة المعفّرة بالعرق ورائحة التراب السوري، وها هي الصباحات تعانق مساءات الصمت وتلتحف بالفدائي الأسير الشهيد.

خلجة:

سمير

تشبّثْ بنورك، ليس لـه

ما يماثله من صباح

فالشهيد الذي يشبه

القصيدة…

تلك التي كُتبت بطولته

بالجراح

وعبرت رصيف دمشق

نحو فلسطين

لتزرع راية الكفاح

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى