الصراع بين الرياض وطهران يُظلّل سوق النفط

إنعام خرّوبي

لا تزال سوق النفط محكومة بعوامل سياسية مختلفة أبرزها الصراع الإيراني ـــ السعودي. فالرياض، وحسب بيانات رسمية، زادت صادراتها من النفط الخام هذا العام بنحو 253 ألف برميل يومياً إلى ما يتجاوز سبعة ملايين برميل يومياً في تشرين الأول، مقارنة بشهر أيلول من العام نفسه.

جلّ ما تسعى إليه السعودية هو ضربُ عصفورين بحجر واحد. فمن جهة، تريد ضرب صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة التي تتطلب سعراً مرتفعاً حتى تصبح مجدية اقتصادياً، ومن جهة أخرى، تودّ محاصرة العودة الإيرانية المُرتقبة إلى سوق النفط.

لا تُفصح المملكة عن أيّ من الهدفين، بل إنّ ما تتذرّع به علناً هو ما تعتبره حفاظاً على حصّتها السوقية. هذه الحصة التي كانت مدار حرب باردة بين الجمهورية الإسلامية والمملكة، علماً أنّ إيران لطالما وجّهت اتهامات في هذا الاتجاه إلى خصومها الإقليميين، كما جرى في العام 2012، حين صرّح أحد المسؤولين الإيرانيين بأنّ زيادة بعض الدول الأعضاء في «أوبك» إنتاجه، وخصوصاً السعودية، ستفضي إلى زعزعة استقرار السوق وإلى خفض الأسعار، وهذا ما يناقض أهداف المنظمة.

وبناء على ما تمخّض عنه الاجتماع الأخير لـ«أوبك»، لم تستطع الدول الأعضاء في المنظمة الاتفاق على تحديد سقف الإنتاج، في ظلّ تباين وجهات النظر في ما بينهم، على الرغم من هبوط أسعار النفط بوتيرة متسارعة في الأسابيع الأخيرة وملامستها حدود الأربعين دولاراً للبرميل، والعجز المالي الذي تقع فيه اليوم أكثر من دولة نفطية. وإذا كانت بعض الدول في «الكارتل» ترمي بالمسؤولية على المنتجين من خارجها، ترى دول أخرى أنّ سياسات التوسُّع في الإنتاج النفطي لدول بعينها داخل «أوبك» هي السبب الرئيس لذلك.

مشهد الفوضى والفشل الذي باتت عليه المنظمة تعبّر عنه تصريحات أمينها العام عبد الله البدري الذي أعلن إرجاء تحديد سقف الإنتاج إلى اجتماع أعضاء «أوبك» في حزيران المقبل، ما يعني أنّ هؤلاء سيواصلون ضخّ النفط بحرية، في وقت تجاوز فيه إنتاج النفط العالمي الطلب بمقدار يراوح ما بين نصف مليون ومليوني برميل يومياً.

تدرك إيران، من جهتها، المرامي السياسية للسعودية في سوق النفط، ولا تبدي استعداداً للتخلي عن خططها لزيادة إنتاجها النفطي فور رفع العقوبات عنها، وإنْ لم يصل إلى المستويات السابقة. فإيران التي تصدّر حالياً نحو 700 ألف برميل من النفط يومياً، كانت حتى العام 2011 تصدّر حوالي 2.6 مليون برميل. وفي مطلع الشهر الحالي، أكد وزير النفط الإيراني بيجن زنكنه أنّ بلاده لن ترضخ للضغوط لكي تتجنّب زيادة إنتاجها النفطي بعد رفع العقوبات عنها، داعياً أعضاء «أوبك» إلى خفض الإنتاج لإعادة الاستقرار إلى السوق.

وبحسب ممثل إيران في مجلس محافظي «أوبك» مهدي أصالي، فإنّ السعودية وحلفاءها النفطيين يعارضون خفضاً مشتركاً للإنتاج، في حين أنّ معظم أعضاء «أوبك» يؤيدونه. وكما بات معلوماً، فإنّ دولاً كفنزويلا والجزائر وغيرهما ممن تضرّرت اقتصاداتها بشدة، تُعتبر من مؤيدي سياسة خفض الإنتاج لرفع الأسعار.

واقع الأمر، لا يبدو انخفاض أسعار النفط مشكلة فقط لتلك الدول، بل لدول الخليج العربي أيضاً. وإذا كانت بعض الدول النفطية تعترف بالآثار الاقتصادية والمالية القاسية لتلك المشكلة، فإنّ دول الخليج العربي ما زالت تكابر في مواقفها في هذا الخصوص، مع أننا نسمع من حين إلى آخر تصريحات لمسؤولين خليجيين تعكس مخاوف حقيقية في هذا الخصوص، كان آخرها لوزير الطاقة القطري محمد بن صالح السادة الذي ترأست بلاده الاجتماع الـ 95 لـ«أوابك»، والذي قال إنّ الوضع الحالي في سوق النفط «يمثل تحدياً لخطط النمو»، وإن لم يعتبره «مبرّراً للتشاؤم». وأضاف: «إنّ قطاع النفط والغاز ما زال يعاني من أوضاع صعبة في الدول العربية والعالم مع تزايد الإمدادات بسبب استمرار ضخّ النفط من المشروعات غير التقليدية عالية التكلفة وتباطؤ الاقتصاد.

كثيرة هي المؤشرات التي تنقلها التقارير حول قيام السعودية بتقليص النفقات، كتخفيض قيمة الاستثمارات المخصّصة لبعض المشاريع، في ضوء ارتفاع تكاليف حرب اليمن والانخفاض المستمرّ لأسعار النفط. وربما يبدو الوضع الحرج أكثر وضوحاً في بنية الاقتصادات الأخرى الأقلّ اعتماداً على النفط، والأكثر اعتماداً على دعم «الشقيق الأكبر» كالبحرين وعُمان اللتين حصلتا مع بدايات «الربيع العربي» على مساعدات من مجلس التعاون الخليجي بقيمة عشرين مليار دولار. أما الإمارات التي انتهجت خلال السنوات الماضية «طريقاً مغايراً» من الناحية الاقتصادية، لجهة تنويع مصادر الدخل في البلاد نحو قطاعات السياحة والتجارة، فإنّ الواقع الاقتصادي المهتزّ في دول الجوار الخليجي، سوف تكون له تأثيرات سلبية على الحركة السياحية فيها وعلى كميات البضائع من أقطار مجلس التعاون وإليها.

في خضمّ الصراع الإقليمي المحتدم حالياً بين السعودية وإيران، ورغم شيوع بعض بوادر الانفراج على مستوى العلاقات الثنائية، مع تعيين الرياض سفيراً لها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية مؤخراً، تسير أسعار النفط جنباً إلى جنب على وقع تطورات المنطقة التي يبدو أنّ حالها، كما حال سوق النفط، أيّ أنها لا تزال بعيدة عن التفاهمات إلى أجل تأمل شعوب المنطقة ألا يكون بعيداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى