الصراع الاستراتيجي بين المملكة وحزب الله يتعاظم… فهل تنقطع شعرة معاوية؟
هتاف دهام
يتعاظم الصراع الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية وحزب الله، فسياسة الطرفين تجاه قضايا المنطقة أثبتت أنهما على طرفي نقيض في المعادلة الإقليمية. سمّى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في شهر أيلول الماضي الأشياء بأسمائها، ومن دون قفازات، أن السعودية هي المسؤولة عن القتل في منطقتنا، وهي التي قتلتنا في حرب تموز».
لم تترك المملكة باباً يمكن لحزب الله أن يدخل منه في محاولة لإقامة علاقات جيدة معها إلا وأوصدته بسياساتها الإرهابية والعدوانية حياله وحيال الشعبين السوري واليمني وحيال الجمهورية الإسلامية، وبخاصة بعد قضية الحجاج الإيرانيين الذين فُقدوا في فاجعة منى. لا مجال للتغافل عند المقاومة عن تمويل آل سعود للإرهاب في سورية، وعن غزو البحرين واليمن، والقبول والترحيب بانضمام كيان العدو «الإسرائيلي» في شهر تموز الماضي إلى التحالف العربي الذي تقوده ضدّ اليمن والذي تمثل بقيام طائرة «إسرائيلية» مطلية بألوان سلاح الجو السعودي بإطلاق قنبلة نيوترونية على جبل نقم في اليمن، بحسب موقع «فيترانز توداي» الأميركي.
ويبدو أنّ الصداقة والشراكة التي تجمع «إسرائيل» و»السعودية»، وفق ما أكده نائب رئيس الموساد «الإسرائيلي» السابق مناحيم ناحيك نفوت في مقابلة مع القناة «الإسرائيلية» الثانية، تعود عملياً إلى ستينيات القرن الماضي، حيث شارك الكيان الصهيوني بشكل مموّه آل سعود في حربهم ضدّ جمال عبد الناصر في اليمن، وكانت «إسرائيل» تزوّد السعودية بالسلاح، كما كانت تفعل أيضاً مع إيران زمن الشاه، وحققت من وراء ذلك أرباحاً خيالية ساعدتها على دعم اقتصادها.
يضع حزب الله ملاحظات جوهرية تجاه السياسات السعودية تجاه الموقف من «إسرائيل» والقضية الفلسطينية، وبخاصة بعد الحديث لقاءات سعودية – «إسرائيلية» سريّة بين ضابط الاستخبارات السعودي السابق أنور ماجد عشقي والمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد، للبحث في جملة قضايا إقليمية على رأسها كيفية محاصرة إيران، واللقاء الذي وصف بـ»التاريخي» بين تركي الفيصل وديبلوماسيين «إسرائيليين» خلال مؤتمر أمني انعقد في موناكو، حيث تلقى خلاله الفيصل دعوة من عضو الكنيست «الإسرائيلي» مائير شطريت لإلقاء خطاب أمام الكنيست في تل أبيب. تمرّ العلاقة بين السعودية وحزب الله في أسوأ مراحلها. صحيح أنها شهدت مداً وجزراً على مدى السنوات العشر الماضية وما سبقها، لكنها لم تصل إلى حدّ الطلاق والعداء الذي وصلت إليه اليوم، برغم كلّ الاتهامات المتبادلة. قطعت حارة حريك شعرة معاوية مع الرياض، هناك قطيعة كاملة وعدم وجود قنوات اتصال سواء كانت دبلوماسية أو غير دبلوماسية منذ أكثر من سنتين ولن تتحسّن العلاقة سواء مع حزب الله أو مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من دون تحوّل سعودي في الملفات الكبرى وفي طليعتها الملف السوري.
بات التعاطي بينهما من الندّ إلى الندّ. رفعت الرياض وتيرة عدائيتها لحزب الله وملاحقته، عندما وصلت إلى حائط مسدود في حربها ضدّ اليمن وسورية، وربما تكون نجاحات المقاومة في سورية السبب الأساس والإشكال الرئيس بين الطرفين، بخاصة أنها حمّلت حزب الله جزءاً من المسؤولية الأساسية في صمود الرئيس السوري بشار الأسد، كما أنها اتهمته بأنه وراء قوة الحوثيين وصلابتهم في اليمن، فكانت الهجمة الإعلامية عليه من باب مساندته الإعلامية للثورة البحرينية واتهامه بدعم الحوثيين.
شنّت السعودية حرباً في كلّ الاتجاهات ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ توقيع الاتفاق النووي، وضدّ حزب الله في أكثر من جبهة، في سورية منذ أن دخلت عناصره في معركة دفاعية ضدّ الإرهابيين التكفيريين في القلمون والقصيْر، ولا تنفك المملكة تحرّض على المقاومة. اعتبر مجلس التعاون الخليجي حزب الله «منظمة إرهابية»، ودشنت الرياض أولى العقوبات الخليجية ضدّ النشاطات التجارية للمنتسبين والمؤيدين لحزب الله وفرضت قيوداً على معاملاتهم التجارية والمالية، وصولاً إلى إعلان وزارة داخليتها قائمة تضمّ أسماء 12 شخصاً وشركة، قالت إنها لقياديّين ومسؤولين من حزب الله في قوائم الإرهابيين والداعمين للإرهاب، وحجبت قناة «المنار» الداعمة للقضية الفلسطينية عن قمر «عربسات»، ودعمت ملاحقة حزب الله في المحافل الدولية. وفجأة وبسحر ساحر أعلنت المملكة عن تشكيل «تحالف سني» لمحاربة الإرهاب، من دون أن تحدّد معنى الإرهاب، وبمشاركة دول من دون أن يكون لها علم أو رأي أو قرار، بهدف تعميق الصدع المذهبي مع انتفاء وجود أية دولة «شيعية» أو «علوية» ضمن هذا التحالف، للمشاغبة على مسار الحلّ السياسي الذي انطلق مع فيينا بما يخدم سياساتها، لأنها تريد صرف الأنظار عما يلحق بها من هزائم في سورية واليمن، حيث لم تستطع تحقيق أيّة إنجازات ميدانية تُذكر، برغم كلّ الدعم المالي الذي قدّمته وحلفاؤها للجماعات المسلحة.
لا نقطة التقاء واحدة بين حزب الله والسعودية، فحجم الاهتزاز الراهن في العلاقة بين المقاومة والرياض لم يشهده تاريخ العلاقة بين الطرفين منذ عام 1992، حيث تقلبت منذ ذلك الحين بين فرّ وكرّ، لكن الطابع العام الذي حكم هذه العلاقة هو الجفاف والحذر المتبادل من الطرفين. ففي عام 1993 كانت العلاقة بين الضاحية الجنوبية والمملكة سيئة وعدائية، بخاصة أنّ الرئيس الراحل رفيق الحريري الابن المدلل للأسرة المالكة كان يبغي عندما أطلق ربيع لبنان في ذلك العام بإيعاز سعودي التخلص من سلاح حزب الله لتنتهي هذه المرحلة في حرب تموز 1993 عندما أتى الحريري بقرار من المجلس الأعلى للدفاع بإرسال الجيش إلى الجنوب ساهم فيه الرئيس الراحل الياس الهراوي، وبعلم من نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، وكاد القرار أن يمرّ لولا الموقف الصلب الذي اتخذه يومذاك قائد الجيش العماد اميل لحود الذي خيّر هؤلاء بين التراجع عن القرار أو تقديم استقالته. وهنا بدأ عهد جديد بين حزب الله والسعودية عنوانه المساكنة عبر الرئيس الراحل الحريري، فحصلت لقاءات وفتحت أبواب مكاتب حزب الله في حارة حريك للحريري والسعودية عبر سفيرها، واختتمت هذه المرحلة بتفاهم نيسان عام 1996. بدأ حزب الله عقب ذلك مرحلة ثالثة اصطلح على تسميتها بمرحلة «الرؤى المستقبلية»، فتح أوراقه السياسية من دون العسكرية، وخلال هذه الفترة جرت اتصالات بين حزب الله والسعودية التي وجهت يومذاك دعوات لمسؤولين وقياديين من الحزب للقيام بزيارتها إلى العمرة والحج، لتنتهي تلك المرحلة في ذكرى تحرير الجنوب من العدو الإسرائيلي عام 2000، وتبدأ مرحلة جديدة مع لجوء المملكة إلى سياسة الضغط بشكل مقنّع على حزب الله لتجريده من سلاحه، ليشتدّ الضغط أكثر فأكثر في عام 2003 وعام 2004 مع صدور القرار 1559 الذي يعتبر الرئيس الراحل للحكومة مكوّناً رئيسياً وأساسياً في إنتاج هذا القرار. انتهت تلك الحقبة باغتيال الحريري في وسط بيروت حيث تفجّرت من جديد كلّ الخصومات المجمّدة بين السعودية والمقاومة، بمسارعة الرياض إلى اتهام حزب الله وسورية باغتياله، ودعمها الشديد لإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بالحريري، وتحميل المقاومة في عدوان تموز 2006 «المسؤولية الكاملة» عن تصرفاتها التي اعتبرتها غير مسؤولة، لتصل العلاقة بينهما إلى أسوأ مراحلها خلافاً مع الماضي، وتستمرّ بالتدهور حتى عام 2008 مع تغطية آل سعود لمحاولة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة نزع سلاح الإشارة بإصدارها قراري 5 أيار الشهيرين القاضيين بإقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير وباعتبار شبكة حزب الله غير شرعية، فكانت النتائج عكسية حيث كبحت أحداث السابع من أيار العدوانية السعودية، لتدخل العلاقة بين الطرفين بعد اتفاق الدوحة الذي أوصل الرئيس ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، في شبه هدنة لم تدم أكثر من سنة، لتعود وتنفجر في عام 2010 مع إطاحة حزب الله وحلفائه من الرابية بحكومة الحريري، ومنذ ذلك الحين والأمور تأخذ منحى تنازلياً وصل إلى حدّ القطيعة مع انخراط مقاومي حزب الله إلى جانب الجيش السوري في محاربة التنظيمات المسلحة التي تدعمها وتموّلها وتسلحها السعودية، بالتعاون مع الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية.
ليس في الأفق أيّ إشارة أو دلالة يمكن اللجوء إليها لمعالجة الوضع أو ترتيبه، ما يقود إلى القول إنّ حزب الله لن يعطي السعودية في لبنان شيئاً تحلم به، وهو قادر على منعها. فمملكة آل سعود لم توفر ولا تزال، فرصة للانتقام من مقاتلة حزب الله للإرهابيين ولـ»إسرائيل» إلا وقامت بها محلياً وخارجياً وفي المحافل الدولية، إلى حدّ الانخراط في حرب مفتوحة ضدّه فإخفاقات المملكة في سورية واليمن وراء هذا التصعيد، والسعودية في لحظات الإخفاق لا تتراجع إنما تندفع إلى مغامرات مجنونة.