«داعش»… ظلامٌ زاحفٌ إلى نساء العراق

ميرنا قرعوني

بعد اختراع ما يسمّى بـ«جهاد النكاح» في سورية، واستباحة النساء واستغلالهن بِاسم الدين، برزت مآثر «داعش» في العراق عقب سيطرتها على بعض المناطق ضمن ما عرف بـ«غزوة الموصل»، فكفّرت من كفّرت وقطعت رؤوس الأطفال وأحرقت الكنائس واعتدت على كلّ من يحمل اعتقاداً مغايراً، ولم تستثن من أعمالها الإجرامية أحداً. إذ أعدمت رجال دين من الطائفة السنّية فقط لأنهم رفضوا المبايعة، أمّا النساء العراقيات فلم يسلمن من التنكيل بهنّ وبأسوأ الأساليب.

من المتعارف عليه عادة، أنّ النساء والأطفال يشكلون الحلقة الأضعف في الحروب، وتُبذل جهود كبيرة عادة لحمايتهم من الاعتداءات، كما تتفق معتقدات كثيرة في طليعتها الدين الاسلامي على وجوب احترام كرامة الأطفال والنساء وحياتهم، بينما كرّست الأمم المتحدة وجمعية الصليب الأحمر الدولي جهوداً لا تزال مستمرة منذ الحرب العالمية الأولى، لتعميم مواثيق تقضي بتحييد المدنيين، خصوصاً النساء والأطفال عن العمليات الحربية وآثارها في مناطق القتال. لكن لجماعات التكفير والإرهاب تقاليدها البربرية التي لا تقيم وزناً أو اعتباراً لكل ذلك. وتركت خلفها في مسرح غزواتها العسكرية ضحايا للقتل والاغتصاب والإجرام بكل أنواعه. الأشد وحشية والأنكى، أنّ تلك الجرائم تُرتكب بِاسم الدين، ومعها سرقات وعمليات سطو موصوفة قام بها البرابرة الجدد بأبشع الطرق .

منذ توغّل هذه العصابات في العراق ونحن نتابع يومياً عبر وسائل الإعلام قصصاً مأساوية لنساء وفتيات تعرّضن للاغتصاب. فقد ذكرت قناة العراقية أنّ «خمس فتيات في مدينة الموصل، اغتُصِبن من قبل عناصر داعش بعد رفضهن ما يعرف بجهاد النكاح، كما قام عدد من عناصر عصابات داعش باغتصاب طفلة لا يتجاوز عمرها 10 سنوات في مدينة الموصل».

كما عرضت تلك القناة تقريراً عن شقيقتين تعرّضتا للاغتصاب. إذ قالتا إن عدد المغتصبين كان كبيراً، وقاموا بقتل الرجال في المنزل ثم تناوبوا على اغتصابهما مع امرأة أخرى. وكانت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أعلنت أنّ أربع نساء من أهل السنّة أقدمن على الانتحار بعد تعرّضهن للاغتصاب مع دخول عناصر «داعش» إلى مدينة الموصل.

وأظهرت العصابات الداعشية عداءها لجميع الديانات السماوية. فبحسب مصدر أمنيّ في محافظة نينوى، أن «داعش» أمرت بهدم جميع الكنائس في مدينة الموصل التي نزح عدد من سكانها وبينهم مواطنون ورجال دين مسيحيون ومسلمون على السواء.

العنف التكفيري الذي يجتاح المنطقة في السنوات الأخيرة يقوم على مبدأ الإلغاء الجسدي لكل مختلِف، ولو كان من الطينة والاتجاه ذاتهما. وفي قلب المشهد العراقي والسوري الدامي، تظهر حروب الجماعات التكفيرية في ما بينها شاهداً على هذه الحقيقة.

إن التخلّص من هذه الآفة لا يمكن أن يأتي بغير ثبات الدول الوطنية بهياكلها ومؤسساتها، وعبر نشوء قوى تلتزم ثقافة التنوّع وقبول الاختلاف في قلب الشراكة الوطنية. وعلى هذا الخيار تنعقد آمال المنطقة للخروج من ليل طويل تعدنا به الحركات الظلامية الاستبدادية والإلغائية، التي تعتنق عقائد التكفير بكل صنوفها، وتضع الشعوب في خطر وجودي مستمر، ينطلق من خطر القتل العشوائي، ولا يقف عند حدود انتهاك المحرّمات .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى