«إسرائيل» درست توقيت الاغتيال
روزانا رمّال
لم تكن العملية «الإسرائيلية» في جرمانا واحدة من العمليات التي ارتجلتها «إسرائيل» لتصفية حساب قديم مع سمير القنطار فقط، أو أنها غير مستعدّة لتأجيل العملية كي لا تخسر فرصة نجاحها مجدداً لأنّ المصالح الكبرى تعلو، في معظم الأحيان، على الرغبات في الحسابات العسكرية إذا لم تكن الظروف تسمح وتأخذ بعين الاعتبار أنّ الظروف المقبلة قد ترتب عليها فرصة استهداف تأتي بشكل لا يرتب عليها انتظار ردٍّ قاس قد لا تتحمله.
الدليل على أنّ «إسرائيل» كانت متحسِّبة جداً، وأنها قد خططت للعملية هو تماهيها مع الوضع وأخذها بعين الاعتبار حساسياته وتداخلاته عبر استهداف القنطار عن بُعد أي ليس عبر خرق السيادة السورية وخرق الأجواء التي تقع تحت منظومة روسيا الدفاعية، وقد وجّهت بالتالي رسالة صارخة بأسلوب الاغتيال، أنه مدروس وهو الذي شكل أصلاً غموضاً في بدايته بتقنيته التي لم تعد تهمّ اليوم. وعليه فإنّ «إسرائيل» تراقب جيداً وتعرف في أي ظرف تنفذ العملية وفي وجود مَن وبغاية ماذا.
كان ممكناً جداً تأجيل العملية التي لا تعتبر بالنسبة إلى «إسرائيل» على الأرض السورية سوى مجازفة، وخصوصاً أنها تأتي في ظروف ضاغطة داخلياً، أي في ظلّ انتفاضة السكاكين التي تتكفّل وحدها باغتيال القنطار في تلقي جرعة زخم كبرى لشابات وشبان فلسطين المتعطشين إلى الانتقام من «الإسرائيليين»، وبالتالي فإنّ تخطي «إسرائيل» لهذا الحساب أمر له دلالات كبرى وهو ضاغط بحجم قلب المشهد الذي ربما تريد استدراج حزب الله أو أحد حلفائه إليه من دون أن يكون بالضرورة حرباً كبرى.
يأتي التصعيد «الإسرائيلي» في ظلّ تصعيدين آخرين لحلفاء في محور واحد كشف الشهر الماضي مستوى الإحراج والضغوط التي وقعوا فيها. فبعد القطيعة بين الحكومة التركية والسلطات الروسية جراء أزمة إسقاط طائرة «سوخوي» الروسية على حدود تركيا ومقتل طيار، لم تقدم روسيا أي مساومة عليه توجّهت تركيا فوراً نحو بعض التعويض لمهابة وانكسار أخذتها إليهما روسيا بتحجيمها عبر عقوبات اقتصادية ونكث لعهود ووعود بخط غاز والأهم كبح جماحها وتماديها على الأراضي السورية بقاعدة روسية رسمتها بأنظمة دفاعات «أس 400» أن من غير المسموح لأي خرق للأجواء السورية من دون تنسيق مع موسكو، مهما كان الدور التركي وغير الدور التركي مباشراً وأساسياً في المعادلة السورية، لجهة دعم مسلحين، وخصوصاً في الشمال. وهذا ما أخذ تركيا نحو تصعيد تقدمت فيه بنوع من الخفة بدخول قوات عسكرية لها إلى الموصل ومن ثم تراجعها عن القرار بأوامر البيت الأبيض الأميركي، بحسب ما قال أردوغان، ليتبع ذلك موقف سعودي لا يقلّ غموضاً وعبثية عن القرار التركي، ما يؤكد على ضغط ما يعيشه الحلفاء وهو تأسيس حلف إسلامي ـ عربي من 34 دولة بقيادة السعودية من أجل مكافحة الإرهاب في سورية. وهذا الإعلان تلازم مع تكبّد القوات السعودية وحلفائها في اليمن خسائر مادية وبشرية كبيرة بصواريخ «باليستية» استعملت لأول مرة في حرب اليمن.
«إسرائيل» التي شكلت حلفاً منذ أيام مع تركيا تعويضاً لها عن خط غاز روسيا الموعود، اتفقت مع أنقرة على خط غاز يمر من شاطئ سيبان التركي إلى حيفا. وقد كشف الطرفان بهذا التموضع في الخندق نفسه والاتفاق على العدو أو الخصم نفسه، إذا صحّ التعبير، وهو التموضع الذي استطاعت السعودية جلب تركيا إليه على غير عادة بقبول الأخيرة الانضمام إلى الحلف الإسلامي لقتال الإرهاب ليكتمل الثلاثي بوضوح وتقاطع مصالح السعودية وتركيا و»إسرائيل».
اغتيال القنطار يأتي في ظلّ الضغط نفسه الذي يعيشه الحلف المذكور، وهو على ما يبدو ضرورة من أجل أمر ما تريد «إسرائيل» وحلفاؤها فرضه، وكلّ على طريقته من أجل الدخول في التسويات من بوابتها الكبرى، حتى ولو كلف هذا التصعيد مواجهة كبرى لأنّ هذه الفرصة لن تتكرر، ولأنّ حلف إيران ــــ سورية ـــــ روسيا يتقدّم ويثبت جذوره أكثر يوماً بعد يوم، منذ توقيع الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني.
كانت القيادة العسكرية «الإسرائيلية» تتوقع من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه كلّ شيء، وفي الوقت نفسه، هي لا تتوقع أي شيء في القريب العاجل كردّ فوري على عملية اغتيال القنطار في ظلّ الضغط الذي يعيشه حزب الله في سورية، لكنّ السيد نصرالله أكد أنّ خرق المعادلة التي وضعها بعد عملية القنيطرة لحماية رجال المقاومة غير قابل للمرور وأنّ القنطار واحد من هذه المقاومة، وبالتالي كما تمّ الردّ على اغتيال جهاد مغنية فإنّ الردّ مقبل أيضاً هذه المرة ومن أي مكان.
الرد على اغتيال مغنية أوجب على «إسرائيل» تلقفه من دون أن يتطور إلى حرب، لكنّ ردّ المقاومة سيكون هذه المرة قاسياً جداً، بحسب التوقعات، بعد أن كبُر الحساب منذ اغتيال عماد مغنية وحسان اللقيس حتى القنطار اليوم. من هنا، فإنّ هذا الردّ يؤكد أنّ حزب الله جاهز لحرب حقيقية، لكنه سيترك تطوّرها في يد تل أبيب التي ستكشف نيات حلف برمّته في حال اختيارها التصعيد. ومن الآن حتى ردّ حزب الله يعيش كيانها حرب أعصاب بكلّ المقاييس.
الردّ أكيد مختصر كلام السيد المفيد.