نصرالله: فتحوا حرباً شاملة ونحنُ لها
روزانا رمال
في وقت كان من المفترض أن يتضمّن خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الأخير فصلاً كبيراً من الحديث عن عملية اغتيال الشهيد سمير القنطار وملابساتها وموقف المقاومة حيالها وتوجيه رسائل إلى «إسرائيل» عن الآتي من الأيام، بعد خرقها معادلة رسمها السيّد نصرالله بعملية شبعا، وهدفت إلى حماية أي عنصر من عناصر الحزب، خرج السيد يتحدث عن مواضيع بعيدة عن المُنتظَر واقتضب كثيراً في قضية الشهيد القنطار.
ويكشف التدقيق في المحاور التي تمّ تناولها أموراً تصبّ في خانة اغتيال القنطار نفسها، وتشكل مدخلاً إلى المحور الذي يمهّد السيد نصرالله لشرحه، بمعزل عن ترهيب «الإسرائيليين» وبثّ القلق في صفوفهم بحرب أعصاب حقيقية تتعلق بتوقيت الردّ «المؤكد» الذي تحدّث عنه.
كلام السيد نصرالله عن ملف العقوبات الاقتصادية المفروضة على حزب الله عبر الكونغرس الأميركي، وعن عقوبات فردية لكلّ مَن يتعامل مع الحزب من رجال أعمال أو مواطنين عاديين يُتّهمون زوراً بالانتماء ومرات بمناصرة قضايا الحزب، يبدو أنها تزعج حزب الله بشكل مباشر لأنها تعود بالظلم والافتراء على أناس لا ذنب لهم سوى مناصرة القضية الوطنية وقضية المقاومة عموماً في المنطقة.
تحدث السيد نصرالله بإسهاب عن ملف العقوبات، كاشفاً أنه تمّ تصنيف حزب الله «منظمة إجرامية»، موضحاً الفرق بينها وبين الإرهابية، وهي عبارة عن تهمة تتوزّع بين غسيل الأموال وتبييضها والتجارة بالمخدرات وبالبشر، ولكن في هذا ظلم وافتراء، يضيف السيد نصرالله.
ورغم أنّ أمين عام حزب الله يدرك أنّ كلّ هذا التسويق هو لتشويه صورة حزب الله، وكلّ ما كان قد دفع في لبنان وخارجه وحملات تبنّاها جيفري فيلتمان، سفير واشنطن الأسبق في بيروت، لا يؤثر على معنويات الحزب أو طبيعة عمله وأهدافه، ولو أنّ هذا الأمر لم يكن ضمن مخطط لما كان قد تحدّث عنه في لحظة كانت مخصّصة للشهيد القنطار، إلا أنّ لديها وظيفة لا يريد السيد نصرالله تجاهلها، وهي الوظيفة التي من شأنها تشويه صورة الحزب في الداخل عبر أذية كلّ مَن يتعاطى معه، وتقليب الرأي العام الداخلي، أيّ أفراد مجتمع حزب الله وليس خصومه، بالتعرّض لأرزاقهم ومؤسّساتهم وسمعتهم ومستقبلهم أيضاً، وهذا من شأنه خلق شرخ مع الحزب واتهامه بتدمير حياتهم، وهو أحد الأهداف المباشرة، ومن جهة أخرى تشويه صورة حزب الله المعروف إقليمياً ودولياً لدى القاصي والداني بأنه حزب متماسك منظم يعرف ماذا يريد ويرفع معركة مكافحة الإرهاب في سورية والعراق ولبنان إلى مقدّمة أولوياته. وبالتالي فإنّ إطلاق صفة «منظمة إجرامية» عليه هدفه النيل من سمعته وأخلاقياته في شكل مباشر وضربها بعُرض الحائط وكسر كلّ ما يحاول زرعه من معركة ستعود عليه بإيجيابيات تعزز موقعه دولياً، وقد كافحت «إسرائيل» من أجل تصنيفه إرهابياً عند الاتحاد الأوروبي تارة، وعند الأميركيين ودول غربية عدة طوراً، وبتحالف حزب الله مع روسيا وكلّ من يودّ قتال الإرهاب بجدية يفتتح الحزب معركة تشريعه وتحسين صورته على مصراعيها.
لم يكن السيد نصرالله بعيداً في كلامه عن صلب الموضوع، ففي خطاب خُصِّص لتناول الراحل الكبير الشهيد القنطار، كان السيد يريد أن يقول إنّ اغتياله يأتي ضمن حرب فتحت على حزب الله، حرب يبدو أنهم قد أعلنوها من النواحي كافة، وإذا كان الردّ على استهداف القنطار، وهو «آتٍ بشكل مؤكد»، وهو «حقّ لنا كحزب الله»، قد يؤدّي إلى حرب كبرى، فعلى المراقب أن يعرف أننا على علم بأنّ الحرب علينا مفتوحة، وأنّ الاغتيال هو واحد من معالمها.
إذاً… يتحدّث السيد نصرالله بوضوح عن حرب مفتوحة من كلّ الجهات، ويتناول محاولات قمع وسائل إعلام حزب الله أيضاً، وعن حشر كلّ ما يتعلق بحزب الله في الزاوية، وليس حجب قناة «المنار» عن بعض الأقمار فضائياً إلا ترجمة لحلف أعلن رسمياً أنّ حزب الله إرهابي، وهو الحلف الأميركي ــــ «الإسرائيلي» ــــ السعودي ــــ الخليجي.
أتت خطوة السعودية الملتبسة بقرار إنشاء حلف إسلامي ـــــ عربي لتزيد من الشكوك لدى الحزب الذي يعرف أنه مصنف إرهابياً لدى المملكة، وأصدر في هذا الصدد بياناً شديد اللهجة استوضح سبب التعدّي على سيادة لبنان، لافتاً إلى دعم السعودية للإرهاب، وملابسات التصنيفات، حسب مصلحتها. وهنا فإنّ قلق حزب الله في مكانه إذا قرّرت المملكة وحلفها استهدافه طالما أنها قد صنّفته إرهابياً أيضاً، وفي هذا الإطار يُضاف ما تمّ طرحه في نيويورك مؤخراً من وزراء خارجية 17 دولة وممثلين عن الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي في محاولة لكسر حصرية مكافحة إرهاب «داعش» والمجموعات الأخرى المماثلة فتعدّى توصيف المجموعات إلى حزب الله وحركة أمل وحزب البعث لبنان ، وهذه المنظمات الثلاث ليست إلا حليفة لحزب الله في نهاية المطاف.
وبالمتابعة، يُلاحظ استهداف حزب الله في فترات متزامنة ومتقاربة وبأشكال وعناوين مفاجئة، حتى جاءت جريمة اغتيال الشهيد القنطار ليدرك حزب الله أنّ هناك رغبة في تصعيد كبير.
خطاب السيد نصرالله تمهيد لإيصال رسالة مفادها أننا تلقينا الرسالة، وهي أنّ حرباً قد فتحت علينا، وعلى الجميع أن يُدرك ذلك ويتوقع تحت سقفها كلّ شيء، بما في ذلك طبيعة الردّ على هذه الحرب.