خطاب السيد… وكيف سيكون الردّ؟
سناء أسعد
كنت كما الكثيرين غيري أنتظر بفارغ الصبر خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بعد تلك العملية العدوانية التي استهدفت عميد الأسرى المحرّرين المقاوم المناضل عماد الحرية سمير القنطار داخل الأراضي السورية، دون استثناء «إسرائيل» وأميركا وتركيا والسعودية وغيرها من الدول المتآمرة لقتل روح المقاومة، حيث يصحّ القول إنّ انتظارهم كان أكثر بكثير من انتظارنا نحن. ومن المؤكد أنّ لحظات الانتظار كانت عصيبة جداً عليهم ولم تخلُ من التوتر والقلق والسكون المترافق للجهوزية والاستعداد الكامل للردّ… فهل تتوقعون أن يستخلصوا من خطاب السيد طريقة معينة تتبناها المقاومة في منهجية الردّ المكانية والزمانية؟
بكلّ تجرّد ومصداقية كنت أتوقع كما غيري خطاباً حماسياً من سماحة السيد يشعل نار الثأر في قلوبنا من جهة ويطفئ، من جهة أخرى، نار القهر والحزن التي أشعلتها تلك الاعتداءات المتتالية السافرة والحاقدة من ذلك الكيان الواهن الذي لا يكفّ عن العبث في المنطقة بأكملها ليفرض وجوده الغاصب بأيّ طريقة ومهما كان الثمن….
انتظرت كما الكثيرين أن أسمع لهجة حادة أو انفعالية في خطاب السيد… لكنني لم أسمع… فالتجأت إلى ملامح وجهه والتعابير التي تتحدّث عما يجول في الأعماق وإلى حركات يديه التي تفسّر أحياناً، بل دائماً، ما يدور في العقول والقلوب من مشاعر وأفكار…
بعد كلّ هذا البحث مراراً وتكراراً. هنا وهناك وفي أبعاد خطاب السيد كافة والمواضيع التي تناولها، لا يمكنني إلا أن أسلّم بنتيجة واحدة بعد ذلك الخطاب، بل بحقيقة ثابتة لا يمكن التأويل والتشكيك بها أو حتى إثارة الجدليات والنقاشات حول مصداقيتها وصدقها وحتمية بقائها، كتاريخ مشرّف لأجيال وأجيال. هذه الحقيقة هي تلك القوة الكامنة والصمود الجبار اللذان يسكنان في قلب كلّ مقاوم شريف مليء بالتحديات التي لا تعرف الهزيمة أبداً إلا مراراً يتذوّقه العدو…
فلماذا الحماس في خطاب السيد إن لم تكن هناك هزيمة تتطلب الحماس في الخطاب… فيترك معه التسليم للمجال التفسيري للعدو بأنهم استطاعوا الاستفزاز وأنّ الخسائر المعنوية كبيرة في صفوف المقاومة فلا بدّ من حماس خطابي حتى لا تنهار الهمم…
لماذا الحماس إذا لم تكن هناك من عزائم أثبطت أو همم همدت أو حرب ستتوقف؟
لماذا الخطاب الحماسي إذا كانت روح المقاومة ولا تزال وستبقى حية تنبض بها القلوب وتتكلم عنها العقول وتشهد لها الساحات والميادين في كلّ زمان ومكان يتطلبه ذلك الوجود النضالي؟
لماذا الحماس إذا كانت الشهادة حلم ومبتغى كلّ مقاوم شريف؟
فروح المقاومة لا تقتل ولا تتوقف عن العطاء بسلسلة من الاغتيالات وإن طالت أهمّ القادة المقاومين، الذين كان آخرهم القنطار النضالي والقنطار الروحي والقنطار الجغرافي والتاريخي، والقنطار الاجتماعي والإنساني والديني… فهو جمع ووحد كلّ هذه القنطارات في قنطار واحد وهذا ما تناضل من أجله كلّ روح مقاومة، وهذه هي الرسالة التي يريد أصحاب القضية إيصالها حتى يتحقق السلام في بقاع الأرض كافة دون أن ترعبهم أو تنال منهم تلك الاغتيالات أو التصريحات الحاقدة والاتهامات الواهمة والتسميات والتصنيفات الكاذبة للتشكيك بدور حزب الله في المنطقة… ما داموا هم واعين ومدركين لحقيقة دورهم وأهميته وأحقيته وشرعيته واستمراريته حتى يتحقق النصر لو بعد حين…
الردّ لازم ولا بدّ منه، بل هو ضرورة، لكنه لن يكون في المكان والزمان اللذين تتوقعهما «إسرائيل».
أتوقع أن يكون الردّ… ليس على طريقة «اضربني كفّ لأضربك آخر…» بل سيكون على طريقة «اضربني كفّ حتى أصفعك عشرة… اطعني في الضهر لأهزمك وجهاً لوجه في قلب المعركة».
اغتالوا مغنية والقنطار والشعلان… نعم، لكنّ في صفوف المقاومة بكلّ امتدادها بل في الأرواح والقلوب ألف مغنية وقنطارات وشعلات المقاومة لن تنطفئ…
الردّ لن يكون من حزب الله فقط… سيبدأ ولن ينتهي حتى يتمّ تحرير آخر شبر من الأراضي المحتلة… وتنهار تلك الشبكة العنكبوتية الواهنة الواهمة إلى غير رجعة…